لو كنت مسؤولا لأرسلت برقية شكر إلى الصحفي الجزائري الذي كتب عن تونس في صحيفة جزائرية مقالا جيدا وصادقا وعفويا وموضوعيا.. لقد قرأت المقال فوجدت فيه كلمة حق ممتازة ما من تونسي يطلع عليها إلا ويشعر بالنخوة والاعتزاز خصوصا وأن بعض الأشقاء يصعب عليهم الاعتراف بما حققته تونس من تقدم وما تحظى به من أمن وأمان.. إن هذا الصحفي شهد بما رأى وسمع وتجوّل في البلاد فلاحظ.. وسجل.. وقارن.. ثم أطلق العنان لقلمه فكانت النتيجة ما قرأته أنا شخصيا و«عملت كيف».. ولكن إستوقفني في هذا المقال ملاحظة أبداها الصحفي الجزائري تخصّ الصحافة المكتوبة في تونس.. لقد لفت نظره أن التوانسة في المقاهي والشوارع ووسائل النقل لا يقرؤون الصحف واستغرب هذا العزوف وقارن بين القراء في تونس والقراء في الجزائر فكانت نتيجة المقارنة لصالح الجزائر حيث توزع الصحف الجزائرية بالملايين وتبيع مئات آلاف النسخ ويتهافت عليها القراء يوميا.. وقد شدّتني هذه الملاحظة وهي صحيحة ونزيهة.. ولا يمكن إلا أن نتقبلها برحابة صدر مثلما تقبلنا تنويهه الجميل بالأمن السائد في تونس وبنظافتها وبالأجواء الساحرة فيها وبكل ما فيها من مظاهر رائعة للتقدم والرفاهية.. لقد تقبّلت الملاحظة بروح رياضية ولكنها بصراحة حزّت في نفسي فنحن للأسف الشديد لا نقرأ الصحيفة إلا قليلا.. ولا نقرأ الكتاب إلا قليلا.. وربما لا نقرأ إلا فواتير «الصوناد» و«الستاغ» و«البورطابل» فقط!!! لنعترف بكل جرأة وصدق ودون مكابرة أن القراءة ليست عادة تونسية ويستوي في النفور من القراءة الأستاذ والمثقف والطالب والموظف.. والذكر والأنثى.. ولا فرق بين من لديه الامكانيات ومن ليست لديه.. وبين من يحمل (قفة) شهائد ومن يحمل شهادة الفقر فحسب.. إننا لا نحب القراءة منذ زمن بعيد ولا أرى فرقا بين الزمن الذي كانت فيه نسبة انتشار التعليم محدودة وبين الزمن الذي كادت فيه الأمية أن تختفي تماما.. لقد تطوّرنا في كل شيء فلا مقارنة بين التونسي القديم والتونسي الجديد على كل المستويات.. والمقارنة بين الاثنين تكاد تكون مستحيلة.. ولكننا لم نتطوّر على مستوى قراءة الصحف والكتب.. ولذلك فقد استغرب الصحفي الجزائري عندما رأى بلدا متقدما ولكن صحفه محدودة الانتشار وما تبيعه من نسخ لا يعكس مدى تلك الرفاهية وذلك التقدم بأي حال من الأحوال..