رفض الإفراج عن رئيس نقابة قوات الأمن الداخلي وتأجيل محاكمته إلى جويلية المقبل    اليوم الإثنين موعد انطلاق الحملة الانتخابية الخاصة بالانتخابات التشريعية الجزئية بدائرة بنزرت الشمالية    189 حريق خلال الأربع والعشرين ساعة الماضية….    سنية الدهماني تمثل مجدّدا أمام الدائرة الجناحية بابتدائية تونس    صاروخ إيراني يصيب مبنى السفارة الأمريكية في تل أبيب..    الإتحاد المنستيري: الإدارة تزف بشرى سارة للجماهير    كأس العالم للأندية: برنامج مواجهات اليوم الإثنين 16 جوان    وفد من وزارة التربية العُمانية في تونس لانتداب مدرسين ومشرفين    اليوم..انطلاق مناظرة الدخول إلى المدارس الإعدادية النموذجية "السيزيام"    خبر سارّ: تراجع حرارة الطقس مع عودة الامطار في هذا الموعد    10 سنوات سجناً لمروّجي مخدرات تورّطا في استهداف الوسط المدرسي بحلق الوادي    تعاون تونسي إيطالي لدعم جراحة قلب الأطفال    كأس المغرب 2023-2024: معين الشعباني يقود نهضة بركان الى الدور نصف النهائي    تصنيف لاعبات التنس المحترفات : انس جابر تتراجع الى المركز 61 عالميا    باريس سان جيرمان يقسو على أتليتيكو مدريد برباعية في كأس العالم للأندية    النادي الصفاقسي: الهيئة التسييرية تواصل المشوار .. والإدارة تعول على الجماهير    عاجل :الكشف عن حكم مباراة الترجي وفلامنغو في كأس العالم للأندية    قتلى وجرحى بعد هجمات صاروخية إيرانية ضربت تل أبيب وحيفا..#خبر_عاجل    مصدر أمني إسرائيلي: إيران بدأت باستخدام صواريخ دقيقة يصعب التصدي لها    عاجل/ "قافلة الصمود": تنسيقية العمل المشترك من أجل فلسطين توجه هذا النداء للتونسيين..    تراجع طفيف في نسبة امتلاء السدود، إلى ما دون 40%    طقس اليوم..الحرارة تصل الى 42..    باكستان تتعهد بالوقوف خلف مع إيران وتدعو إلى وحدة المسلمين ضد "إسرائيل"    النفط يرتفع مع تصاعد المواجهة في الشرق الأوسط.. ومخاوف من إغلاق مضيق هرمز    إيران تعلن إعدام "جاسوس الموساد" الإسرائيلي إسماعيل فكري شنقا    الاحتلال يستهدف مقرا للحرس الثوري في طهران    صفاقس : الهيئة الجديدة ل"جمعية حرفيون بلا حدود تعتزم كسب رهان الحرف، وتثمين الحرف الجديدة والمعاصرة (رئيس الجمعية)    بوادر مشجعة وسياح قادمون من وجهات جديدة .. تونس تراهن على استقبال 11 مليون سائح    بعد ترميمه فيلم "كاميرا عربية" لفريد بوغدير يُعرض عالميا لأوّل مرّة في مهرجان "السينما المستعادة" ببولونيا    مديرو المهرجانات الصيفية يواجهون صعوبات .. بين مطرقة ارتفاع كلفة الفنانين وسندان أذواق المتفرجين    تعاون تونسي إيطالي لدعم جراحة قلب الأطفال    إجراءات لدعم التشغيل    اليوم انطلاق مناظرة «السيزيام»    تونس: حوالي 25 ألف جمعية 20 بالمائة منها تنشط في المجال الثقافي والفني    إطلاق خارطة السياسات العمومية للكتاب في العالم العربي يوم 24 جوان 2025 في تونس بمشاركة 30 دار نشر    لطيفة العرفاوي تردّ على الشائعات بشأن ملابسات وفاة شقيقها    هكذا سيكون طقس الليلة    حملات الشرطة البلدية تسفر عن مئات المخالفات في مجالي الأمن والصحة    المبادلات التجارية بين تونس والجزائر لا تزال دون المأموال (دراسة)    فيلم "عصفور جنة" يشارك ضمن تظاهرة "شاشات إيطالية" من 17 إلى 22 جوان بالمرسى    زفاف الحلم: إطلالات شيرين بيوتي تخطف الأنظار وتثير الجدل    مطار النفيضة يستقبل أول رحلة مباشرة من مولدافيا    لماذا تستهلك بعض السيارات الزيت أكثر من غيرها؟    