مهما قيل عن التحركات الاجتماعية الأخيرة التي تعرفها بعض الجهات الداخلية ومهما حاول البعض تفسير أسبابها والتساؤل عن الدواعي التي جعلتها تظهر في هذا التوقيت بالذات، وهل أن وراء توقيتها الحالي مصالح سياسية لبعض الأحزاب خاصة وأن اندلاعها قد تزامن مع الإعلان عن موعد الانتخابات البلدية في شهر ديسمبر القادم.. بما يعني أن الأحزاب التي هي اليوم غير مستعدة لهذا الموعد الانتخابي وتخشى من الفشل والهزيمة هي من يقف وراء هذه التحركات وبما يفيد كذلك أن ما يحدث في هذه الجهات من احتجاجات الغاية منها تعطيل الانتخابات المقبلة بعد توفير مناخ غير ملائم لها، فإنه لا أحد ينكر أن طول انتظار الناس وعدم تحقق الوعود التي وعدت بها الحكومة ومن وراءها من أحزاب حاكمة في تغيير وتحسين حال الجهات المهمشة والمنسية وخاصة في تعطل قطار التنمية وانسداد أفق التشغيل وتفاقم البطالة وتزايد عدد العاطلين عن العمل من كل الأصناف هي التي جعلت الناس في هذه الجهات تخرج محتجة عن أوضاعها وخاصة فئة الشباب العاطل الذي طالت بطالته وفقد كل ثقة في من يحكم اليوم و لم يعد يقتنع بالمسكنات والوعود التي تقدم له ولم يعد يتفهم عجز الدولة في توفير ما يحتاجه ولم يعد يلوذ بالصبر كلما حدثه المسؤول السياسي عن ضرورة أن يصبر أكثر. المشكلة هذه المرة في هذه التحركات الاجتماعية هي أن من يقوم بها يطالبون بنسبة من عائدات ثروات جهاتهم وخاصة الثروات البترولية والغازية، ويعتبرون أن جهاتهم تتوفر على ثروات طبيعية تدر أمولا طائلة لا يستفاد منها في شيء وليس لها انعكاس ايجابي على حياتهم.. فجدلية الثروة والفقر هذه لا يفهمونها وهم ليسوا على استعداد بأن يتواصل هذا الوضع أكثر فحق الجهات في نسبة من عائدات الثروات الطبيعية هو المطلب الرئيسي اليوم للشباب المحتج. الجديد هذه المرة في ما يحصل من احتجاجات بدافع التشغيل والاستفادة من عائدات الثروات الطبيعية هو أن هذه التحركات الاجتماعية قد فرضت فتح ملف البترول من جديد وكسرت الطوق الإعلامي والسياسي الذي كان يحمي الشركات الأجنبية التي تعمل في هذا الميدان والتخلي عن مقولة أن تونس بلد فقير ولا يتوفر على مصادر للطاقة وأن ثرواتنا الطبيعية شحيحة لا تسمح بتوفير عائدات كبيرة يمكن أن نستغلها في التنمية فما حصل في الماضي هو عملية ممنهجة لتشويه حملات التعرف على ثرواتنا الطبيعية والتصدي إلى كل من كان يطالب بمعرفة حقيقة ما نتوفر عليه من موارد طبيعية . المحتجون هذه المرة يطالبون بحقهم في نصيب من عائدات الثروات الطبيعية وهم يعلمون أن البلاد لها قدر لا بأس به من مخزون النفط والغاز وثروات أخرى يتم اليوم استغلالها بطريقة غير عادلة من طرف شركات أجنبية من وراء عقود تنقيب واستغلال مهينة للشعب والدولة ومن وراء اتفاقيات اقتصادية تحتاج أن نراجعها، فاليوم هؤلاء المحتجون يطالبون من الدولة والحكومة أن تعلم الشعب بحقيقة هذه الثروات في مجال النفط والغاز والرخام وكل المعادن الأخرى وكل ما تتوفر عليه البلاد من ثروات