جندوبة: حجز أطنان من القمح والشعير العلفي ومواد أخرى غذائية في مخزن عشوائي    ابداع في الامتحانات مقابل حوادث مروعة في الطرقات.. «الباك سبور» يثير الجدل    فضيحة في مجلس الأمن بسبب عضوية فلسطين ..الجزائر تفجّر لغما تحت أقدام أمريكا    قبل الهجوم الصهيوني الوشيك ...رفح تناشد العالم منعا للمذبحة    أخبار الترجي الرياضي .. أفضلية ترجية وخطة متوازنة    وزير الشباب والرياضة: نحو منح الشباب المُتطوع 'بطاقة المتطوع'    بعد القبض على 3 قيادات في 24 ساعة وحجز أحزمة ناسفة ..«الدواعش» خطّطوا لتفجيرات في تونس    رئيس الجمهورية يشرف على افتتاح الدورة 38 لمعرض تونس الدولي للكتاب    انطلاق الموسم السياحي بتونس.. «معا للفنّ المعاصر» في دورته السادسة    الجم...الأيّام الرّومانيّة تيسدروس في نسختها السابعة.. إحياء لذاكرة الألعاب الأولمبيّة القديمة    القصرين..سيتخصّص في أدوية «السرطان» والأمراض المستعصية.. نحو إحداث مركز لتوزيع الأدوية الخصوصيّة    بكل هدوء …الي السيد عبد العزيز المخلوفي رئيس النادي الصفاقسي    هزيمة تؤكّد المشاكل الفنيّة والنفسيّة التي يعيشها النادي الصفاقسي    توقيع مذكرة تفاهم بين تونس و 'الكيبيك' في مجال مكافحة الجرائم الالكترونية    حجز كمية من الموز المصري غير صالحة للإستهلاك    تعاون تونسي أمريكي في قطاع النسيج والملابس    عاجل/ محاولة تلميذ الاعتداء على أستاذه: مندوب التربية بالقيروان يكشف تفاصيلا جديدة    معرض تونس الدولي للكتاب يعلن عن المتوجين    وزارة الصناعة تفاوض شركة صينية إنجاز مشروع الفسفاط "أم الخشب" بالمتلوي    عاجل/ هذا ما تقرّر بخصوص زيارة الغريبة لهذا العام    قيس سعيد يعين مديرتين جديدتين لمعهد باستور وديوان المياه المعدنية    المعهد الثانوي بدوز: الاتحاد الجهوي للشغل بقبلي يطلق صيحة فزع    حالة الطقس خلال نهاية الأسبوع    الوضع الصحي للفنان ''الهادي بن عمر'' محل متابعة من القنصلية العامة لتونس بمرسليا    النادي البنزرتي وقوافل قفصة يتأهلان إلى الدور الثمن النهائي لكاس تونس    لجنة التشريع العام تستمع الى ممثلين عن وزارة الصحة    مضاعفا سيولته مرتين: البنك العربي لتونس يطور ناتجه البنكي الى 357 مليون دينار    سيدي بوزيد: وفاة شخص واصابة 5 آخرين في حادث مرور    تخصيص 12 مليون م3 من المياه للري التكميلي ل38 ألف هكتار من مساحات الزراعات الكبرى    انتخاب عماد الدربالي رئيسا للمجلس الوطني للجهات والأقاليم    عاجل/ انتخاب عماد الدربالي رئيسا لمجلس الجهات والأقاليم    الصالون الدولي للفلاحة البيولوجية: 100 عارض وورشات عمل حول واقع الفلاحة البيولوجية في تونس والعالم    انطلاق معرض نابل الدولي في دورته 61    عاجل/ كشف هوية الرجل الذي هدّد بتفجير القنصلية الايرانية في باريس    نقابة الثانوي: وزيرة التربية تعهدت بإنتداب الأساتذة النواب.    انزلاق حافلة سياحية في برج السدرية: التفاصيل    برنامج الجلسة العامة الافتتاحية للمجلس الوطني للجهات والأقاليم    كأس تونس لكرة السلة: البرنامج الكامل لمواجهات الدور ربع النهائي    تواصل حملات التلقيح ضد الامراض الحيوانية إلى غاية ماي 2024 بغاية تلقيح 70 بالمائة من القطيع الوطني    بطولة برشلونة للتنس: اليوناني تسيتسيباس يتأهل للدور ربع النهائي    عاجل/ بعد تأكيد اسرائيل استهدافها أصفهان: هكذا ردت لايران..    وفاة الفنان المصري صلاح السعدني    توزر: ضبط مروج مخدرات من ذوي السوابق العدلية    عاجل: زلزال يضرب تركيا    كلوب : الخروج من الدوري الأوروبي يمكن أن يفيد ليفربول محليا    انتشار حالات الإسهال وأوجاع المعدة.. .الإدارة الجهوية للصحة بمدنين توضح    القيروان: هذا ما جاء في إعترافات التلميذ الذي حاول طعن أستاذه    المنستير: ضبط شخص عمد إلى زراعة '' الماريخوانا '' للاتجار فيها    سلطنة عمان: ارتفاع عدد الوفيات جراء الطقس السيء إلى 21 حالة    منبر الجمعة .. الطفولة في الإسلام    خطبة الجمعة..الإسلام دين الرحمة والسماحة.. خيركم خيركم لأهله !    اسألوني .. يجيب عنها الأستاذ الشيخ: أحمد الغربي    ضروري ان نكسر حلقة العنف والكره…الفة يوسف    وزير الصحة يشدّد على ضرورة التسريع في تركيز الوكالة الوطنية للصحة العموميّة    شاهدت رئيس الجمهورية…يضحك    حيرة الاصحاب من دعوات معرض الكتاب    غادة عبد الرازق: شقيقي كان سببا في وفاة والدي    موعد أول أيام عيد الاضحى فلكيا..#خبر_عاجل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



موعد مع الصحافة

يتضمن هذا الكتاب مجموعة من الحوارات الصحفية مع عدد من الصحفيين التونسيين الذين يباشرون عملهم في صحف ومجلات تونسية وأجنبية. وقد أجريت هذه الحوارات لفائدة جريدة "أضواء التونسية " ضمن ركن "موعد مع رئيس تحرير" ثم "موعد مع الصحافة" الذي تواصل صدوره لأكثر من ثلاث سنوات ونصف السنة.
وفكرة تجميع هذه الحوارات في كتاب اقترحها عدد لا بأس به من الزملاء، منهم من تمت محاورته، ومنهم من لم أحاوره.. وكانت فكرتهم أن صدور هذه الحوارات في كتاب من شأنه أن يجعلها مادة هامة بين أيدي المهتمين بقطاع الإعلام في بلادنا، خاصة أنها تمثل التجربة الأولى من نوعها.
وقد أغرتني هذه الفكرة ووجدت لها تبريرات أخرى لمستها من خلال ردود الفعل التي كانت تصلني حول هذه الحوارات ، لعلّ أهمها أن محاورة الصحفيين التونسيين حول بداياتهم المهنية ومختلف مراحل تجربتهم الإعلامية من شأنه أن يقربهم أكثر من القارئ الذي يتعامل معهم كأسماء فقط، مع ما يعنيه ذلك من إمكانية حمل أفكار غير صحيحة عنهم.
ولعل ما زاد قناعتي بضرورة إصدار هذه الحوارات في كتاب، أن الأشهر الأخيرة تميزت وعلى أكثر من مستوى بالاهتمام بملف الإعلام في بلادنا وخاصة البحث في أسباب محدوديّة أدائه وعدم قدرته على مواكبة التطور الذي شهده هذا القطاع عربيا ودوليا... وأيضا عدم قدرته على مواكبة التطور الذي شهدته قطاعات هامة أخرى في بلادنا.
وأعتقد أن محاورة الصحفي التونسي حول ظروف التحاقه بهذه المهنة.. والطريقة التي يحصل بها على المعلومات والمشاكل التي يتعرض لها عند كتابة نوعية معينة من المقالات.. وعلاقاته بمدير المؤسسة .. والرقابة الذاتية .. إلخ من شأنها أن تساهم في بلورة رأي واضح حول أسباب محدودية أداء الصحفي التونسي.
وأريد أن أشير أن عديد الزملاء كانوا أشاروا عند متابعتهم لهذه الحوارات إلى سطحية بعض الأسئلة وعدم قدرتها على الغوص في الإشكاليات الحقيقية لملف الإعلام في بلادنا.. وفي حقيقة الأمر فإن في موقفهم هذا، جانبا كبيرا من الصحة.. لكن هناك نقطة هامة لا بد من الإنتباه إليها وهي أن هذه الحوارات وكما سبق أن ذكرت، قد أنجزت لفائدة جريدة "أضواء التونسية" وهي جريدة أسبوعية موجهة إلى كافة الفئات وخاصة منها الشباب وعليه فإنها لا تتحمل – ضمن توجهها هذا- مادة مكثفة.. غير أن ذلك لم يمنع من أن عددا هاما من الحوارات )في هذا الجزء الأول( كانت حوارات جيدة غاصت فعلا في أمهات قضايا ملف الإعلام في بلادنا وذلك بشهادة عدد لا بأس به من الزملاء الذين نحترم تجربتهم وما قدموه للصحافة في تونس.
أما لماذا قسمت هذا العمل إلى جزئين اثنين؟ فلأن عدد الحوارات تجاوزت الستين حوارا، وكان من الصعب إلغاء بعضها نظرا لخصوصية تجربة كل صحفي .. فهناك جيل "التسعينات" الذي باشر المهنة في فترة يعتقد العديد أنها من أسوء الفترات التي مر بها الإعلام.. وهناك جيل الثمانينات الذي عمل في فترة يعتبرها البعض أنها من الفترات الذهبية للإعلام التونسي.. وهناك جيل السبعينات الذي واكب عديد الهزات التي مرت بها البلاد.. وأعتقد أنه من حق هؤلاء أن تنشر الحوارات التي أجريت معهم لأنها تضمنت وجهات نظرهم من مختلف هذه المسائل...
نور الدين المباركي
البيانات الشخصية
@@@@@@@
· كيف جئت إلى بلاط الصحافة؟
إذا قلت أني جئت بالصدفة فذلك ليس صحيحا...لقد أحببت أن أكون صحفيا .. ومارست الكتابة قبل أن أكون صحفيا.. لقد جئت عن وعي وكنت أدرك تبعات أن أكون صحفيا وخصوصا في بلد ليس جد متقدم لكن وفي نفس الوقت يتميز بأنه بلد له تقاليده الصحفية العريقة...
أما أول صحيفة اشتغلت فيها فهي جريدة "الصباح" التي يشرفني أني انتسبت إليها وأواصل... وبالنسبة لي أعتقد أنها الوعاء الوحيد الذي "أجد فيه نفسي" وأشعر فيه بأني أتمتع بقدر من الحرية أكبر مما لو كان ذلك في أي صحيفة أخرى...