مواعيد مباريات اليوم فى كأس العالم للأندية 2025    الإعلامية ريهام بن علية عبر ستوري على إنستغرام:''خوفي من الموت موش على خاطري على خاطر ولدي''    قابس: الاعلان عن جملة من الاجراءات لحماية الأبقار من مرض الجلد العقدي المعدي    باجة: سفرة تجارية ثانية تربط تونس بباجة بداية من الاثنين القادم    هل يمكن أكل المثلجات والملونات الصناعية يوميًا؟    موسم واعد في الشمال الغربي: مؤشرات إيجابية ونمو ملحوظ في عدد الزوار    العثور على شقيق الفنانة لطيفة العرفاوي متوف داخل منزله    تحذير خطير: لماذا قد يكون الأرز المعاد تسخينه قاتلًا لصحتك؟    من قلب إنجلترا: نحلة تقتل مليارديرًا هنديًا وسط دهشة الحاضرين    المدير العام لمنظمة الصحة العالمية يؤكد دعم المنظمة لمقاربة الصحة الواحدة    قافلة الصمود فعل رمزي أربك الاحتلال وكشف هشاشة الأنظمة    خطبة الجمعة .. رأس الحكمة مخافة الله    ملف الأسبوع .. أحبُّ الناس إلى الله أنفعُهم للناس    موعدنا هذا الأربعاء 11 جوان مع "قمر الفراولة"…    طواف الوداع: وداعٌ مهيب للحجيج في ختام مناسك الحج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القنديل الثاني: الدكتورة شهلة العجيلي (2): علينا المحافظة على المسافة الفاصلة بين النقد والإبداع
نشر في الشروق يوم 30 - 03 - 2010

في ما يلي الجزء الثاني والأخير من حوارنا مع الدكتورة شهلة العجيلي.
أين أمست القصّة القصيرة من نتاجك اليوم؟
قصتي الأولى المشربيّة تفصيل مهم من تفاصيل العمارة الإسلاميّة، ويحلو لبعض الباحثين أن يدرجها في إطار العمارة الذكوريّة، مثّلت فيها لسؤال الفلسفة الأزليّ: ما هو الحقيقيّ ؟ فأوقفت امرأة وراء مشربيّة، تلك المرأة تحدّد العالم بوجودها، والذين يرقبونها في المقهى المقابل يرونها بصور مختلفة ومتناقضة وفقاً لأهوائهم. عندي شغف بالفكر الذي ينتج الفنّ، وفنّ العمارة أحد أهمّ المؤشّرات على الفكر الإسلاميّ، ومثله الزخرفة، والخطّ، هذا أخذته عن والدي، فهو معماريّ متخصص في ترميم المدن الأثريّة. لذا تجذبني العقود والمقرنصات والقباب، والملاقف، والمشربيّات، وأجدني لا أكفّ عن تحويل هذه التجلّيات المعماريّة إلى حالة أكثر تجريداً، ألا وهي اللّغة. بعد أن كتبت الرواية، جاهدت للعودة إلى تقنيّة القصّة القصيرة، لقد خفت من أن أفقد هذه التقنيّة، فيتكاسل ذهني عندئذ عن التقاط الحالات الخاطفة، القصّة القصيرة نوع خطير من الكتابة السرديّة، يظنّه البعض سهلاً أو ضحلاً، لكنّه مجلى للذكاء والألمعيّة، ويشبه إلى حدّ بعيد الشعر، فكتابة القصّة كالرقص على الحبال، يمكن لأيّة حركة خاطئة فيها أن تحدث كارثة. بين يديّ مجموعة قصصيّة أعدها للنشر، وعنوانها غالباً سيكون «حدث في البلدة».
