حياة الانسان في كل عصر ومصر مليئة بالأحداث إيجابا وسلبا، إذ يعيش حياته عظيما وحقيرا، فرحا وحزينا، معافًى ومريضا سيّدا ومسودا، وتلك سنّة الحياة وناموس الكون وقانون الطبيعة، ولكن الرجل الصّلب، صاحب العزيمة القوية، هو الذي يصمد أمام نوائب الدهر ويتحدى صعاب الحياة ويتذرّع بالصبر، ويتجلّد حتى لا يشمت به الشامتون انسجاما مع قول الشاعر: وتجلّدي للشامتين اريهم أني لريب الدهر لا أتضعضع وقد مدح اللّه الصابرين ووعدهم بعظيم الأجر وحسن الجزاء فقال: {إنَّمَا يُوَفَّى الصَّابرُونَ أجْرَهُمْ بغَيْر حسَاب} وأمر رسوله محمّدا بالصبر فقال: {فَاصْبرْ كَمَا صَبَرَ أولُو العَزْم منَ الرُّسُل}. ومما روي في مجال الصبر على العبادة أن الأشعث بن قيس دخل على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب فرأى في وجهه علامات الضعف والتعب جرّاء صبره على العبادة ليلا ونهارا فقال له: الى كم تصبر على ذلك؟ فكان جوابه هذه الأبيات: وفي الرّواح الى الطاعات في البكر للصبر عاقبة محمودة الأثر واستصحب الصبر إلا فاز بالظفر اصبر على مضض الإدلاج في السّحَر إني رأيتُ وفي الأيام تجربة وكلّ من جدّ في أمر يؤمّله قال الأشعث فحفظتها وألزمت نفسي الصبر على الشدائد فوجدت في ذلك سعادة وبركة وراحة صاحبتني حياتي كلّها. وقد حفلت كتب تاريخ الأدب العربي بقصص وأشعار وأخبار تمدح الصبر والثبات عند المصائب والشدائد، وتذمّ الجَزَعَ والخوف عند الابتلاء بصروف الزمان، من ذلك هذه المقتطفات الشعرية البليغة التي تبعث في النفس التفاؤل بالفرج، وتسلّي المصاب، وتدفعه الى تجاوز المحن والمكاره والاقبال على الحياة عملا صالحا وإسهاما فاعلا ونفعا للآخرين. قال محمد بن بشير الشارحي: إنّ الأمور إذا استدّت مسالكها لا تيأسنّ وإن طالت مطالبة فالصّبر يفتح منها كلّ ما رَتَجا إذا استعنت بصبر أن ترى فرَجا ويقول زهير بن أبي سُلمى في ما يصعب معه الصبر: ثلاث يعزّ الصبر عند حلولها خروج اضطرار من بلاد يحبّها ويذهل عنها عقل كلّ لبيب وفرقة إخوان وفقد حبيب ومما يروى في ثمار الصّبر على المكروه وما يعقبه من الفرج أنه لما حبس أبو أيوب في السجن خمسة عشر عاما ضاق صدره واشتكى ذلك الى بعض إخوانه فأجابه يصبّره ويسلّيه بهذه الأبيات. صبرا أبا أيّوب صبرَ مبرّح إن الذي عقد الذي انعقدت به صبرا فإن الصبر يعقب راحة وإذا عجزت عن الخطوب فمن لها؟ عقد المكاره فيك يملك حلّها ولعلّها أن تنجلي ولعلّها وما إن قرأ أبو أيوب هذه الأبيات حتى سرى فيه الأمل وأجاب عنها قائلا: صبّرتني ووعظتني وأنا لها ويحلّها من كان صاحب عقدها وستنجلي بل لا أقول لعلّها كرما به إذ كان يملك حلّها وما لبث أبو أيوب بعد ذلك إلا أياما حتى أطلق سراحه مكرّما مبجّلا. ومن الآداب الاسلامية الثقة باللّه في كلّ أمر ومردّه الى القضاء والقدر