· أكيد أنك تتذكر أول مقال نشر لك؟
التحقت بجريدة "الصباح" في سبتمبر 1959 .. وكتبت عدة مقالات غير موقعة .. أما أول مقال موقع فقد نشر في شهر أكتوبر من نفس السنة أي بعد حوالي شهر من التحاقي " بدار الصباح" .. وأذكر أن هذا المقال كان بعد الفيضانات الكبيرة التي شهدتها مدينة قابس والتي راح ضحيتها عدة عشرات من المواطنين..يومها ذهبت لتغطية هذا الحدث.. وكانت مناسبة لكتابة مقال عن تلك الفيضانات ونتائجها والزيارة التي قام بها وفد حكومي لتقديم العون إلى المتضررين وكان يومها برئاسة السيد الباهي الأدغم الذي كان يشغل خطة كاتب دولة للرئاسة.. ثم تتابعت المناسبات وخاصة الانتخابات الرئاسية والتشريعية لسنة 1959 وكانت أول انتخابات في ظل دستور تلك السنة ولا بد من القول أن المقالات الموقعة آنذاك في الصحف التونسية كانت قليلة، وحتى الافتتاحيات كانت توقع بأسماء مستعارة.
وأذكر أن صدور أول مقال لي موقع على صفحات الجريدة قد أثار في نفسي الكثير من الاعتزاز والافتخار وشعرت كأن مولودا أول قد ولد لي.. وهو نفس الشعور الذي ينتابني دوما مع كل مقال يصدر لي.. إذ مازلت أشعر وأنا أجلس أمام الورق أو أمام جهاز الكمبيوتر أني أكاد أكون في مواجهة امتحان ) أحيانا امتحان يومي أو حتى عدة مرات في اليوم...( .
· على يد من تتلمذت؟
الحقيقة أنني تتلمذت على أياد عديدة وأعتقد أني مازلت أتتلمذ .. وفي المقدمة كنت تلميذا للمرحوم الحبيب شيخ روحه .. وكذلك للمرحوم الهادي العبيدي وكذلك للأستاذ عبد الجليل دمق أطال الله عمره.. ومحمد الميلي الذي كان يشتغل معنا في "دار الصباح" في تلك السنوات )أواخر الخمسينات وبداية الستينات( وهو يشغل اليوم خطة مدير عام الأليسكو وكذلك الأستاذ الجزائري عبد الله شريط الذي كان له أثر كبير في نفسي من حيث إيمانه بحق الاختلاف ..وحرية أي كان في أن يفكر ويطرح أفكاره وفقا لقناعاته.. وما يمليه عليه ضميره.. وهناك آخرون يضيق المجال عن ذكرهم جميعا..
· من الصحفيين " التوانسة" .. لمن يقرأ عبد اللطيف الفراتي؟
أقرأ في حدود الإمكان لصحفيين من توجهات مختلفة ..أذكر من المحللين : عبد الحميد الرياحي وعبد المجيد الجمني.. وبعض ما يكتبه صلاح الدين الجورشي ولا يتسنى لي الإطلاع عليه.. كما أواصل القراءة لصديقي صالح الحاجة.. وأيضا لفاطمة الكراي.. وأنا من المدمنين على قراءة ما يكتبه محمد قلبي.. وأعتقد أيضا أن سيطرة عبد الجليل دمق * على فن كتابة الافتتاحية مما يشد المرء دوما .. وهناك آخرون.
· هل تقرأ لنجيب الخويلدي؟
نعم.. ونجيب الخويلدي صحفي يثير الجدل والنقاش .. وقد تختلف معه لكنه لا يتركك محايدا إزاء ما يكتبه ..وهو يتمتع بقلم جذاب ويشد فعلا..
· سي عبد اللطيف ..أكيد أنك كتبت مقالات سببت لك مشاكل في ما مضى؟
صحيح .. لقد كتبت عدة مقالات سابقا سببت لي عديد المشاكل و لم يحن الوقت بعد للحديث عنها.
· طيب.. هل ترى نفسك صحفيا تثير الجدل.. أو قادرا على ذلك؟
أنا أعتقد أني كنت صحفيا إلى حد ما له حضوره في الساحة.. وأثرت بعض الجدل سواء تجاه شكل الكتابة الذي أقدمه أو حتى في مضمونه .. فمواقفي الاقتصادية والاجتماعية كانت سابقة لأوانها )الدعوة لليبرالية مثلا ( .. وأعتقد أن هذه المواقف أصبحت اليوم تمثل القاسم المشترك لحياتنا الاقتصادية .. رغم أنها كانت من عشر سنوات انحرافا.. أو ما يعتبره البعض رجعية..
وعموما أعتقد أن التوجهات التي دافعت عنها في السابق بدأت تعطي أكلها.. وما كنت أتخذه من مواقف كان يثير جدلا ولم يكن مقبولا وكان يوصف بالرجعية.. وهو اليوم موقف غالب الصحفيين وغالب الناس وغالب رجال السياسة.
· سي عبد اللطيف ..هناك من يقول أنك ولسنوات طويلة كنت بمثابة " بوق الحكومة" ؟
كل شخص حر في مواقفه .. وأنا أعتقد أني حر في مواقفي .. وهذه المواقف تصادف أحيانا الموقف الحكومي.. وأحيانا أخرى تختلف عنه.. وأعتقد أن هذه الصورة جاءت عموما لأن مواقفي الاقتصادية والاجتماعية )اقتصاد السوق( هي مواقف الحكومة خاصة أن السلطة سائرة في هذا الإتجاه..
لكن لو نرجع قليلا إلى الوراء سنلاحظ أن هذه المواقف سابقة لمواقف السلطة( في السبعينات وقبل ذلك وحتى في فترة من بداية الثمانينات)... بل ومتقدم عليها لأنها تذهب إلى المطالبة بأشياء لم تنضج بعد ودور الصحفي هو استباق الحدث.. والمطالبة بأشياء جديدة .. وعموما أعتقد أن مواقفي حرة وليس هناك أي عيب في أن تكون مواقفي مسايرة لمواقف السلطة إذا كانت هذه الأخيرة في اتجاه طيب.
· موقفك من حرب الخليج سنة 1990 أثار الكثير من الجدل؟
الواقع أن المنطلقات التي لم يقبل بها الكثيرون في ذلك الوقت كانت قائمة على أساس مبدئي يعتمد على ثوابت أساسية : حرية واستقلال الشعوب وعدم القبول بارتهان سيادتها والنيل من سلامتها الترابية .. وبالتالي فإن ما حصل من غزو عراقي للكويت سنة 1990 كان بمثابة سابقة خطيرة يمكن أن تؤدي إلى إقدام دول بسبب قوتها العسكرية وتعدادها السكاني على احتلال دول مجاورة لها أصغر منها أو أضعف ، من هذا المنطلق كان الموقف القائم على رفض احتلال دولة من طرف دولة أخرى مهما كانت التعلات سواء تاريخية أو اقتصادية أو غيرها هذا إذا صحت تلك التعلات.. وعليه فإن المنطلقات السالفة الذكر كانت وراء اتخاذ ذلك الموقف في تلك الفترة.
· ذكرت في بداية الحوار أنك تشتغل في ميدان الصحافة منذ سنة 1959 ..لو أسألك عن خصوصيات العمل الصحفي خلال تلك السنوات؟
عندما بدأت الاشتغال بالصحافة كان عدد الصحفيين قليلا جدا .. وكانوا موزعين بين تغطية الأحداث وكتابة المقالات الوصفية.. ولم يكن المقال التحليلي الذي أعتقد اليوم أنه العمود الفقري للصحافة حاضرا..كان غائبا تماما وكان لا بد من انتظار جيل جديد من الصحفيين ليوجد المقال التحليلي ويصبح له موقعه رغم أنه مازال ينمو ويتطور ..وعموما فإن الكتابة الصحفية قد تطورت عن ذلك الوقت ..وإن بدا لي أن الصحفيين فقدوا الكثير من الاندفاع والالتزام بالقضايا..ليصبحوا أكثر حيادا-أو لامبالاة- تجاه الأحداث هذا من ناحية المضمون أما من ناحية الشكل فإن التطورات التي حصلت في مجالات الطباعة جعلت من الصحيفة اليوم مرآة تتميز بجاذبيتها وألوانها التي تكاد تكون غائبة في ذلك الوقت.
· في حياتك المهنية هل طلب منك أن تكتب مقالات معينة وكتبتها ؟
ما أستطيع أن أؤكده أنه طيلة حياتي المهنية لم أكتب شيئا لست مقتنعا به.
· من الصحفيين الكبار بمن تأثرت ؟
تأثرت بطوم برادلي )الأمريكي( وذلك في بداية حياتي المهنية وكذلك بجون دانيال.. والمصري كامل زهيري وأحمد بهاء الدين ومن اللبنانيين المرحوم ميشال أبو جودة وعبد الكريم أبو النصر..
· هل ندمت في يوم ما.. على اقتحامك ميدان الصحافة ؟
أبدا لم أندم.. ولو كان علي أن أعيد حياتي لاخترت هذه المهنة رغم صعوباتها وخاصة في البلدان النامية.
· سي عبد اللطيف ..أكيد أنك ربطت علاقات مهمة ..هل طلبت منها المساعدة في مسألة ما ؟
الصحفي حتى يحافظ على حريته لا بد أن يفصل بين المصالح الشخصية والمهنية ..من يطلب "مزايا" مستعد في ذات الوقت للتنازل عن مبادئه ..لذلك أرى أن الصحفي لا بد أن تكون له مبادئ (قد نتفق أو نختلف في شأنها) ..وهذه المبادئ لا تستقيم مع الحصول على مزايا وعموما هناك ثلاث مبادئ ضرورية للصحفي، أولا الأمانة ليس فقط في نقل الأشياء لكن أيضا في الالتزام بالتعهدات فالصحفي في بعض الأحيان يجد نفسه في موقع المطلع على أسرار قد يطلب منه عدم ذكرها وعليه أن يلتزم بذلك وإلا فقد مصداقيته وبات في موقع الرجل الغير جدير بالثقة، و ثانيا على الصحفي في اعتقادي أن يفصل نفسه عن التأثيرات التي تأتي من المزايا Les Avantages لأنه إذا قبل بها فقد حريته في التصرف ، وثالثا على الصحفي أن يفصل نفسه عن الإعلانات والإشهار فالصحفي الذي يتولى جمع الإعلانات يخضع نفسه لتأثيرات قد لا تكون مرغوبة بالنسبة إلى حريته.
· طيب ..هل ضحيت في يوم ما بصداقة مقابل "خبطة"* صحفية ؟
الأمانة الصحفية تتطلب المحافظة على الصداقات.. لأن "الخبطة " الصحفية مسألة مناسباتية )أي عرضية( والمهم الحفاظ على الصداقة .وشخصيا أقدس الصداقة وعلاقات الأخوة والعلاقات الإنسانية عموما.