كونك أكاديمية متخصصة بالأدب الحديث هل يساعدك ذلك أم يعيقك على كتابتك الروائية؟
دراستي الأكاديميّة ذات أثر إيجابيّ بالغ في كتابتي عموماً، لأنّني درست الأدب العربيّ من منطلق مشروعي في الكتابة، وليس على سبيل الصدفة، ولم أصغ يوماً للنظريّات الجامدة في الأدب و النحو، واللغة، كما لم أختر طروحاتي الأكاديميّة عبثاً، أعتقد أنّ كلّ ما أفعله يكمّل بعضه بعضاً، وإنّني أعدّ الخيال المتحرّر والمعرفة منطلقين أساسيّين في كلّ من بحثي الأكاديميّ، وكتابتي الإبداعيّة.
أول ما يلحظه المرء في قراءته لعين الهر ذلك التمازج بين الراوية وكاتبة الرواية ( رحلة عمان – حلب نموذجا ) فإلى أي مدى كنت ترغبين بالإيهام بين الذاتي السيري وبين الشخصية الروائية المتخيلة؟
لقد عمدت إلى هذه التقنيّة السرديّة، ليصير المتلقّي أسيراً لنصّي، متحرّراً لبرهة من الحياة خارجه. فالمتلقّي دائماً يبحث عن حياة المبدع الخاصّة بين السطور طلباً للمصداقيّة، إنّ الناس يقرؤون الروايات ليتأكّدوا من أنّ ثمّة أناساً حقيقيّين يحبّون، ويحزنون، ويخفقون، ويخطئون، وينهضون من كبواتهم، فيكونون لهم سنداً، أو أمثولة، وعندما يشكّ المتلقّي في أنّ المبدع واحد منهم، يزداد تعلّقه بالنصّ، و يزداد شغفه بتحصيل المعرفة، والخبرة الحياتيّة التي يقدّمها النصّ.
في «عين الهرّ» اشتغلت على أكثر من جانب معرفيّ: الأحجار الكريمة، وخواصّها الفيزيائيّة والكيميائيّة، وتاريخها، وعوامل تكوّنها، ومدلولاتها في التراث العربي ولدى الشعوب الأخرى، وطرق قطعها وصقلها، كما اشتغلت على الخطاب العرفانيّ، والتصوّف في الثقافتين العالمة وغير العالمة؟
ضمّنت نصّي حكايات من الواقع، والتاريخ، كما لم أبتعد عن الشعر. ليست مهمّة الرواية في نظري أن تقدّم حلولاً، وآراء، وتنطيرات قاطعة، وردوداً، لقد آن الأوان لأن نخرج الرواية العربيّة من دائرة ردود الفعل لأنّ الكتابة الروائيّة فعل بحدّ ذاته، يطرح أسئلته، وقلاقله تجاه الذات والعالم.
