وشاءت الأقدار أن يرحل "سفيان" قبل أن يشاهد الفيلم... وتذهب معه أحلامه بمرافقة "ديما براندو" إلى أبو ظبي وتورينتو... وشاءت الأقدار أيضا أن يكون ممثلنا الراحل على عجل هو صاحب الضحكة الأزلية في فيلم يدور في فلك "الإحباطات"... وانكسار الأحلام بتدبير من القدر وحده... والموت الذي افتك "سفيان الشعري" كان حاضرا في فيلم "ديما براندو" في شقيه الروائي بموت البطل "أنيس الرعاش" غرقا في البحر أثناء مغامرة هجرته السرية، والوثائقي أيضا برحيل الممثل "مارلين براندو" وهو ما أجهض السيناريو الأول للفيلم واضطر "رضا الباهي" إلى تقديم سيناريو مغاير يتحدث فيه عن لقائه ببراندو وتفاصيل مشروعهما المؤجل والمجهض... لم يكتف الموت بسرقة الكثير من الأحلام المؤجلة، فسرق الزميل والصديق "محمد الهادف" في غفلة من الجميع... فاجأه في وحدته ليتقاسم معه وحشة المكان... خطط أن يختطف ابتسامته ويضع حدا لأحلامه المؤجلة دون سابق إنذار... هكذا هو الموت... يفاجؤك من حيث لا تدري... يعطيك في كل مرة درسا لا ينسى في... الحياة... ينبهك لأن تعيد ترتيب أفكارك ويذكرك بأنه الحقيقة الوحيدة الثابتة في الوجود، ولكننا للأسف ننسى ذلك دائما ونضيع الوقت في المناكفات و"التنبير" وتعكير المياه الآسنة بطبعها... ونحن في "أبو ظبي"، نسابق الزمن في تغطية مهرجان يضج بالتفاصيل المغرية صحافيا، اعترضنا الممثل "لطفي العبدلي"، وبادرنا بالسؤال "تعرفوه عبد الوهاب الجمني؟" فجاء ردنا إيجابا، فأضاف "مات بكري شوية... طاحلو السكر ومات..." هكذا بكل بساطة، توفي المخرج المسرحي "عبد الوهاب الجمني"، وصار بسرعة يحمل لقب "الراحل"... رحل وفي ذهنه الكثير من الأحلام المؤجلة... والمشاريع المسرحية مع أبناء جيله ممن يخططون للآتي... يريدون فرض وجودهم، ويدافعون عن أفكارهم المتحررة من قبضة جيل سبقهم لا يريد أن يعترف بهم... لم يكن "عبد الوهاب الجمني" صديقا، ولكنه كان رجل مسرح اعترفنا دائما بقيمة ما ينتجه... وشاءت مصادفات الموت العجيبة أن تحوله إلى رجل من الماضي... هكذا بلا تخطيط مسبق ولكن مع سبق الإصرار والترصد... رحم الله "عبد الوهاب الجمني" ورزق أهله وأحبته جميل الصبر والسلوان...