· أهم "خبطة" صحفية ..أنجزتها؟
"الخبطات" الصحفية التي أنجزتها عديدة.. لكن تبقى أقربها إلى نفسي " خبطة 1973 " ..فرغم كثرة الصحفيين الذين كانوا يتابعون أشغال القمة العربية في الجزائر سنة 1973 . كنت الوحيد الذي تحمل في صبر، السهر إلى ساعة متأخرة في قصر الصنوبر وعندما خرج الرئيس ياسر عرفات من قاعة الاجتماعات استجوبته وأعلن لأول مرة ومن الجزائر )وليس من الرباط كما يعتقد البعض( اعتراف رؤساء الدول العربية بأن منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.. وعندما نشرت ذلك سارعت كافة وكالات الأنباء في اليوم الموالي لاعتماده نقلا عن " الصباح" .
· أهم شخصية حاورتها ؟
اعتقد أنها الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات.. يمكن لاعتبارات عاطفية إلى حد ما، ورغم أنني حاولت منذ سنوات أن أفصل العمل الصحفي عن العاطفة الجياشة فإن القضية الفلسطينية تبقى بالنسبة لي إضافة إلى عدالتها وإلى مدى الظلم الذي ارتكب في حق الشعب الفلسطيني مسألة عاطفية إلى حد بعيد، لذلك فإن كل ما يتعلق بالقضية الفلسطينية لا أستطيع إلا أن أتناوله بتعاطف معها ومع رجالها وفي مقدمتهم ياسر عرفات.
· فئة من المجتمع يمقتها عبد اللطيف الفراتي ؟
أنا أحترم الجميع.. لاعتقادي أنه ليس هناك حقيقة مطلقة.. إضافة إلى كوني لا أرى أنه لي الحق في أن أتخذ موقفا نهائيا وعدائيا من أي كان.. وعموما أعتقد أن الإنسان وكذلك الفئات في المجتمع تتطور وعليه فأنا لا أمقت أي فئة.
· مثل أو مقولة ترددها دائما ؟
هناك مقولة للإمام الشافعي " .. رأيي صواب يحتمل الخطأ, ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب.. ومن جاء بأفضل من قولنا قبلناه" .
· كتاب قرأته ..ثم أعدت قراءته أكثر من مرة ؟
الكتاب الذي أنا بصدد قراءته هذه الأيام وأعيد اكتشافه هو كتاب ابن أبي ضياف " إتحاف أهل الزمان" هذا الكتاب يمكن قارئه من اكتشاف حقبة مهمة من تاريخ تونس فيما بين القرنين 18 و 19 وهي مناسبة للاعتبار بكثير من الأشياء وعموما أعيد قراءة الكتب التاريخية.
· سؤالنا الأخير " الصحافة الشعبية" كيف تقيمها ؟
هناك في تونس من يدعو بالويل والثبور وانخفاض المستوى.. وشخصيا أعتقد أنه لو لم تكن هناك حاجة لهذه النوعية من الصحافة لما وجدت .. فهي تستجيب إلى حاجة في المجتمع وإن لا تتفق مع ميولي .. ولكن من أين لي حق الحكم القاطع.
و "الصحافة الشعبية" ليست سيئة في حد ذاتها، لأن المجتمع قد يكون في حاجة إلى صحافة جدية وأخرى أقل جدية.. ففي البلدان المتقدمة جدا والتي يرتفع فيها مستوى التعليم إلى أعلى درجاته ..هناك " صحافة شعبية" تطلق عليها مختلف النعوت. وأعتقد أنه على الصحفيين بالذات أن يلتزموا بميثاق أخلاقي حتى لا تحصل انزلاقات لأن بين أيديهم سلاح مهم.. هو سلاح الكلمة والحرف وهما عنصران في اعتقادي مقدسان يجب حمايتهما من طرفنا ومن قبلنا جميعا.. ومنا نحن الصحفيين بالذات، إذ يجب أن نتفق على حدود لكل شيء وبمحض إرادتنا.
ملاحظة : أجري هذا الحوار خلال شهر فيفري 1998 .. أي قبل أن يغادر الأستاذ عبد اللطيف الفراتي جريدة " الصباح" .
@@@@@@@

· سي جمال .. هل تتذكر بداياتك الأولى في الصحافة ؟
أتذكر ذلك جيدا فبدايتي كانت ضمن جريدة " البيان" مع الأستاذ صلاح الدين العامري.. وأتذكر أني كنت في ذات الوقت أمارس الرياضة.. و بعد ذلك تحولت إلى جريدة الإعلان واشتغلت منصب رئيس تحرير وكان عمري 23 سنة فقط.
· وأول مقال كتبته .. هل تتذكره ؟
كان مقالا رياضيا نشرته جريدة البيان خلال سنة 78/77 .. وأعتقد أني أول من اشترى ذلك العدد من جريدة البيان!
· اقتحامك ميدان الصحافة، هل كان صدفة أم أنك خططت لذلك ؟
طبيعتي وتكويني إلى جانب ميولاتي كانت تؤدي إلى الصحافة، باعتبار أني كنت مغرما بالشعر والقصة.. وقد راسلت عديد الصحف ونشرت لي محاولاتي .. وعليه أعتقد أن الطريق كانت مهيأة أمامي لاقتحام ميدان الصحافة.
· سي جمال.. أنت تعتبر من الرياضيين القلائل* الذين تمكنوا من التوفيق بين الدراسة والرياضة.. هل وجدت بعض الصعوبات ؟
أجل وجدت بعض الصعوبات .. رغم اعتقادي أن " الثقافة" أصبحت موجودة الآن بين الرياضيين.. ففي ذلك الوقت كنت غير متأقلم مع أجواء " الكرة" .. وكنت دائما منزويا إما لمطالعة كتاب أو لإعداد دروسي.. وقد سبب لي هذا عديد المشاكل، منها اتهامي بالنرجسية والغرور.. والحقيقة عكس ذلك .. وأريد أن أشير أن معظم أوقاتي في النزل عندما أكون ضمن الفريق .. أقضيها مع محسن الجندوبي وابراهيم الزيتوني )الذي أصبح دكتورا( .. وللتاريخ أقول أيضا أني اكتسبت ثقافة طبية هامة من ابراهيم الزيتوني.
· وهل تمكنت من التوفيق بين ممارسة الصحافة و الرياضة ؟
"الصحافة لا تقبل ضرة لها" فمنذ أن بدأت أمارس الصحافة كمهنة تراجع مردودي الرياضي بشكل ملفت للانتباه.. لكن أريد أن أشير إلى نقطة أعتقد أنها مهمة وهي أن شهرتي كلاعب كرة قدم كانت بمثابة السلاح ذو حدين عندما اقتحمت ميدان الصحافة.. فمن ناحية كانت سلبية لأنها تتطلب مني أن أكون دائما جاهزا.. وكل خطإ له قيمته.. وطبعا تطلب مني هذا الكثير من التركيز والمثابرة على العمل .. ومن ناحية أخرى كانت إيجابية لأن " اسمي معروف" ولم أجد أي صعوبة في بنائه .. فكل ما فعلته هو إعطائه كسوة جديدة! ..ومرة أخرى أقول للتاريخ أن الفريق الصحفي الذي اشتغلت معه في جريدة البيان قد ساعدني كثيرا خاصة أنه كان فريقا قويا وله باع طويل في الصحافة وأذكر من هؤلاء : عبد الحميد الرياحي ونجيب الخويلدي وعمر طويل وحسن بن أحمد وطبعا "ممرن" الفريق الأستاذ صرح الدين العامري.
· خلال تجربتك المهنية..أكيد أنك كتبت مقالات سببت لك مشاكل ؟
أنا مقتنع بأن المقال الذي لا يثير ليس بمقال ..لأن المقال يجب أن يضيف ..أن يحرك.. أن يخلق ردود الفعل.. وقد حدث أن كتبت مثل هذه المقالات وسببت لي عديد المشاكل.. أنا مقتنع بدوري هذا ولن أحيد عنه من منطلق مبادىء التغيير.
· نريد عينات واضحة .. وملموسة ؟
هناك مقالات تسببت لي في فقدان بعض العلاقات.. وهناك مقالات أخرى تسببت في إيقاف الجريدة )جريدة الإعلان( طبعا قبل تحول السابع من نوفمبر.. وعموما أعتقد أن المقالات التي كتبتها في الفترة بين 80 و 87 كان فيها الكثير من الجرأة .. لأنها كانت بمثابة الثورة على الأوضاع في بلادي خلال تلك الفترة.. وكان من نتائج ذلك أني منعت من الكتابة سنة 1985 .. وهذا القرار الذي أعتبره إلى حد الآن خطيرا جاء لأن بعض المسؤولين في ذلك الوقت لم يرق لهم أن تلامس جريدة الإعلان نبض الشارع وتطرح قضايا خطيرة..
· لكن الأكيد أنك تتذكر مقالا معينا ؟
يبدو أنك "شاد صحيح" .. خلال تلك الفترة منعت جريدة الإعلان من نشر المقالات السياسية .. وقد التزمت بذلك وصادف أن نشرنا في الصفحة الأولى عنوانا .." مدارس السياقة في خطر" وللأسف هناك بعض المسؤولين قرؤوا كلمة "السياقة" ،
" السياسة" فأصبح حسب ما قرؤوا – العنوان " مدارس السياسة في خطر" .. وطبعا " انقلبت الدنيا" ..خاصة أنه في ذلك العهد هناك " مدرسة سياسة واحدة".
· سي جمال .. بعد هذه السنوات في ميدان الصحافة.. هل شعرت بالندم ؟
لم ينتابني هذا الشعور .. و لا أعتقد أني سأندم ، والسبب أني ارتبطت بالصحافة ارتباطا عضويا .. هذا إلى جانب أني لا أعرف إلا الكتابة.. ولا أستطيع أن أفعل أي شيء غير ذلك.. ثم هناك مسألة أخرى مهمة وهي أن الصحفي الذي يكتب دون أن تكون له خلفية معرفية وثقافية لا يستطيع أن يعمر طويلا في هذا القطاع ويكون كذلك سببا في عدة كوارث على نفسه وعلى الآخرين.
· الصحافة كيف كان تأثيرها على حياتك الشخصية ؟
من اختار الصحافة مهنة عليه أن يكون على استعداد للقيام بعديد التضحيات على حساب حياته الشخصية.. "وما يحس الجمرة كان اللي عافس عليها " لقد أثرت الصحافة كثيرا على حياتي الخاصة.. وسأقول فقط أن أسلوب حواري داخل عائلتي أصبح "برقيا" وكذلك مع أصدقائي.. وعليكم أن تتصورا نتائج ذلك.