التجربة التصوفية بدت جلية في «عين الهر» وشخصيتها النسائية الأساسية (أيوبة) وقد بدا لي التصوف فيها نتاج خبرة حياتية وليس تصوفا فنيا تتكئين عليه لصالح السرد فهل يبدو التوصيف هنا دقيقا وإلى أي مدى كان لجغرافيتك الأولى وثقافتها الأثر في ذلك؟
الاطّلاع على التجربة الصوفيّة عن بعد، وفي الكتب وحدها، ما كان ليكوّن نصّاً مثل «عين الهر»، المرور بمحاذاة التجربة، ومراقبتها، ثم الانخراط فيها أنتج هذا النصّ، وكما يقول المتصوّفة: من ذاق عرف، ومن عرف اغترف، وأنا أضيف: اغترف وسقى، فلا بدّ من إشراك الآخرين بهذه السقيا، لأنّ المرء لن يحتمل نشوتها منفرداً. بدأ هذا الولع منذ الطفولة، كنت أراقب جلسات الذكر في مضافة أسرتي في الرقّة في المناسبات، وكان يحييها شيوخ محليّون أو من خارج المدينة، وكنت أسأل القائمين على الدعوة من الأسرة بأن يستدعوا شيخاً ويستبعدوا غيره مثلاً، لأنّني أحبّ مدائحه وطريقته، ثمّ رحت أبحث عن هذه الجلسات في أماكن أخرى في الجزيرة السوريّة، وفي جبال لبنان، و صحراء الجزائر، لقد صاغت التجربة جزءاً من عالمي، حتّى تجلّت في «عين الهر».
‏علينا العودة مجدداً إلى شعار «الثقافة هي الحاجة العُليا للبشرية» المعلّق على جدران معظم مؤسساتنا الثقافيّة، من غير تفعيل أو فهم عميق لمعناه!
بعيداً عن مساحة الكتابة الأدبية، في كتابك «مرآة الغريبة» ممارسة نقدية فاعلة، كيف تنظرين إلى الصحافة، والكتابة النقدية كما تقدمها صحفنا اليوم؟‏
من جهتي أنا أكتب مقالة أدبية. إذ إنني أفضل الكتابة عمّا أعرفه جيداً، فأنا أؤمن بالتخصّص، والنقد ليس كلمة عابرة أو مجانية، إنّ الممارسة النقدية ليست لعبة.. حيث يجب على الناقد أن يكون قارئاً لتاريخ الأدب، مطلعاً على القضايا السياسية والتاريخية وحتى الجغرافية، ومتمعّناً في مختلف القضايا التي تمنحه ثقافة قريبة من الشمولية، مع تخصّص في حقلٍ معرفيٍّ محدد بذاته. فالناقد إنسان مُركّب من تخصصات معرفية عدة، حتى لا يأتي نقده انطباعياً، لا يليق بموقعه من حيث فاعليته التي يمارسها عبر تأثيره في الآخرين.‏
أمّا «مرآة الغريبة» فيقوم على نقد الثقافة كما هي في مفرداتنا وأفكارنا العامة، وكيف كانت عناصر ثقافتنا قديماً، وكيف تطوّرت، وأين أمست.‏
هل ترين إذن أنّ الممارسات النقدية التي تحفل بها كتابات اليوم، هي ممارسات انطباعية؟‏
أرى أننا نعيش في عصر نقاد انطباعيين، وما نزال نعيش في الأدب على آراء مثقفي السبعينيّات مثل أدونيس
ود. فؤاد المرعي، ود. نعيم اليافي، وهم نقاد ينحون باتجاه علاقة الأدب بكلّ من الفكر وعلم الجمال، ولم يستطع أحد من الجيل الجديد أن يخلفهم في المكانة والابتكار.. لقد تحكّمت بنا الأيديولوجيات حتى بتنا لا نفكر سوى بطريقة واحدة (مع أو ضد).
الدكتورة «شهلا العجيلي» الروائية الناقدة, حينما تكون الروائية ناقدة, ماذا يضيف ذلك إلى نصها الروائي؟
يطور أدواتها, ويوسّع أفقها, ولكن دائماً علينا أن نحافظ على المسافة الفاصلة بين النقد والإبداع, وألاّ نوظّف النظريات النقديّة لنكوّن نصّنا الأدبي, ولا أن نشرّح العمل الروائي وفقاً لمعارفنا النقدية.
