لقد حكم القذافي ليبيا باللجان الشعبية وكانت تنزل أو تصعد للسلطة من يريده الحاكم بأمره وبذلك قضي على مؤسسات الدولة وكانت تزعجه لما انقلب على الحكم ولم يجد من دونها له نفوذ. كانت فوضى اعتمدها أمام الدولة العميقة ووصل به الأمر الى إحراق الوثائق الرسمية ورسوم الملكية التي كانت تؤمن وتحفظ الحقوق من الاعتداء عليها في زمن الفوضى العارمة التي باتت عليها ليبيا وقتها وكان القوم يخشونه لأبعد الحدود وانتهت العملية أخيرا بزوال حكمه وعودة القبلية والعشائرية في ذلك البلد الطيب المجيد. لقد بتنا نحن في تونس بعدما امتنعت الدولة عن الانتهازيين والفوضويين زمن الثورة التي انتهت بهروب زين العابدين بن علي ذات مساء للسعودية خوفا من الحساب ومازال هناك يقيم. لقد حاول تلافي الموقف قبلها معترفا بأنهم غلطوه وأنه مستعد للديمقراطية وتشغيل كل العاطلين عن العمل وتحوير الدستور وعدم الترشح لولاية أخرى بالرغم من حملة المناشدة التي أطلقها المتزلفون، لكنه لم يعترف بأخطائه وجرائمه وتجاوزه للقانون والدستور وكل الحدود وسمح لنفسه ولزوجته ليلى الطرابلسي والمقربين منه ومنها بسرقة أموال الشعب وتهريب المسروق للبنوك الأجنبية، ويقدر الخبراء المبلغ بأكثر من الديون الخارجية المثقلة على تونس كامل تلك سنين. لم يتعظ القوم بما وقع وما صار للوزراء الذين خدموه وتفانوا في خدمته ونفذوا أوامره وباتوا عرضة للتتبعات القضائية والسجون بالرغم من أنه لم يكن في وسعهم تجاهلها بسبب الخوف الذي كان مسيرا على النفوس. لم يمنعهم كل ذلك من إعادة الكرة من جديد لما وصلوا للحكم الذي أعمى بصائرهم وأصبح أمرهم مكشوفا ومُريب! لقد اعتمدوا طريقة اللجان الشعبية منهجا مثلما كان يفعله القذافي وانكشف امرهم اخيراً بذلك التسريب الذي أصبح متداولا في المواقع الاجتماعية ووسائل الإعلام وبات غسيلهم منشورا للعموم. إنهم اعترفوا في تلك التسجيلات بأنهم كانوا وراء إقالة الحبيب الصيد وتصعيدهم ليوسف الشاهد الذي خيب ظنهم لأنه لم يمكنهم من مفاصل الدولة وتعيين أنصارهم في مراكزها لأنها في نظرهم ضيعة لهم تركها لهم الذي فر للسعودية هاربا يوم أن خاف من ردود فعل الجماهير؟ لذلك قلت أننا عدنا لنظام اللجان الشعبية التي حكم بها القذافي ليبيا لعدة سنين. لم يسلم من كلامهم ذلك المسجل عليهم الوزراء والحزب المتحالف معهم وحتى رئيس الحكومة فقد ناله منهم بالتجريح نصيب. أما ما يقلق في كل ذلك فهو تطاولهم على الدستور والرغبة في تغيير اُسلوب الحكم الى رئاسي مطلق يمكنهم من وضع اليد على الدولة مثلما كان يحكم الرئيس السابق ابن علي الذي باتوا يفضلون وزراءه ومستشاريه على هؤلاء المختارين في رئاسة الجمهورية والحكومة ولم يبق لهم إلا دعوة زين العابدين بن علي للعودة والاعتذار له مما حصل من المخطئين! أما ما تتعرض له تونس من صعوبات اقتصادية ومالية وبطالة المتخرجين فذلك أمر لا يهمهم لا من قريب أو بعيد.