· هل أفهم من ذلك.. أنك تتمنى في بعض اللحظات أن تكون"مواطنا عاديا" خاصة في علاقاتك الشخصية ؟
أجل .. لكن دون أن يعني ذلك أني لا أفضل مهنة الصحافة .. والسبب أن هذه الأخيرة تمكنني من المعلومات والأخبار وهي مهنة ثرية وأستطيع أن أقول وبدون مبالغة أن يوم الصحفي مقارنة ببقية المهن قد يساوي 3 أيام من أيام شخص آخر.
· مهنة الصحافة ..ماذا كسبت منها ؟
مكنتني من عديد العلاقات، فأنا أعرف تونس وتونس تعرفني .. ومكنتني كذلك من علاقات مهمة ) الطبقة السياسية في البلاد والنخبة( ومن الارتباط كذلك برجل الشارع الذي اعتبره مصدر السؤال الذي أطرحه على أصحاب التصور والقرار ..
· " العلاقات المهمة". ماذا استفدت منها ؟
فهمت المغزى الحقيقي لسؤالك.. وسأجيبك بأن مظلتي هي"ذراعي" أي صدقي وكفاءتي ولا أحتمي بأي مظلة أخرى.
· من الناحية المادية .. ماذا كسبت من صاحبة الجلالة ؟
أعتقد أني " لاباس" أي " مستورة" .. فأنا "شهار" وفي نفس الوقت اشعر بالراحة.
· سي جمال .. حسب معلوماتي اشتغلت في بعض المهام الإدارية ؟
هذا صحيح .. فقد اشتغلت ملحقا إعلاميا في التجمع الدستوري الديمقراطي وكذلك في كتابة الدولة للإعلام )سابقا( مع الأستاذ فتحي الهويدي وشخصيا أقيّم هذين التجربتين، تقييما إيجابيا لثرائهما .. حيث تمكنت من توسيع دائرة علاقاتي ومعرفة عديد الأشياء الهامة ..
· لمن يقرأ جمال الكرماوي ؟
أقرأ للأستاذ صلاح الدين العامري " هذا القلم النائم في غمده" والذي تعلمت منه.. وأقرأ كذلك لعبد الحميد الرياحي ونجيب الخويلدي وعبد اللطيف الفراتي.. وهناك أيضا بعض الصحفيين الشبان الواعدين.. الذي أعتقد أن لهم مستقبل هام.. وفي المقابل أنا "ملتهم" بشكل عجيب للصحف والمجلات الأجنبية..
· ما رأيك في ما يسمى بالصحف الشعبية في بلادنا ؟
هذه النوعية من حقها أن توجد ، لكن وفي نفس الوقت لا بد من إيجاد نقطة توازن بينها وبين الصحف الجادة والجيدة.. وكلامي هذا له خلفيته .. فالأهداف التي رسمها الرئيس زين العابدين بن علي والرهانات التي حملها عهد التغيير تحتاج إلى الصحافة لتكريس الخطاب على الواقع..
وأعتقد كذلك أن الصحافة الجادة يجب أن يكون لها من الدعم ما يمكنها من الاستمرارية وهنا أعتقد أن هذه المهمة هي مهمة الدولة في مرحلة التأسيس التي يمكنها تدعيمها لأن دعم الثقافة مثل دعم الخبز.
· اشتغلت مع أكثر من صحيفة.. وتحملت أكثر من مسؤولية .. هذا التنقل هل كان اختياريا ؟
منذ التغيير إلى الآن اشتغلت مع قرابة ال 6 صحف إلى جانب مسؤولية صحيفة في التجمع الدستوري الديمقراطي وفي كتابة الدولة للإعلام.. وهذا "التنقل " كما سميته أنت، كان في إطار تكليفي بمهمة وليس كصحفي .. ومع ذلك أشعر أنه أفادني كثيرا ومثل بالنسبة لي إضافة معرفية وثقافية هامة.. فكل صحيفة اشتغلت فيها كانت لها خصوصيتها وتفاعلي مع هذه الخصوصية هو الذي عمق فهمي لتوجهات الصحف في بلادنا. هذا طبعا إلى جانب المهام الإعلامية في الإدارة التي مكنتني من خلفيات إدارية وسياسية هامة.. وصحيح أن هناك شعور بعدم الإستقرار ينتابني من حين لآخر.. لكن وكما تعلم الصحافة لا ترتاح إلى الروتين.
· لو نأتي الآن إلى نوعية أخرى من الأسئلة.. وأسألك في البداية، ما هي مكانة الملعب التونسي في قلبك ؟
بصراحة لا أشعر الآن بأي انجذاب إلى هذا الفريق. لأني خرجت منه و "الغصة في القلب" .. خرجت في أوج العطاء وأنا الذي تدرج من الأصاغر إلى الأكابر .. لقد أهدرت هيئة الملعب التونسي موهبتي.. وللأسف فإن الفريق مازال مواصلا على نفس الطريق أي إهدار طاقاته ومواهبه..
إن هذه الوضعية جعلتني أكره الكرة..وأصدقني القول حين أقول لك أني لا أذهب إلى المنزه إلا في المقابلات الحاسمة للمنتخب الوطني.
· علاقاتك بالرياضيين هل مازلت محافظا عليها ؟
علاقاتي الرياضية عموما أصبحت محدودة.. باستثناء الدكتور ابراهيم الزيتوني الذي بقيت علاقتي معه حميمية رغم أن لقاءاتنا بدون مواعيد.
· موقف يعتز به جمال الكرماوي إلى حد الآن ؟
هو دون شك شرف مقابلة سيادة رئيس الدولة.. وكان ذلك خلال زيارته إلى الصين.. لقد كنت ضمن الوفد الإعلامي الذي سافر معه وتقابلت معه وكان موقفا رائعا لأني اكتشفت عن قرب الجانب الإنساني لرئيس الدولة.
· فئة في المجتمع يمقتها جمال الدين الكرماوي ؟
هناك عدة فئات منها : المحبطون والانتهازيون و"اللحاسة" وكذلك جماعة "برى هكاكة" ..وحسب رأيي إنسان بلا طموح هو بمثابة الإنسان الميت .. وهو ميت بين الأحياء.
· الوطنية كيف يعرفها جمال الدين الكرماوي ؟
الوطنية حسب اعتقادي يجب أن توجد في كل ما يتنفسه الإنسان بدءا بسلوكه داخل المجتمع ودراسته وإنتاجه .. الوطنية هواء نتنفسه.. وعموما أقول أن الوطنية هي كل ما من شأنه أن يساهم في الارتقاء بالبلاد والنهوض بها.
· فترة تمنى جمال الدين الكرماوي لو عاشها ؟
الفترة التي كنت أتمنى أن أعيشها.. عشتها وهي مرحلة التغيير.. فقبل 7 نوفمبر 1987 كنت أعتقد أن الكابوس الذي تتخبط فيه بلادنا لن يرفع عنها.. فقد تدهورت الأوضاع إلى درجة سيئة.. لكن الحمد لله جاء الرئيس بن علي وأنقذ البلاد ومكنني من تحقيق حلمي.
· مثل يردده جمال الدين الكرماوي ؟
هي آية قرآنية " إن ينصركم الله فلا غالب لكم" .. هذه الآية أرددها دائما..
· كتاب قرأته .. ومع ذلك أعدت قراءته ؟
عندما أطالع كتابا ..عادة لا أعيد قراءته ..لكن هناك شعور دائما ينتابني عندما أطالع كتابا ما وهو لماذا لا أكون أنا الكاتب وصاحب الأفكار!
· "خبطة" صحفية مازلت تتذكرها ؟
"الخبطة" الصحفية التي أتذكرها وأعتز بها في نفس الوقت هي التحقيق الذي أنجزته جريدة "الإعلان" مباشرة بعد التغيير وقد تضمن هذا التحقيق عديد الصور التي تنشر لأول مرة وتكشف الجانب الآخر من حياة الرئيس بن علي الإنسان، لقد خلف هذا التحقيق صدى طيبا لا وطنيا فحسب بل كذلك عالميا..فقد اتصلت بنا عدة وكالات أنباء تريد شراء هذه الصور.
· برامج القناة السابعة هل تعجبك ؟
هل تريد أن أجيبك كرئيس تحرير مجلة " الإذاعة والتلفزة" أم كصحفي؟
· كصحفي؟
قناتنا الفضائية إذا أخذنا بعين الاعتبار الإمكانيات المادية والتقنية المتوفرة لها وكذلك مراهنتنا على الإبداع الوطني أستطيع أن أقول أن ما يحدث الآن جيد، وذلك باعتراف المختصين في الكتابة عن الفضائيات.. فبعض هؤلاء يؤكدون أن ميزات قناتنا الفضائية أن LOOK التونسي لا يغيب عنها.. هذا إضافة إلى كون التلفزة التونسية التي تقدم برامج مباشرة ) أي على الهواء( وهذا يعبر عن خلفية سياسية قوامها الثقة.
أما إذا نظرنا بمعيار طموحنا فإن تلفزتنا مدعوة دوما إلى الاجتهاد ومسايرة النسق وتجاوز نفسها.
· هل كتبت مقالا "تحت الطلب" ؟
لم أكتب ذلك.. وما أكتبه أنا مقتنع به.
· سأختم معك بسؤال عن أهم شخصية حاورتها ؟
حاورت الراحل محمد بوضياف قبل اغتياله بقليل وكان هذا الحوار آخر حوار صحفي أجراه الراحل.. وقد حاورته مع الزميل محمد محفوظ ، وحاورت كذلك الشهيد أبو إياد قبل وفاته
ملاحظة : أجري هذا الحوار خلال شهر فيفري1988.
@@@@@@@
· سي نجيب ..لنبدأ من البداية ..كيف جئت إلى ميدان الصحافة؟
كان ذلك سنة 1977 أي منذ قرابة ال 20 سنة كنت طالبا في الجامعة التونسية أدرس الانقليزية ..ورغم اجتهادي انتابني اليأس والإحباط ..فقررت التفرغ للشغل ووجدت أمامي الصحافة حيث احتضنتني جريدة "بلادي" وأقولها بصراحة، خلال تلك الفترة لم تكن لدي أدنى فكرة عن الصحافة سوى قدسية هذه المهنة النبيلة وكنت دائما أشعر ب "النقص" تجاهها، وعليه فإن اقتحامي بلاط صاحبة الجلالة كان بمحض الصدفة.
· بعد أكثر من عشرين سنة بين "البيفتيك" * والقلم.. هل تتذكر أول مقال نشر لك؟ وكيف كان شعورك؟
طبعا مثل هذا الحدث لا أستطيع أن أنساه ..كان ذلك سنة 1977 فقد أنجزت تحقيقا رياضيا حول سبورتينغ بن عروس ثم مقالا آخر بعنوان "أزمة تحكيم أم أزمة تحليل" وقد نشر هذا المقال بجريدة " بلادي" أما عن مشاعري فلا أستطيع وصفها.. يمكن أن أقول فقط أني شعرت بكوني أصبحت صحفيا، هذه الصفة التي لها من القدسية ورتبتها الاجتماعية المأثورة، هذا إلى جانب شعوري أني أصبحت من المشاهير.