أنت روائية وكتبت الشعر ما رأيك في الشعر العربي ؟
يمتاز الشعر العربيّ من بين الفنون في أنّه ينزلنا منزلاً وسطاً بين اليقين واللاّيقين، وهذا سبب جوهريّ من أسباب ديمومته، فهو بذلك يحاكي تماماً النفس الإنسانيّة التي توقن بالموت، وتذبّ شبحه عنها في كلّ لحظة. وعلى الرغم من أنّ اليقينيّة والإبداع ضدّان، لعب الشعر العربيّ تاريخيّاً على اليقينيّات، ومع ذلك احتفظ بألق الحضور.
يمنح الشعر المتلقّي شعوراً بحتميّة الحدث الذي تتولّد عنه المشاعر، وتتناسل، وما ذلك لأنّه جاء نتيجة إلهام، بل لأنّه جاء نتيجة تجربة الشاعر، ثمّ مجموع الشعراء، ثمّ الثقافة. تتشابه تلك الأحداث كما يتشابه ما ينتج عنها من ردود أفعال، على الرغم من الفروقات الصغير ة التي يصنعها اختلاف الزمن أو الشخصيّات..
تتأتى يقينيّة الشعر العربيّ من كونه بديلاً للنصّ المقدّس، أو للكتاب الدينيّ، هل لذلك استمر الاعتراف له بالحكمة حتى بعد مجيء القرآن الكريم؟
لا شكّ في انبثاق هذه الحكمة من التجربة، ومن حملها اليقينيّة بأبعادها، إذ لا حكمة من الفراغ أو من الخيال. لعلّ ذلك ما تعضده نظريّة الخيال في الشعر العربيّ، إذ تقصد إلى الخيال عبر التصنيع البلاغيّ، واجتراح الجديد في المعنى عبر اللغة، لا عبر الحالة الإنسانيّة، أو الأغراض الأبديّة من حب، وكره، ووفاء، وغدر، واشتياق...لكنّ ألق الشعر يتجلّى في كون هذه اليقينيّة لا تقود إلى حالة الشعور باللاّجدوى أو التعطيل، بل في كونها تغرينا بالتجربة، إذ لم يكتف متلقّ الشعر يوماً بالشعر عن الحياة، بل إنّه يخوض غمار التجارب، ويتلهّى بها، ثمّ يستحضر الشعر ليستأنس ويتعلّل، أو أنّه يفعل العكس: فهو يتلقّى الشعر، ثمّ ينزع إلى أن يعيش مرارة التجربة التي حكاها الشاعر أو حلاوتها، فيعكف عليها، وبعد أن يقطف جناها، يعود ليستحضر الشعر، وهكذا نتلهّى بالتجارب الجماليّة عن يقينيّة الحياة والموت، ونحصّل المعارف المتاحة بين هاتين المعرفتين الحتميّتين، أو بين هاتين الحقيقتين: حقيقية الحياة، وحقيقة الموت.
هذا يدحض التقولات حول أفول نجم الشعر وصعود نجم الرواية . فالشعر يحارب الموت ويهزمه ، على حد قول محمود درويش : هزمتك يا موت الفنون كلها ؟
نحن نحتاج ذلك كله. نحتاج العمارة، الرسم، النحت، الزخرفة، لنحارب الموت بل لنهزمه. ولعل الفنون تهزم موتنا اليومي حينما نكون على قيد الحياة، وتهزم فينا حالة التعطيل، والشعور باللاجدوى. ريثما تأتي لحظة اليقين الحقيقية، التي يفارق فيها المرء الحياة، ولأن الشعر الأيقوني ثقافة لرحلة العربي بين الولادة أو الموت ، فإننا سنموت وفي أنفسنا شيء من الشعر.
