بعد الجدل الذي أثارته تصريحات فرحات الراجحي على الشبكة الاجتماعية فايسبوك وبعد أن ادلى كل بدلوه وتتالت ردود الأحزاب كل يبحث عن «ليلاه» لما تعود عليه هذه «الخوضة» من مغانم ومكاسب وبعد أن عبرت الحكومة عن موقفها الرسمي من خلال ما صرّح به الوزير الأول لعموم التونسيين لايزال السؤال الذي يحث الناس بجميع أطيافهم عن اجابة عنه مرتسما على كل الوجوه «لماذا أقالت الحكومة المؤقتة وزير الداخلية السابق من منصبه بذلك الشكل الذي لايتماشى مع مايتطلع اليه التونسيون من شفافية وصراحة وحتى التعاطي مع الشأن السياسي وبما يتوافق مع ماكان معمولا به في السابق في ظل الدكتاتوريات؟؟؟ العديد من التونسيين لم يقتنعوا بالحجج التي قدمتها الحكومة بخصوص اهتزاز موقف الداخلية السابق لما كان في موقعه وضعف مردوده واحتكاره للسلطة وارتكابه لأخطاء قالوا أنها فادحة شملت تعيين الولاة ومدير الأمن واقصاء العديد من المعتمدين. لوطبقنا هذا المفهوم على الحكومة المؤقتة لخضع أكثر من وزير لنفس المعيار الذي اسقط فرحات الراجحي بما في ذلك الوزارة الأولى التي يصرّ صاحبها على احتكار السلطة ولا يرى مانعا في الجهر بالقول إنه الناطق الفاطق كأنما الدولة تخلت بمحض الصدفة عن النظام الرئاسي واصبح الوزير الأول هو الذي يتدبر الأمر وحده بدون مراقب او منازع او كما أن الأمر عاد لحقبة بورقيبة الذي لم يكن يناقشه أحد عند اتخاذ القرار. فرحات الراجحي ذهب ضحية لعبة سياسية قذرة تشبه الى حدّ بعيد ماتعرض له دومنيك دوفيليبان رئيس الوزراء الفرنسي السابق لما قرر نيكولا ساركوزي تمشيط الساحة أمامه قبل ان يخوض معركة الرئاسة من الوجوه التي ستضايقه ويقف حائلا أمامه للفوز بالسلطة فدبّر له محاكمة على مقاسه شاركت فيها مجموعة من اللوبيات. الفارق الوحيديين الشأن الفرنسي والتونسي هو مايقوله السيد الباجي قائد السبسي بأنه غير معني بالترشح للرئاسة مستقيلا لكن ماخفي يتعلق باللوبيات التي خافت على حظوظها وحظوظ مرشحيها من الشعبية التي حظي بها فرحات الراجحي فتقررت ازاحته من وزارة السيادة ووضعه في الثلاجة الى أن يتهمش ويضعف صيته وينسى الناس اسمه بعد بضعة أسابيع أو شهور... صحيح أن الرجل لم يمتهن السياسة في السابق ولم يتعرف على فنونها وادوارها والبعض من ضرباتها المحرّمة ولكنها تستهوي من يتدنى الى الضرب تحت الحزام. ويجوز القول ان الرجل جيء به من القضاء مباشرة الى منصب تصعب عليه أن يتأقلم معه بسرعة فائقة لكن لاننسى ان العديد من وزراء الداخلية في السابق كانوا محامين واساتذة تعليم ومهندسي اشغال عامة ولم يتدرجوا على العمل الأمني قبل تنصيبهم على الإطلاق. الراجحي اعطى تأشيرات للعشرات من الأحزاب رفق القانون الذي يضبط ذلك واذن بحل التجمع الدستوري الديمقراطي ومنح وصولات للذين تقدّموا بطلب اصدار دوريات وصحف وقد يكون اخطأ في بعض الايرادات التي تخص تعيين الولاة لكن ألم تكن هذه المناطق بحالة لمن يقف على شأنها دون الوقوف عند البيروقراطية المتحجرة المتكلسة التي لم تعد تتلاءم مع أوضاع اليوم. اليوم تتهاوى المعاول من كل صوب وحدب على الرجل بنية الاجهاض عليه والإعداد لمحاكمته ومن ثم الزج به في السجن بما يعيد للأذهان نفس المثال الذي أشار اليه الوزير الأول بخصوص النقابي الكبير المرحوم الحبيب عاشور لمجرد انه عبّر عن رأيه بكل جرأة وصراحة بما لايتماشى مع ارادة الإمبراطور. قد يقول قائل ان السياسة تقتضي ذلك وأن بعض قواعدها وسخة وان لااخلاق ولا ميادين فيها وانه لايعذر الجاهل بجهله لاصولها وتوابعها وابعادها وانه لا حجة للرجل الذي القى بنفسه في بحورها بدون أن يجيد قواعد السباحة فيها. لكن يبقى المفهوم العام للثورة التي قطعت مع الظلم والاستبداد والنفاق والانتهازية والتفرد بالحكم والاحتكام للأساليب التي أقل مايقال فيها أنها رخيصة ودنيئة هو أنه لاظلم بعد الثورة ولامجال لكي تداس الحقوق بسبب حرية الرأي والتعبير. لاتذبحوا الرجل على مرأى ومسمع لأن التاريخ لم يعد يرحم.