وصراحة لقد تعاملت مع مقالي الأول بكثير من السعادة وكذلك من النرجسية.
· بما أنك تتذكر أول مقال نشر لك.. أكيد أنك تتذكر في المقابل المقال )أو المقالات( الذي سبب إشكالا مع بعض المسؤولين؟
مشكلتي أن قلمي سبب لي عديد المشاكل.. ومما أذكره في هذه المجال أني كتبت مقالا في جريدة "بلادي" تمحور حول "مباريات الأبواب الموصدة " .. في هذا المقال وصفت صاحب القرار بأنه غير اجتماعي.. ومن سوء حظي أن صاحب القرار هذا كان مسؤولا بارزا في ذلك الوقت.. فحز في نفسه ما كتبته بعدها مباشرة تم تجميدي من الشغل.. لكن بعد مدة عدت للكتابة من جديد.. وأصبحت أمضي ب "أبو سناء" .
وللإشارة فقد تمت محاسبتي على عديد المقالات الأخرى منها المقالات الرياضية والفنية والاجتماعية.
· اشتغلت في أكثر من صحيفة ..الأكيد أنك تحن إلى صحيفة معينة من ضمن هذه الصحف ؟
الجريدة التي احتضنت رؤيتي للصحافة والعمل الصحفي، إلى جانب أفكاري ومواقفي هي جريدة " الأيام" لقد حاولت أن أجعل منها جريدة صوت الحق.. وجريدة تقاوم الرداءة والانحراف ..أردتها أن تكون جريدة لها وظيفة..جريدة تطمح أن تكون سلطة رابعة.. والحمد لله أعتقد أني تمكنت من إنجاز جزء من هذا لطموح ..طبعا الإنجازات التي حققتها جريدة " الأيام" في ذلك الوقت لا تعود لي وحدي.. بل الفضل فيها يعود كذلك إلى الفريق الصحفي الذي كنت أتعامل معه.. كانوا صحفيين ممتازين وأقلامهم جيدة.
· هناك صحفيون من جيلك .. وحتى من بعده..أصبحت لهم اليوم مواقع هامة في المجتمع.. أما نجيب الخويلدي فبقي كما هو ؟
هذه مسألة تقلقني ..بل تتعبني فإما أني مقصر في حق نفسي أو أن الآخرين مقصرون في حقي..وبكل واقعية من المفروض أن تكون لدي جريدتي خاصة أن هناك من تلامذتي من أصبحت لهم مشاريع هامة.
وعموما أعتقد أن السبب هو أني لم أتعامل مع الصحافة بنفاق .. فقد تعاملت معها بشيء من القداسة.. احترمتها وعليت من شأنها وللأسف كان هذا على حساب حظوظي في الحياة. وأريد أن أشير أني لم أتخل عن حلمي في جريدة أجسد من خلالها رؤيتي.. مشروع هذه الجريدة هو الآن في طوره الجنيني وربما يرى النور قريبا.
· هناك من يرى أن ما تكتبه ليس نقدا.. وإنما هو" كلام" يصل أحيانا إلى حد" التجريح" ؟
أعترف أن ما أكتبه تجاه التلفزة ليس نقدا علميا ..إنما هو بمثابة الاستمناء الفكري.. فأنا أتكلم " بلغة الناس" وهذا هو "امتيازي البسيط" .. أنا أقول ما يردده الناس في منازلهم وفي الإدارات.. وبلغة بسيطة يفهمها هؤلاء، دون أن يعني ذلك بالمرة أني "ضعيف في العربية".
ومن جهة أخرى أنا لا أمارس التجريح لأني بلغت مرحلة معينة من النضج تمكنني من التمييز بين الثلب والنقد، هذا إلى جانب أن هناك من يقبل بما أقوله وهناك من له حساسية مفرطة تجاه أي نقد حتى وإن كانت خلفيته إيجابية.
وعموما كل من توجهت إليهم بالنقد هم أصدقائي أحترمهم ويحترمونني.
· البعض يرى أنك متقلب في مواقفك خاصة تجاه الفنانين .. فمرة " تمسح بهم القاعة" ومرة أخرى ترفع من شأنهم ؟
هذا ليس تقلبا، أنا أتعامل مع البضاعة التي يقدمها أي مبدع، فمتى كانت هذه البضاعة جيدة ورائعة ومتقنة فما علي إلا شكر من أنتجها.. وقد يحصل العكس وعموما ليست لي مواقف ثابتة من الأعمال.. العمل الذي يستحق الشكر أشكره والذي يستحق النقد ينال ذلك حتى وإن كان ذلك من إنتاج شخص واحد.
· المعروف عنك، أنك شديد الحرص على اللغة العربية .. ومع ذلك نلاحظ خلال السنوات الأخيرة استعمالك للعامية في ما تكتبه ؟
أنا حريص على اللغة العربية وأعتز بذلك .. لكن ما يجب أن يفهمه البعض هو أن اللغة هي بمثابة وسيلة تبليغ .. ولما كانت كذلك نحن مطالبون بأن نجعلها طيعة.. فنحن نعيش حياة جديدة مدعوون إلى مواكبتها وتصويرها بدقائقها ..وللأسف فإن اللغة العربية تجد عناء كبيرا في مواكبة عصرها.
شخصيا أستعين بالعامية في مقالاتي لأنها في عديد الأحيان تمكنني من التعبير عما أريد قوله بدقة متناهية، وهذا ربما ما ساهم في كون مقالاتي مفهومة من الجميع الكبار والصغار، المثقفون وغير المثقفين.
· نجيب الخويلدي.. ماذا غنم من الصحافة من الناحية المادية ؟
لم أغنم أي شيء .. أنا فقير مقارنة بمتوسطي الحال.. والسيارة التي أملكها أدفع شهريا من أجلها 150 د.. وبالمناسبة أطلب من الزملاء الذين تمكنوا من بناء منزل واقتناء سيارة أن يمدونني بالوصفة.
· لو تتاح لك الآن فرصة الاختيار بين مهنة الصحافة ومهنة أخرى.. فماذا تختار ؟
الصحافة مكنتني من عديد الامتيازات أهمها أني أصبحت معروفا وهذا يسهل لي قضاء بعض الشؤون .. وهذا يعتبر في حد ذاته ثروة ..أما المهنة التي اختارها لو تتاح لي فرصة الاختيار فهي إما" مزاودي" أو "عراف"!.
· لمن تقرأ من الصحفيين في تونس ؟
أقرأ لعديد الصحفيين.. وفي تونس لدينا من يجيد الكتابة و لا أريد أن أذكر الأسماء حتى لا أقصر في حق البعض .. لكن محمد قلبي )زمان( يعجبني كثيرا.
· المعروف أنك "نساي" !!؟
هذا صحيح وقد سببت لي هذه " الآفة" عديد المشاكل.. أذكر أني نسيت ابني في " المارشي سنترال" ووجده أحد التجار .. هذا الأخير وضع ابني إلى جانب بضاعته حتى يشاهده الجميع وأحمد الله أني وجدته.. أم عن سيارتي فحدث ولا حرج ففي كم من مناسبة أنسى المكان الذي تركتها فيه.. واضطر للرجوع إلى البيت في وسيلة نقل عمومي ..هذه " الآفة" لم أجد لها أي تفسير .. وعموما أعتبر النوادر التي حصلت لي بسببها محطات هامة في حياتي.
· هل صحيح أنك من أحباء النادي الإفريقي ؟
هل تريدني أن أتصرف معك مثل بعض الفنانين وأقول أني من أحباء المنتخب الوطني، نعم أنا من أحبائه.. ولكن قد أختلف مع آخرين في هذا الحب.. أحمد الله أني ملقح ضد التعصب حتى أن هناك قراء يجهلون إلى الآن أني " كليبيست" على الرغم من إعلاني ذلك في أكثر من مناسبة .. عندما يكون الإفريقي طرفا في إحدى المباريات لا أختار مكانا بمنصة الصحافة بل أجلس مع ابني علي ) هذا متعصب فعلا( في مدارج الإفريقي حتى أتصرف بصفة طبيعية وأشجع كما يحلو لي..
· وكيف توفق ) على الأقل في الماضي( بين حبك هذا و كتاباتك الرياضية ؟
عندما تحضر الصحافة يغيب أو يختفي حبي للنادي الإفريقي ..في بداية الثمانينات هاجمت المدرب الوطني آنذاك لأنه دعا التليلي* إلى المنتخب ثم جاء الحارس الدولي المختار النايلي ليصفي حساباته معي، قدمته في جريدة البيان في صورة ملاكم.. وهناك عشرات المواقف الأخرى من الإفريقي والأفارقة .. إن ما يفعله بعض الصحافيين الرياضيين من تشيع و " تلحيس" للأندية مخجل ويظهر أن هذا الميدان يحتاج إلى تدخل الديوان القومي للتطيهر.
أنا صحافي كل الفرق واللاعبين.. وخاصة أولئك الذين تهضم حقوقهم.
· طالبت منذ سنوات بأن يقع التأسيس لعلاقات جديدة بين بعض الفرق الرياضية .. ما مرد ذلك ؟
طالبت بذلك أمام وزير الشباب والطفولة وأمام رئيس الجامعة آنذاك سي رؤوف النجار* وقد كانت المناسبة اجتماعا بالمسؤولين عن الرياضة في وسائل الإعلام .. طالبت بمبادرات تضع حدا للهستيريا وتوقف النزيف.
فلاخير في رياضة تفرق " بلاش بيها خير" .
· بمن تأثرت في حياتك ؟
بوالدي رحمه الله –اسمه علي الخويلدي – وقد كنوه " علي التونسي" جزاء وطنيته ونضاله من أجل تونس .. وفضلا عن ذلك فالوالد الكريم نقابي أصيل والدفاع عن الكادحين من مبادئه المقدسة .. بابا- طيب الله ثراه لم يأخذ من الوطن أي شيء وهناك من يأخذ دون أن يعطي أي شيء للوطن أرأيت المفارقات الغريبة يا سيدي؟
· كيف تعرف الوطنية ؟
الاختراع الذي أتمنى أن أرى الفكر البشري قادرا عليه هو محرار للوطنية .. نعم "ترموماتر" يقول لهذا أنت مخلص وفيّ ويقول لذلك أنت وصولي، ويقول للثالث أنت تتظاهر بالوطنية عملا بيصلي وصام لأمر كان يقضيه.
· فترة تتمنى لن أنك عشتها ؟
الأربعينات والخمسينات.. صدقني أحس بأني غريب على هذا الزمن.
· أهو حنين للحياة البسيطة أم لفن تلك الأيام ؟
قل هو حنيني لكل تفاصيل تلك العهود ..كم هي رائقة، كم هي شائقة.
· مرض السكري غلبك أم غلبته ؟
" عرس علي" كرهت حياتي بسببه ولست أدري متى "سيقرطسني" .