لطالما أوكلت إلى الخليل مهمّات صعبة، ولطالما تحمّل ذلك الخليل اللّوم، والعتاب، والشكوى، من غير أن نسمع صوته، إلاّ على لسان الشخصيّة الرئيسة، أيّ الشاعر. لقد ضيّعت علينا مركزيّة الشاعر العربيّ، معرفة دواخل نفس هذا الصاحب، فالشاعر مشغول بنفسه دائماً، وقلّما عرفناه خليلاً لآخر، ليحكي لنا عن نوازع هذا الخليل المرهون لرؤيته فقط ؟
لعلّ الصاحب الأشهر في تاريخ الشعر، هو صاحب امرئ القيس، الذي بكى، فقال فيه:
بكى صاحبي لمّا رأى الدرب دونه وأيقن أنّا لاحقان بقيصرا
فقلت له: لا تبك عينك إنّما نحاول ملكاً أو نموت فنُعذرا
يُقال إنّ هذا الصاحب هو الشاعر عمرو بن قميئة، أوّل من قال الشعر من نزار، وهو أقدم من امرؤ القيس، الذي لقيه في آخر عمره، فأخرجه معه إلى قيصر، لّما توجه إليه، فمات معه في طريقه، وسمّته العرب عمراً الضائع، لموته في غربة، وفي غير أربٍ ولا مطلب.
عُرف امرؤ القيس بمناداة صحبه، فهو، كما اشتهر عنه، أوّل من وقف واستوقف، وبكى واستبكى، حين قال:
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل بسقط اللوى بين الدخول فحوملِ
وقوفاً بها صحبي عليّ مطيّهم يقولون لا تهلك أسى وتجمّل
ولا ندري إن كانت تلك العصبة، حقيقة، أم خيالاً، أم تقليداً شعريّاً، لكن لاشكّ في أنّ الطبيعة البشريّة تستدعي وجود الصاحب، والخليل، بل الخليلين أحياناً.
ولعلّ كلاًّ منّا كان، في مرحلة ما، بطلاً لقصّة حبّ، استدعى فيها خليلاً، أوصاحباً، يعينه في حمل الهوى، ويؤمّله بالوصال، ويشدّ على يده، فالخليل لا يعذل، بل يساعد على المضيّ في الغيّ، ويهدّئ الروع، وقد يكون صلة وصل بين المحبين، فيخترع (سيناريوهات) اللّقاء، والوصال، ويؤلّف الجمل التي يتفوّه بها العاشق شاكياً، أو معاتباً، أو شغوفاً، بل تمتدّ مهمّته إلى ما بعد الموت...
لعل قيس صاحب ليلى، من أشهر من دعا الخليل، واستنجد بخليليه من عذاب الهوى، وعذاب الأهل في آن معاًّ، وذلك في قصيدته الشهيرة التي قالها بعد أن أخذه أهله إلى الحكماء، الذين كووه كيّاً، كي يخرج حبّ ليلى من روعه، يقول:
خليليّ مدّا لي فراشي وارفعا وسادي لعلّ النوم يذهب ما بيا
خليليّ قد حانت وفاتي فاطلبا لي النعش والأكفان، واستغفرا ليا
وإن متّ من داء الصبابةِ أبلغا شبيهةَ ضوء الشمس منّي سلاميا
يقول «ماركيز»: أنا أكتب حتى يحبوني الناس وأكسب الكثير من الأصدقاء » الدكتورة شهلا العجيلي لماذا تكتبين؟‏
أنا أكتب للناس بمحبة ولذلك يحبوني الناس الذين يقرؤوني للمرة الأولى. يبحث عني قارئي الافتراضي شخص رفيع الذوق،حساس، مأزوم ونظيف من الداخل والخارج، كونت صداقات متشعبة عن طريق الكتابة ولدي عدد مدهش من المعجبين أتواصل معهم عن طريق المواقع الالكترونية والمنتديات، أنا أواجه يومياً مئات الأشخاص الذين يتلقون عني العلم فهم طلبتي الذين في سن التكوين الفكري لذلك فإن تعاملي معهم مسؤولية جسيمة ومتعة لاتتجاوزها متعة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.