في العالم تجارب صحفية غير عادية.. واستثنائية جدا من ذلك على سبيل المثال اصدار صحف لا تنشر إلا الاخبار السعيدة.. والأنباء المفرحة فلا حروب.. ولا زلازل.. ولا كوارث.. ولا شيء من قبيل الذي يحزن الناس ويزيدهم غمّا على غمّ.. وهمّا على همّ.. وهم لا يحتاجون الى المزيد فما لديهم من همّ وغمّ يكفي وزيادة.. أما لو كان الأمر بيدي لأصدرت صحيفة مختصة لا تنشر الا الاخبار الطريفة.. والخفيفة.. والمسلّية.. والتي تقدم العجائب وكأنها من الخيال بينما هي واقع مائة بالمائة وعلى عكس ما يظنّ البعض فإن الواقع أغرب من الخيال.. وأنا أحبّ هذه الأخبار وأجد في قراءتها متعة ولذة.. و«كيف».. وأحرص على البحث عنها في كل صحيفة من هذه الصحف التي أتمكن من الاطلاع عليها.. وأعتبرها نوعا من أنواع النزهة العقلية التي لا تكلّف القارئ عناء.. أو مشقة مثل بعض المواد الصحفية الثقيلة والركيكة التي ما إن يبدأ القارئ في قراءتها حتى يشعر بأنه يتعرض الى عملية تعذيب نفسي وجسدي.. ولا أجد كلمة أبلغ ولا أفصح من كلمة «البلادة» باللهجة الجريدية لأصف بها تلك المواد السمجة فهي بالفعل «بليدة» في الاسلوب.. وفي المحتوى.. وحتى في الغاية.. وما أكثر ما عانيت من هذه «البلادة» فأنا بحكم المهنة مضطرّ لقراءة الكثير من المواد الصحفية بغثها وسمينها.. فأشعر في آخر النهار بأن «البلادة» ستقتلني.. وبأنها أطاحت بي.. وأنهكتني.. فأهرول الى السرير وأغمض عيني وأدفن نفسي في الفراش لكي أهرب منها.. وقد تلاحقني في شكل كوابيس مزعجة حتى وأنا نائم فاستيقظ كالملدوغ وأنا أصرخ.. وإذا بكل من في البيت يستيقظون وهم في حالة ذعر ويحيطون بسريري وهم في حالة قلق وانزعاج ويسألونني: هل أنت بخير؟.. فأطمئنهم وأقول لهم أن (إللّي ما تتسمّاش) زارتني في المنام.. فيحمدون الله ويعودون الى نومهم وهم يلعنون «البلادة» التي لا تتركنا ننعم حتى بالنوم الهادئ العميق.. وعلى ذكر الطرافة أقول أنني استمتعت أمس الأول بسهرة مع الشاعر أحمد فؤاد نجم من خلال احدى الفضائيات المصرية فماذا سأقول؟.. وبماذا سأعلّق؟.. لقد اكتشفت أن الرجل ليس شاعرا فقط.. إنه بالاضافة الى ذلك يتمتع بقدرة عجيبة على حكاية الحكايات الطريفة والمسلية والمضحكة فحكى خلال السهرة مجموعة من الحكايات التي تقتلك قتلا بالضحك.. إنها عبارة عن قنابل مضحكة مسيلة للدموع.. وقد سالت دموعي من شدة الضحك وأنا أستمع الى حكاياته عن عباطته.. وخوفه من الكلاب.. وعلاقته بالشيخ المؤدب الذي كان يسمي كل تلامذته بالجواميس.. فهذا جاموسة بيضاء.. وذاك جاموسة سوداء.. وهكذا.. إن الاستماع الى عمنا نجم متعة ما بعدها متعة.. والحمد لله أن في الوطن العربي لدينا أمثال أحمد فؤاد النجم اذ لولاهم لقتلتنا «البلادة» والسماحة وقلة الحياء والركاكة.. ولأغرقنا طوفان الرداءة الذي يكاد يزيل الخريطة العربية من الوجود.