· أغنية لا تمل سماعها ؟
"حياتي إنت" لمعجزة الفن محمد عبد الوهاب .. وأيضا رائعة عبد الحليم " في يوم في شهر في سنة" .
· رجال تمنيت لو فديتهم بحياتك ؟
غاندي..ديغول.. محمد عبد الوهاب.
فنان في البال إلى الأبد ؟
علي بن عياد .. سيد درويش ..خميس ترنان وطبعا محمد عبد الوهاب.
· كوارجية لا تنساهم ؟
حمادي العقربي وطارق ذياب.
· أصوات تقنعك أو تمتعك ؟
اسمهان – عبد الحليم – لطفي بوشناق- أمينة فاخت – نور الدين الباجي.
· السكوت ؟
علامة غضب ايضا.
· مثل دارج بليغ ؟
"العزوزة هازها الواد وهي تقول العام صابة".
· لماذا ؟
لأنه ينطبق كثيرا على العرب.
ملاحظة : أجري هذا الحوار ..خلال شهر جانفي 1998
@@@@@
عبد الرؤوف المقدمي
هدف الصحفي ليس خلق المعارك .. وإنما الإعلام
· سنبدأ بسؤالنا التقليدي .. كيف جئت إلى بلاط صاحبة الجلالة ؟
إنها الصدفة.. بمعنى أنه في أواخر المرحلة الأولى من التعليم الثانوي )سنة التوجيه(، كانت نتائجي العلمية رديئة وعليه تم توجيهي إلى شعبة الآداب.. عندها بدأت تنتابني عديد " الخواطر" .. منها ما العمل في الحياة ؟.. ما هي المهنة التي علي اختيارها شرط أن تتفق مع مزاجي بدرجة أولى ثم مع طموحي بدرجة ثانية ؟ جملة هذه الخواطر والتساؤلات تطورت وتبلورت أكثر عند حصولي على شهادة الباكالوريا.. وأتذكر أني عندما تسلمت دليل التوجيه الجامعي خلال تلك السنوات لفت نظري أن معهد الصحافة وعلوم الأخبار يطلب 25 طالبا فقط.. وهذا لم يمنعني من اختيار شعبة الصحافة ..وفي الحقيقة أن اختياري هذه الشعبة مرده اعتقادي أن العدد القليل المطلوب يعكس أهمية هذا الميدان .. أي الصحافة.
· وهل كان اعتقادك هذا في محله ؟
عندما بدأت الدراسة في معهد الصحافة لاحظت أن التكوين لا يفي بالحاجة ) تعدد في المواد غير منطقي -كثرة ساعات الدراسة بلا موجب( أقول هذا رغم المجهودات المبذولة من طرف الأساتذة لتطوير مناهج الدراسة- علما أنها تطورت خلال السنوات الأخيرة- المهم أمام هذه الوضعية اتفقت مع أحد زملائي أن نغادر المعهد في السنة الموالية والالتحاق بكلية الحقوق.. لكن شاءت الصدف أن أنجح في دورة جوان .. فقررت مواصلة الدراسة في المعهد.. أما زميلي فقد التحق فعلا بكلية الحقوق.. وهو الآن محامي.
· وبعد ذلك ؟
تشاء الصدف مرة أخرى أن تضعني وجها لوجه مع مهنة الصحافة.. فخلال سنة التخرج طلبت "دار الأنوار" من معهد الصحافة أن يمدها بخمسة خريجين جدد للعمل بجريدة "المصور" .وكنت من ضمن هؤلاء ..لكن بعد شهر من العمل قررت أن أغادر الميدان لعدة اعتبارات.. وما حدث أن الأستاذ صلاح الدين العامري قرر أن يقابلني .. وتمت المقابلة بيننا فعلا . و اتفقنا على ما هو مطلوب مني وبدأت العمل ضمن فريق جريدة " الأنوار" وكانت في ذلك الوقت بمثابة الظاهرة ..ومع ذلك فإن عدم الرضا على المهنة في تلك السنوات ظل يلازمني.
· لكن كيف تجاوزت حالة عدم الرضا هذه ؟
الصدفة لعبت دورها مرة أخرى.. فقد كتبت مقالا عنوانه " ما ضر لو ".. وهذا المقال قصة في حد ذاتها ..فقد ذكر أحد وزراء التربية* في العهد السابق في خطاب له.. ما ضر لو دفع كل تلميذ دينارا خلال التسجيل في السنة الدراسية ..وبسبب ما ذكره هذا الوزير حصلت عديد الأحداث.. فكتبت مقالي "ما ضر لو" ..وكان المقال من جهة ساخرا ومن جهة أخرى جديا.. وبسبب هذا المقال حصل ما يلي .. أولا : تعرضي لأول مرة لصعوبات مهنية ولحسن الحظ أن الوزير المذكور أقيل بعد أسبوع واحد، ثانيا : أصبحت يوميا أشرب قهوة الصباح مع الأستاذ صلاح الدين العامري ..هذا القرب من الأستاذ صلاح الدين العامري فتح أمامي عدة آفاق لم تتوفر لبقية الزملاء إلى جانب أنه خلق بيننا علاقة خاصة جدا..في ذلك الوقت.
· من الصحفيين التونسيين، من ساعدك في بداياتك المهنية ؟
أنا مدين مدى الحياة للأستاذ محمد العروسي بن صالح وهو قيمة غريبة سواء في تدريبي على الكتابة أو في توجيهي نحو الزاوية التي أكتب منها المقال.. وكذلك في أخلاقه العالية.. خاصة أن الصحفي الجديد يحتاج دائما إلى الكثير من العطف والتوجيه.
وكذلك أنا مدين للأستاذ عمر الطويل الذي علمني مسألة أساسية في الصحافة.. وهي سهولة بسط الفكرة وسهولة التعبير عنها بلغة واضحة..
· دون أن تنسى طبعا الأستاذ صلاح الدين العامري ؟
لقد ذكرت لك الآفاق التي فتحتها أمامي علاقتي بالأستاذ صلاح الدين العامري ..وهو حرفي لأنه في الأصل صحفي وله خلفية ثقافية مهمة.. وله قدرة عجيبة على التقاط من يشعر أن لديه استعدادا للنجاح في هذه المهنة.. وعليه يستحق كل الاعتراف مع العلم أنك قد تختلف معه في عدة أشياء إلا أنه لا مجال للتشكيك في قدراته التي ذكرتها سابقا.
· الكتابة في قسم الشؤون الوطنية.. هل كانت خيارات منك أم أنه تم توجيهك إليها ؟
بداياتي كانت ببعض الكتابات الاجتماعية ..غير أن هذه المرحلة لم تدم وكانت قصيرة ..فتم توجيهي إلى الكتابة السياسية بخيار مني وبقرار من الأستاذ صلاح الدين العامري .. وبعد سنة فقط وجهني للكتابة حول الأوضاع العربية ..وأرسلني إلى القاهرة وسوريا ولبنان والجزائر والمغرب ..إلخ.
· هناك من يقول أن الكتابة في قسم الشؤون الوطنية تتخللها دائما عدة محاذير ؟
من حسن حظي أن أول حوار أجريته كان للسيد عبد العزيز بن ضياء.. وعاملني خلال هذا الحوار معاملة الراشد والمسؤول .. وتحدث معي بصدق حول ما يوجد وتواصلت علاقتي الشخصية به وأصبحت من الذين يترددون على منزله.. وفي هذا الفضاء تعلمت أيضا عدة أشياء .. ما معنى السلطة ؟ علاقة الإعلام بالسلطة؟ ما هي حاجة هذا الطرف لذاك؟ .. وفي اعتقادي الصحفي بإمكانه أن يتجاوز عدة محاذير وذلك بالإلمام بالأشياء وبتعدد مصادر الخبر وباحترام الآخرين هذه الأشياء لو تتوفر تنتهي في اعتقادي المحاذير التي يتحدث عنها البعض.
· فيما تكتبه يلاحظ تشديدك على "علمنا من مصادر عليا" .."علمنا من مصادر حكومية " إلخ.. ما حكاية هذه المصادر؟
أنا اخترت من الأول أن لا أكون بعيدا عن السلطة لأنها هي صاحبة القرار.. وصاحبة الخبر اليقين ..ولأنها كذلك فللصحفي مسؤولية تجاهها .. كما له مسؤولية تجاه البلاد بشكل عام.. علما أن هذا لم يمنع أن كل الأمناء العامين لأحزاب المعارضة والمنظمات الوطنية هم أصدقائي .. وإن كنت ضد الانتماء لحزب معين كصحفي..فأنا مع الانتماء الثقافي والحضاري ..أنا أنتمي إلى التيار العربي الإسلامي ثقافيا.. وهذا الانتماء يشاركني فيه الكثير في الحزب الحاكم وخارجه.
· هناك من يشتكي من صعوبة الوصول إلى الخبر ؟
من الغريب – انطلاقا من تجربتي الشخصية- أن موظفا في إحدى الإدارات يخاف من التعامل مع الصحفي.. وفي المقابل يحدث أن تقابل الوزير أي المشرف على هذا الموظف .. فتجد أن الحالة لا تتطلب كل ذلك الخوف .. وتجد الخبر الذي تبحث عنه.
· المحافظة على مصادر الخبر كيف تراها ؟
أن تكون في مستوى الثقة التي وضعت فيك.. وبان تبقى وفيا لضرورات المهنة.. وأعتقد أن الصحفي عليه أن يظل في حوار مستمر مع كل الأطراف وبهذا الشكل يمكنه من الحفاظ على مصادره..
· هل سبق أن كتبت مقالا تعرضت بسببه إلى مضايقات ؟
لم يحدث هذا معي.. وإلى حد الآن لم أقف أمام المحكمة بسبب مقال.. ولم أتصل كذلك بأي رد حول ما كتبته..
· ما هي شروط المقال الناجح في اعتقادك ؟
الصحافة بدرجة أولى خبر.. والمقال الناجح يجب أن تكون أخباره صحيحة وجيدة .. وطرحه معقول.
· في المقابل هناك من يعتقد أن المقال الذي لا يثير ليس بمقال ؟
لا بد من توفر ما هو مثير أو طريف .. المسألة مثل الطعام الذي يلزمه بعض البهارات .. والصحفي لا بد أن يضع أمامه أن الصحافة سلطة ولها تأثير على الناس .. وهؤلاء بإمكان تأويلهم أن يكون مخطئا.. وعليه لا بد أن نضع هذا المعطى أمامنا ونحن نكتب .. لذلك أعتقد أن هدف الصحفي ليس خلق المعارك وإنما الإعلام.
