الثورة في جوهرها قيمة كبرى تطمح إليها كل الشعوب المضطهدة والمسلوب حريتها لتمنح معنى للإنسان ولوجوده تتمناه كل الشعوب وهي حدث قد لا يعيشه الفرد في حياته ولو مرة واحدة وهي منعطف في التاريخ يحوّل حال الشعوب إلى وضع أحسن بعد التغلب على الاستبداد وهي في الأخير مسار طويل من المقاومة والتعثر والصمود والفشل ينتهى ببناء مشروع مشترك مضمونه اقتسام الثروة بالتساوي ويحقق العدالة الاجتماعية المفقودة ويؤسس نظاما سياسيا ديمقراطيا اجتماعيا عادلا. غير أن اللافت هذه السنة هو غياب أي مظاهر للاحتفال بعيد الثورة وغياب أي حضور للمسؤولين السياسيين في المدينة التي انطلقت منها الثورة وغياب أي خطاب سياسي يخلد حدث الثورة من أجل الوقوف على ما تحقق وأنجز خلال السنوات العشر الأخيرة واستحضار ما ينتظرنا وما لم يتحقق لاستنهاض الهمم من أجل تدارك العثرات والهفوات واستكمال مسار الثورة. فكيف نفسر غياب رئيس الدولة قيس سعيد عن المناسبة المهمة في حياة الشعب التونسي؟ وكيف نفسر عدم التوجه ولو بنصف كلمة إلى الشعب التونسي في عيد ثورته التي أنهت حكم أحد الحكام العرب المستبدين وساهمت في تغيير وجه العالم؟ في الحقيقة لا يكفي أن نقول بأننا ننتصر لقيّم الثورة ومضامينها إذا لم نجسد كل هذه المشاعر على أرض الواقع وإذا لم نتحمس لها فعليا ونؤمن بها رغم كل ما تعرفه من محاولات لإفشالها وتحويل وجهتها فالثورة لا تولد مكتملة وهي مسار طويل من المعاناة والصراع والصمود والإيمان والأمل فعشر سنوات وإن كانت كثيرة بمقياس التونسيين إلا أنها بمنطق التاريخ ومن منظور التجربة البشرية ليست بالكثير لذلك فإن الثورة التونسية التي يحسدنا عليها الكثير من الشعوب العربية تحتاج إلى من يسندها ومن يقف إلى جانبها وإلى من يستعيد وهجها لذلك فإننا وإن كنا نتفهم عدم ذهاب رئيس الجمهورية إلى مدينة سيدي بوزيد في يوم 17 ديسمبر ذكرى وفاة الشاب محمد البوعزيزي صاحب عربة الخضار الذي أجج حرق نفسه الثورة لانشغاله بمهام أخرى والتزامات طارئة حسب بلاغ رئاسة الجمهورية والحال أن ذهاب الرئيس إلى المدينة التي اندلعت منها الثورة من دون أن يجلب معه انجازات للأهالي بعد الوعود الكثيرة التي قُطعت سوف يكون حضوره دون فائدة تُذكر، وبالتالي إذا كنا نتفهم عدم توجه الرئيس بخطاب إلى الشعب التونسي بكلمة يوم 17 ديسمبر في ذكرى اندلاع الثورة فإنه لا يمكن قبول غياب أي مظاهر احتفالية في ذكرى انتصار الثورة في يوم 14 جانفي ولا تفهم كذلك عدم توجه الرئيس بخطاب يهنئ فيه الشعب التونسي بثورته رغم كل العثرات التي اعترتها وكل المكائد التي تعرضت لها لقد كان عليه أن يخاطب الشعب بخطاب يقدم فيه الأمل ويقلل فيه من منسوب الإحباط ويشحن العزائم والهمم فهذا دوره ومهمته في هذه الأوقات العصيبة التي تمر بها البلاد فالثورة تحتاج إلى من يؤمن بها ومن يواصل منجزها ويكمل بعض حلقاتها المفقودة حتى يكتمل البناء الديمقراطي ويتحقق الحلم. فهل يكون السبب في غياب الرئيس عن أي مظاهر احتفالية في اليوم الذي انتصرت فيه الثورة وفي عدم توجهه بخطاب إلى الشعب التونسي في ذكرى تحرره من منظومة الاستبداد بعد رحيل بن علي في كونه يعتقد أن ذكرى الثورة الحقيقي هو يوم 17 ديسمبر 2010 وليس يوم 14 جانفي 2011 وأن الثورة قد أجهضت في هذا اليوم من طرف السياسيين ؟ أم يكون السبب الذي تعلل به من يمسك بالشأن العام إلى انتشار جائحة كورونا التي حالت دون تنظيم أي احتفالات لتخليد ذكرى يوم سقوط النظام القديم؟ ومهما يكن من أمر فإن كل المبررات لا تفسر كل هذا البرود الذي نجده عند رئاسة الجمهورية للاحتفاء بذكرى قيام الثورة التونسية.