يتعرض الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة إلى حملات مكثفة ,ومتقاطعة للإساءة إليه وتشويه إرثه وإنجازاته ، ويقود هذه الحملات خصومه الذين دأبوا على التشكيك في نضالاته و الكثير من الذين حرصوا على إستثمار مآثره الخالدة ، علkى حد سواء ، فإن كان سعي الخصوم مفهوم فإن ما يأتيه المتدثرون بإرثه غريب ومثير وأكثر خطورة ، سوف لن نتحدث في هذا التحليل عن حملات خصوم بورقيبة إذ هي مكشوفة الدوافع والخلفيات ومفضوحة الأهداف ولكن سنتناول المسألة من الزاوية الأخرى ، أي تلك الإساءة لبورقيبة من خلال التوظيف الإنتهازي لمقارباته الفكرية ومواقفه السياسية وأهدافه الوطنية ، فهذه الممارسات أخطر بكثير على بورقيبة من حملات خصومه. من المفارقات العجيبة أن كل الذين ركبوا سروج الجهويات وعملوا جاهدين، وبكل السبل الرخيصة، على إثارة الفتن بين التونسيين، وضمنوا خطبهم الشعبوية المبتذلة دعوات إنفصالية، وألبوا الجهات على بعضها البعض، يرفعون شعار " الوحدة الوطنية " !!! هكذا بكل صفاقة وقلة حياء! إنه النفاق في أبشع مظاهره وأكثرها إنتهاكا لذكاء الناس ! صحيح أن إزدواجية خطابهم قد كشفت عن معدنهم وعرت حقيقتهم وأفقدتهم آخر أوراقهم ، ولكنهم واصلوا مع ذلك هروبهم الهستيري المحموم إلى الأمام ، رافعين شعار " الوحدة الوطنية "! إن كان هؤلاء قد فقدوا كل مصداقية أمام الشعب وأصبح ظهورهم فلكلوريا يثير الإستهزاء والشفقة ، فإن البعض الآخر ممن دأبوا على التلويح بشعار " الوحدة الوطنية" في حلهم وترحالهم ، وهم أبعد ما يكون عن الإيمان بها، مازالوا مصرين على إقتراف الآثام تحت مسميات عديدة ومختلفة لقضاء حاجاتهم السياسية العابرة والظرفية ! فالذين دعموا " الوحدة الوطنية" الممثلة في الحكومة الحالية طمعا في الحصول على منافع شخصية ولكنهم لم يحققوا مبتغاهم، فضحوا أنفسهم بأن ربطوا الوحدة الوطنية بمصالحهم الشخصية في حين أن " الوحدة الوطنية" هي شكل راق من أشكال التضحية وخدمة المصلحة العليا للبلاد، أما الذين إعتقدوا أن إصطفافهم وراء رافعي شعار " الوحدة الوطنية " سيمكنهم من المشاركة في الحكم رغم سقوطهم المدوي في الإنتخابات التشريعية الماضية فقد تناسوا أن الشعب الذي أسقطهم، بتلك الطريقة المهينة، لن يسمح لهم بالعودة من أي شباك كان وعلى أي سرج من السروج حتى وإن كان سرج " الوحدة الوطنية" لا يجوز لمن قسم التونسيين إلى "مؤمنين وكفار، وثوريين وأزلام، وشماليين وجنوبيين، وبلدية وآفاقيين، وسواحلية وأعماق"، وبورقيبيين ويوسفيين أ يستهزأ بالناس ويتحدث عن الوحدة الوطنية التي هو أول منتهكيها، فللنفاق السياسي حدود، وللكذب والبهتان زمن محدد، وللشعبويات خطوط دنيا وإن كانت الحضيض. لا شك أن البلاد بحاجة أكيدة وماسة لوحدة وطنية في هذه المرحلة الدقيقة والحرجة والحاسمة من مسيرتها، ولا شك أيضا أن إرثنا في هذا المجال، والذي تركه الزعيم الحبيب بورقيبة، هائل وتتحتم العودة إليه وتوظيفه توظيفا سليما ومحكما دون خلفيات وحسابات ، ولكن الرقص المحموم على حبل " الوحدة الوطنية" ، والذي نشاهده يوميا على مسرح السياسة في بلادنا هو ضرب من ضروب الإزدراء بهذه القيمة النبيلة وتشليكها وتدمير كل الموروث الذي إتصل بها على مدى عقود من الزمن .