· هل حدث أن كتبت مقالا "تحت الطلب" ؟
لم يحدث معي أن كتبت مقالا " تحت الطلب" ..وفي اعتقادي لا توجد مثل هذه النوعية من المقالات .. إذ يحدث أن يتم التنبيه للكتابة حول هذا الموضوع أو ذاك.. أما "مقالات تحت الطلب" فأعتقد أن هذا غير موجود؟
· هل استغليت في بعض المناسبات اسمك والعلاقات التي مكنتك منها الصحافة ؟
لا.. لم يحدث ذلك ...صراحة لا أستطيع ممارسة مثل هذه الأشياء ..ثم حتى لو فكرت في ذلك ماذا سأطلب ؟!!
· في السنوات الأخيرة مررت بفترة فراغ.. لفتت انتباه عديد الأطراف .. ما مرد ذلك ؟
هذا صحيح .. فبعد استقالتي من الشروق اليومية )أواخر سنة 88 ( مررت بفترة فراغ ..لسبب بسيط وهو أن تصور "الشروق" خلال تلك الفترة لم يكن يتلاءم مع ما أتصوره.. رغم أن البعض يصفني بالكسل.. وفي اعتقادي أن الصحفي في الأخير بشر ويحدث أن يمر بأزمات في حياته تخلق الفراغ.
وأعتقد كذلك أن من ضمن الأسباب الأخرى التي تسببت في فترة الفراغ )قبل أن تصبح الشروق جريدة يومية( أني سافرت مع الأستاذ صلاح الدين العامري إلى القاهرة وهناك قابلنا رموز الإعلام في مصر..محمد حسنين هيكل ..محفوظ الأنصاري.. وكانت لدي رغبة شديدة في أن نحاول في "الشروق" أن نحقق ما توصلت إليه التجربة المصرية )من ناحية المحتوى والحركية الإعلامية( .. وصراحة لم أعلم إلا بعد مدة أن الأمر يكاد يكون مستحيلا!
· مرحلة الفراغ هذه.. أكيد أنها أثرت على علاقتك بصلاح الدين العامري ؟
هذا أكيد.. لأن آماله في كانت كبيرة ووفر لي كل الفرص.. لكن وفي المقابل أتصور أن العلاقة عندما تبنى على محبة وفهم لا تتأثر بمثل هذه المشاكل العابرة.. وأعتقد أن فرصتي إلى الآن موجودة.
· أهم الشخصيات التي حاورتها في حياتك المهنية ؟
حاورت عديد الشخصيات.. آخرها طارق عزيز منذ أكثر من شهر .. أما أهم شخصية بالنسبة لي فهي الأستاذ محمد حسنين هيكل .. فهو بصدق قيمة كبيرة في تواضعه وفي إشعاعه وصفاء روحه .. وقد عرفته عن قرب ولاحظت اعتزازه بالقول أنه صحفي .. وعدم اهتمامه بالمناصب السياسية .. وهو الصحفي الوحيد الذي عين وزيرا رغم أنفه.
· لقاؤك بحسنين هيكل أكيد أنه قصة في حد ذاتها ؟
هذا صحيح.. فاللقاء مع هيكل كان بمثابة التحدي مع نفسي .. ففي فترة ما، جل الصحفيين في العالم يريدون محاورته لأن الرجل قيمة كبيرة فقررت أن أجري معه حوار مهما كانت الصعوبات وكنت أتصور أن المسألة صعبة.. لكن ما حدث أنه بمجرد اتصال مع مدير مكتبه وفر لي هذه الفرصة ..وللإشارة فإن من عادات محمد حسنين هيكل أنه "يدردش" معك قليلا ثم يقرر إجراء الحوار أو عدم إجرائه وهو بالمناسبة شخص ودود ويحب الصحفيين الشباب.. ويريد أن تكون الأسئلة قادرة على فتح آفاق حتى بالنسبة لإجابته هو ..
· مقال كتبته .. ومازال عالقا بذهنك ؟
هو مقال كتبته سنة 1986 ..عنوانه "قضايا ساخنة أمام العدالة : المورطون وزراء ومسؤولون كبار" ..ومقال تحليلي كتبته يوم تعيين سيادة الرئيس زين العابدين بن علي وزيرا أول.. وقد أنهيته بالجملة التالية : " .. من أجل تونس" والطريف أن هذه الجملة أصبحت تتردد بعد ذلك.. وهذا طبعا أسعدني كثيرا.
· أهم سبق صحفي أنجزته ؟
هو بدون شك التغطية لحرب المخيمات في لبنان.. وأهميته تكمن في أن هذا العمل هو أول خروج لي لساحة خطيرة .. وممارسة جديدة في تجربتي الصحفية ..
وأذكر أني تعرضت إلى عدة مخاطر .. فقد خرجت مع أحد المرافقين من مخيم مارلياس في اتجاه صيدا وتحديدا مخيم عين الحلوة .. وأول ما اعترضني مكتوبا في هذا المخيم "لا نريد صحافة في عين الحلوة" .. وقد تزامن ذلك اليوم مع اغتيال رسام الكاريكاتور ناجي العلي.. وكان الوضع في المخيم غير عادي. كان من المقرر أن أقوم بريبورتاج في المعسكرات لكن ما حادث أنه خلال وجودنا هناك تم قصف جوي لتلك الأماكن، فجرح 52 شخصا و توفي 64 .. و لا تتصوروا مدى ألمي.. إذ لأول مرة في حياتي أشاهد أطفالا مبتوري الساق.. وجثثا ملقاة بعد أن " أكلتها" النار..
هناك في المخيمات تعرضت كذلك إلى محاذير أخرى : فمثلا في مخيم برج البراجنة المحاصر الكل يشك فيك.. هذا إلى جانب أن عملي الصحفي يتطلب مني الاتصال بجميع الأطراف.. وبعضها لا يفهم معنى العمل الصحفي.. وقد يكون محقا في ذلك..
· طيب .. هل فكرت في تدوين تجربتك هذه في كتاب ؟
لم أفكر في ذلك .. رغم أن العديد من الأصدقاء قد نصحوني بذلك.. فالكتابة ليست مسألة سهلة ..
· لكنك أصدرت منذ مدة كتابا بعيدا كل البعد عن اهتماماتك الصحفية التي عرفت بها ؟
الكتابة متعة.. وفكرة كتابة " مرض الجنون والحب" .. أعجبتني خاصة أنها تتعلق بدراسة في العيادات النفسية .. وأعتقد أن هذه الفكرة ناجحة تجاريا.. فأقدمت على إنجازها ..
· إذن .. الجانب التجاري في كتابك كان له حضوره ؟
هذا أكيد..
· هل أفهم من ذلك أن " التحولات العالمية" أثرت فيك ؟
الأكيد أن الفرد يتأثر بتغيير الأوضاع.. وشخصيا أعتقد أن العالم أفسح من السياسة والكتابة السياسية.. ولعلمك أنا بصدد إعداد كتاب جديد حول " الأنثى عند المتصوفة" وهو عبارة عن دراسة.. لأن كتابي الأول هو تطوير لفكرة تحقيق صحفي.. وشخصيا عندما أتمتع بشيء معين أريد أن يتمتع به القارىء.
· متى يكتب عبد الرؤوف المقدمي ؟
عندما أشعر أنه بإمكاني تقديم الجديد.. عندما أشعر بأن الكتابة اصبحت ضرورة.
· بماذا يتميز عبد الرؤوف المقدمي ؟
أنا يا صديقي.. تونسي عادي.. لا أرى لي تميزا ولو كانت لي ميزة فقد أتت بها الظروف والناس الذين من حولي .. وأعتقد أن الفرص التي توفرت لي لو توفرت لغيري .. والتقطوها لكان إشعاعهم أكثر.
· مثل تردده دائما ؟
أمثلة عديدة.. لكن يبقى أهمها.. مثل كانت جدتي تقوله لي دائما " العلم ما ينحيش البلادة"
· الصحافة الشعبية كيف تنظر إليها ؟
أنا أنطلق من الأساس.. كيف أتت الصحافة الشعبية ؟.. لقد جاءت مع تجربة " بلادي" و " البيان" وقد نجحت هذه الصحافة لسبب بسيط وهو أنها أضافت للقارىء أشياء جديدة..
ولو عدنا للصحافة الوطنية من قبل.. لوجدنا أنها ثقيلة بكل المعاني) الإخراج – المحتوى( .. وهو ما يؤثر على القارىء. فيتوجه إلى ما يوفر له حالة استرخاء ومتعة قد تكون عابرة وأعتقد أن الصحافة الشعبية كانت لها مزية تمتين العلاقة بين القارىء والصحف.. وعليها أن تبادر في اتجاه تمتين هذه العلاقة بما هو أهم.. فقد حان وقت إصلاح الصحافة الشعبية وتطويرها بعد أن ضمنت القارىء والرواج التجاري..
· والكتابة بالعامية ؟
أنا ضدها ...وأعتبرها تلاعبا وتشويها لعقول الناس بأي معنى؟... بمعنى أن جيلنا تكون بالأساس في بداية المراهقة بكتب نجيب محفوظ ومحمود تيمور.. وجبران خليل جبران وقد ساهمت هذه الكتب وهذه الاهتمامات في الارتقاء بجيلنا وللأسف فإن الجيل الحالي.. هو جيل البارابول .. وهو على سرعة من أمره.. وهذا ما أثر على تكوينه الجيد.. فما بالك عندما نضيف إلى ذلك العامية..
علما أني لا أريد أن يفهم من كلامي هذا أني أندد بزملائي .. فقط أرجو أن يبتعدوا عن هذه اللعبة..
· العلاقات بين الصحفيين كيف تنظر إليها ؟..
أعتقد أن أحد الأسباب الرئيسية للدفع بهذا القطاع هو إعادة صياغة علاقة الإعلاميين بين بعضهم البعض إذ لا يوجد أي سبب يفسر أن يقابل زميل زميله في إحدى المناسبات فيشيح عنه بوجهه.. وعلى الجميع أن يقتنع أن تجربتنا واحدة مهما اختلفنا.. وأعتقد أنه حان وقت المصالحة بيننا..
· من المطربين التونسيين لمن تستمع ؟
قد تستغرب حين أقول أني لم أستمع للموسيقى منذ 7 سنوات.. ولا أستطيع أن أفسر ذلك..
· من الأقلام الصحفية في تونس من يشدك ؟
تونس تتوفر على عدد كبير من الأقلام الممتازة رغم اختلافها في الأسلوب والطرح والرؤية ولا أريد أن أذكر الأسماء حتى لا أنسى البعض.
ملاحظة : أجري هذا الحوار خلال شهر أوت 1998.
@@@@@@@
أبو بكر الصغير
الساحة الصحفية في تونس تتسع دائما لكل العناوين الجادة
· بدايتك المهنية .. هل تتذكرها ؟
طبعا، أتذكرها جيدا فقد درست في كلية العلوم بعد أن تحصلت على شهادة الباكالوريا )شعبة رياضيات( ، لكن لأسباب سياسية تتعلق بالوضع العام في البلاد خلال تلك السنوات )منتصف السبعينات( ، ابتعدت عن مقاعد الدراسة وسافرت إلى فرنسا على أمل مواصلة دراستي لكن لأسباب عائلية عدت مجددا إلى تونس ثم سافرت إلى أمريكا ثم عدت إلى تونس .. وفي ذلك الوقت التحقت بجريدة "الرأي" وكانت في بدايتها .. اشتغلت بها في البداية كصحفي ثم كسكرتير تحرير ثم رئيس تحرير وأذكر أن عمري وقتها لا يتجاوز ال 22 سنة.
