كلما يمر بنا شهر من شهور رمضان في اخر سنوات هذا الزمان او في هذا الجيل وارى والحظ كسل ادبائه في التاليف والتجديد وعجزهم وقصورهم عن التحديث بكل كلام نافع ومفيد اتذكر ذلك الزمن الماضي الجميل الذي كان فيه الأدباء الحقيقيون المتمكنون المتالقون المبدعون ينتهزون مناسبة حلول شهر رمضان شهر الصيام والقيام لامتاع الناس ببدائع التأليف و بجميل الاحاديث وروائع الكلام... ويكفيني في البرهنة على ما اكتب وعلى ما اقول ان اذكر لقرائنا الكرام شيئا مما كتبه ومما تحدث به الاديب الكبير المرحوم عباس محمود العقاد في اواسط القرن الماضي في بعض شهور رمضان وهو كما هو معلوم لدى العارفين والمختصين في شؤون الأدب والفلسفة والدين من طليعة اهل النظر واهل النقد واهل الفكر واهل البيان واهل التبيين الذين انعشوا القلوب وامتعوا الأرواح ونوروا العقول ...ومن هذه الاحاديث الرمضانية القيمة التاريخية حديثه عن الحكمة والشعر...ولنفسح له المجال دون مزيد اطالة في التقديم او تطويل او اسهاب ليتكلم ويقول ويفيد اولي النهى واولي الألباب (جرى حديث من احاديث الصيام عن الحكمة والشعر وعن المقصود بالاثر المشهور(ان من الشعر لحكمة) وهل يراد بالحكمة مشكلات العقل والعلم او يراد بها نظرات الأمة الى الحياة ومواجهة الحياة من جانب الشعور والمزاج...وسال سائل لابد ان يكون الشعر الصادق ترجمة صحيحة لطبائع الأمة ونزعتها النفسية فاذا سلمنا هذا الراي وهو مسلم فعلام تدلنا مراجعة الشعر العربي في جملته؟ هل يترجم لنا الشعر العربي في جملته عن إقبال على الحياة او هروب من الحياة؟ اما الاقبال على الحياة فمثاله هذه الأمم التي تنهض برسالة تؤديها او تطمح الى سيادة تبسطها واما الهروب من الحياة فمثاله تلك الامم التي تتخذ امثلتها العليا في حياة النسك و الزهادة والتنحي عن معركة الحياة لمن يصطرعون عليها فاي الحكمتين او اي الفلسفتين يترجم عنها الشعر العربي في وجهته العامة ؟ هل هو شعر الاقبال على الحياة او هو شعر الهروب من الحياة؟ قلنا لا هذا ولا ذاك فان حكمة الحياة في الأمة ينبغي ان تتسع لكل شعور في كل نفس حية ومن هذا الشعور شعور الرضا والسخط وشعور الأمل والياس وشعور الاقبال والاعراض بل شعور الاقبال في حالات و الإعراض في حالات يتردد في النفس الواحدة و اوقات بعد اوقات وما دامت الأمة تشعر بامر من الأمور فمن الواجب ان تلقى صداه في بعض شعرائها او تلقى صداه في شعر الشاعر الواحد من كبار شعرائها اذا بلغ من رحابة الوعي واتساع الأفق مبلغ الإحاطة بالخوالج الانسانية في مختلف النفوس وشعر الإقبال والطموح ممثل في قول امرئ القيس بكى صاحبي لما راى الدرب دونه وايقن انا لاحقان بقيصرا فقلت لا تبك عينك انما نحاول ملكا او نموت فنعذرا وكان الأمر في هذين البيتين حوارا بين فلسفتين ولم يكن إعرابا عن فلسفة واحدة...وكان حوارا بين من يبكي من الخطب والمشقة ومن يواجه الموت وهو لا يبكي اذا كان الموت اقامة عذر ودفع معرة...) اما عن ابي ذاكر صاحب هذا المقال الجديد الذي اختاره للقراء في شهر رمضان فانه سيكتفي بهذا القدر من هذا الحديث ولكنة يريد ويحرص قبل ان يودع القراء ان يسالهم هل سمعتم بالله عليكم في جيل هذه السنوات الأخيرة وفي شهور رمضان بالذات من يخوضون في احاديث ادبية و دينية وفلسفية تشبه او تبلغ مستوى هذا الحديث الشيق العميق الذي يحتاجه فكر وعقل وقلب كل انسان يريد ان يفهم وان يسبر اغوار واسرار هذه الحياة ؟ ام ان اغلب ان لم نقل كل احاديث هذا الجيل الجديد في كل الشهور وحتى في شهور رمضان هي من قبيل اللغط والحشو واللخبطة والسفسطة والهذيان او ما يعبر عنه عامة التونسيين بتشقشيق الحناك والتخضريط والتخلويض والهزان والنفضان)؟؟ صيامكم مقبول ان شاء الله وصحة شريبتكم وشربتكم وبريكتكم ولا تنسوا ان تقولوا وان ترددوا لا حول ولا قوة الا بالله.