· تجربة "الرأي" .. كيف تنظر إليها اليوم ؟
كانت تجربة صعبة جدا في ذلك الوقت، أي في بداية الثمانينات .. كنا عرضة للمحاكمات بشكل شبه دوري.. وكانت الجريدة كذلك عرضة للحجز بشكل مستمر.
· أول نصيحة مهنية وجهت لك عندما بدأت تباشر مهنة الصحافة ؟
كما ذكرت لك.. اقتحامي ميدان الصحافة كان مع جريدة "الرأي".. وهذه الجريدة كان لها توجهها السياسي والنضالي والدفاع عن جملة من المبادىء والقيم.. وعليه فإن همنا خلال تلك الفترة كان سياسيا بالأساس.. وأعتقد أن النصائح كانت تصب في هذا الاتجاه.. أي نصائح سياسية.
طيب.. ما هي النصيحة التي تقدمها لصحفي مبتدىء ؟
أول نصيحة ..عليه أن يحب الصحافة.. لأنه إذا أحبها سيكون قادرا على العطاء.. وستعطيه بقدر ما يعطيها هو .. رغم أنها تبقى دائما مهنة المتاعب والمهمات الصعبة !
· ما هي أهم المؤسسات الإعلامية التي اشتغلت بها ؟
"الرأي" ، كانت تجربتي الأولى.. ثم اشتغلت "بدار الصباح".. وكذلك مراسل ومدير مكتب لعدد من الصحف الخليجية والعربية وكذلك الفرنسية.. بعد ذلك أسست مجلة "الملاحظ"..
· من ضمن هذه التجارب .. ما هي أٌقرب تجربة إليك ؟
تبقى تجربة جريدة "الرأي".. وذلك لعديد الاعتبارات أهمها الظرف الزمني وطبيعة المرحلة التي كنا عشناها.
· وأنت صحفي في جريدة "الرأي".. هل تعرضت إلى مضايقات ما ؟
تعرضت إلى عديد المشاكل أتذكر خاصة العدد الذي صدر بعد أحداث "الخبز 84".. هذا العدد تضمن تغطية لهذه الأحداث المؤسفة وقتها لم تكن هناك حرية صحافة أو إعلام مثلما نعيشه الآن من حرية تعبير فأنت الآن تكتب ما تريد وبكل حرية ولا أحد يحاسبك !
· المقال الناجح حسب اعتقادك.. هل هو الذي يثير ويخلق ردود فعل.. أم أنه الذي يستجيب لمقتضيات الواقع ؟حسب اعتقادي المقال الصحفي الناجح هو الذي تتوفر فيه الشروط الدنيا بجوانبها الأخلاقية والفنية ... لأن الصحفي ) أي كاتب المقال( عليه التعامل مع المستجدات بمصداقية وبنزاهة.
· لكن هناك عديد المقالات تتوفر فيها مثل هذه الشروط.. لكنها لا تلفت الانتباه ؟
حسب اعتقادي أن قدرة أي مقال على لفت الانتباه يعود إلى قدرة صاحبه على تقديم الإضافة وطريقة تعامله مع الخبر وكذلك مدى ثراء المعطيات والمعلومات التي يوفرها.. طبعا هذا إلى جانب اللغة التي يجب أن تكون سليمة.
· أهم "خبطة" صحفية في حياتك المهنية هل تتذكرها ؟
أستحضر الآن "خبطتين"، الأولى قبل عملية حمام الشط )الغارة الإسرائيلية ضد مواقع القيادة الفلسطينية في تونس( .. كنت قبلها قد نشرت مقالا أشرت فيه إلى أن إسرائيل تهدد بالقيام بعملية ضد مقر القيادة الفلسطينية بتونس .. أما "الخبطة" الثانية فتتمثل في إعداد ملف كامل حول أحداث "الخبز 84".. هذا الملف كانت له تبعات سياسية .. مازلت أذكر تفاصيلها ..
· هناك من يقول أن تأسيسك لمجلة "الملاحظ" كان بمثابة الخطوة الجريئة.. خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار طابعها النخبوي ؟
بالفعل.. كانت خيارا صعبا، لأن المراهنة على عنوان مستقل وعلى إصدار مجلة أسبوعية مكلف ماديا.. مسألة ليست سهلة بالمرة.. وصراحة فإن ما شجعني على خوض هذه التجربة أولا المناخ العام الذي نعيش فيه و قناعاتي.. ثانيا اعتقادي الراسخ أن هناك مجالا لمثل هذا العنوان الذي يجعل الناس إن لم أقل يدعم حبهم للصحافة.. بما يمثله من فضاء للحوار بين النخبة الوطنية.. وأعتقد بعد هذه السنوات أن "الملاحظ" تمكنت من تحقيق العديد من أهدافها.
· كيف تمكنتم من التوفيق بين التوجه النخبوي للمجلة.. وأهمية الجانب التجاري ؟
بتشجيع من العديد من الأصدقاء.. وكذلك بحسن التصرف !
· بماذا تفسر قلة المجلات النخبوية في بلادنا ؟
أنا شخصيا.. مقتنع بأن الساحة الصحفية في تونس تتسع دائما لكل العناوين الجادة ..إذا كانت جادة فعلا..!
· هناك عديد المجلات الأجنبية لها جمهورها في بلادنا "روز اليوسف" ، "الوطن العربي" ، "الوسط ".. إلخ.. ؟ فأين موقع "الملاحظ" من ذلك ؟
ما يجب أن نعلمه أن مثل هذه المجلات تدعمها وجوه إعلامية بارزة ومحنكة.. إلى جانب أنها "مدعومة" بشكل ضخم من طرف دول أو أشخاص )من كبار الأثرياء العرب (.. هذا طبعا إلى جانب تقاليدها العريقة بحكم ماضيها وعمرها.. وأعتقد شخصيا أنه تدريجيا ستصبح لدينا تقاليد صحفية، خاصة في ظل المناخ السياسي الحالي الذي يشجع كل الكفاءات.
· موقعك كمدير مسؤول لمجلة "الملاحظ" هل أثر على قناعاتك الصحفية ؟
نعم لقد أثر كثيرا.. خاصة أن الجانب الإداري أصبح يحتل مكانة هامة في عملي.. لكن وفي المقابل لم يؤثر على توجهاتي إذ بقيت أكرس القيم النبيلة للصحافة وأحترم الرأي المخالف.
· في "جينيريك " المجلة.. هناك "الأسرة الموسعة".. وتضم عديد الشخصيات من اتجاهات مختلفة.. ما هو دور هذه الأسرة.. وعلى أي أساس تم اختيارها ؟
هذه الأسرة تتشكل من الشخصيات التي آمنت بمشروع "الملاحظ".. ونحن نستفيد من ملاحظاتها وآرائها.. إلى جانب أنها تنمي المجلة بعديد الأفكار..
· أكيد أن موقعك كمدير مسؤول لمجلة ورئيس تحرير مكنك من ربط عديد العلاقات الرفيعة المستوى .. بصراحة هل استعنت بها لقضاء بعض الشؤون الخاصة ؟
أعتقد أني آخر من يفكر و )يستطيع( توظيف علاقاته لمآرب شخصية .. وذلك بسبب قناعاتي وطبيعيتي التي ترفض ذلك ..
· حسب اعتقادك ما الذي ينقص صحافتنا المكتوبة حتى تواكب التطور الذي تشهده البلاد ؟
شخصيا أختلف مع الذين يعتقدون أن الصحافة في بلادنا غير متطورة.. والسبب أن لدينا أفضل التشريعات القانونية في مجال الصحافة.. مقارنة حتى بعديد البلدان وكذلك وضعنا السياسي من أفضل مما هو موجود.. و الإشكال في اعتقادي يكمن في أن الذين يشتغلون في القطاع )أي الصحافة( من مديرين وصحفيين.. عليهم حسب اعتقادي مزيد العمل والبذل خاصة وأن رئيس الدولة ما فتىء يدعو في عديد المناسبات الصحفيين للمبادرة.. وعموما أتمنى أن نوفق جميعا في هذا الإتجاه.
· الوضع المادي للصحفيين كيف تنظر إليه )لا نريد إجابتك كمدير بل كصحفي(؟
حسب اعتقادي.. من يعمل يجد.. فالصحفي الذي يبدع ويقدم الإضافة.. أكيد أنه سيحسن وضعيته ..لكن وللأسف هناك بعض الصحفيين الذين لا يبذلون أي مجهود في عملهم.. هؤلاء مازالوا لم يفهموا بعد أن "العولمة" لا تمس وسائل الإنتاج وأدواتها فقط بل سلوكيات الناس التي يجب أن تواكب بدورها هذه العولمة.. فمن يستفيق التاسعة صباحا.. أو يقضي أكثر من أربع ساعات في مقهى.. لا يمكنه أن يحسن وضعه المادي وعلينا نحن الصحفيين أن نواكب بدورنا هذا التطور بأن نعمل لأنه ليس لنا من خيار غير العمل.
· من الصحفيين التونسيين بمن تأثر بوبكر الصغير ؟
هناك عديد الزملاء أحترمهم وأقدر نجاحاتهم في هذا الميدان..
· لمن يقرأ بوبكر الصغير ؟
شخصيا وعند قراءاتي لأي مقال أو كتاب أهتم أساسا بالأفكار والإضافة المقدمة.. وهذان عنصران أعتبرهما أساس عملية الفرز .. وأعتقد أيضا أن الأسماء لم يعد لها موقعها السابق.. طبعا مع ضرورة الإشارة إلى أن الرموز أصبح عددها ضئيل.. وكذلك الذين يثيرون الجدل.
· هل كتبت في مناسبة ما ..مقالا "تحت الطلب" ؟
طيلة حياتي المهنية لم أكتب مثل هذه النوعية من المقالات.
· أهم شخصية حاورها بوبكر الصغير ؟
أهم شخصية حاورتها هي مواطن عادي.. حاورته حول أحلامه ورؤيته للعالم.. وللناس..
· وبماذا استفدت من هذا الحوار ؟
أن الحقيقة ليست ملكا لأحد.
· برنامج تلفزي يشدك ؟
البرنامج الذي يحترم مشاهده.
· سؤالنا الأخير.. هل "كرهت" في يوم ما.. الصحافة ؟
فقط في حالات الإرهاق الشديد.. ينتابني شعور بكره الصحافة.
-----------------------------------------------------------------------
ملاحظة : أجري هذا الحوار خلال شهر أفريل 1988
@@@@@@@


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.