يتقدم لاجتياز امتحان الباكالوريا هذا العام 130280 مترشحا موزعين على النحو التالي 37622 ينتمون الى شعبة الاقتصاد والتصرف و30208 ينتمون الى شعبة الآداب و25945 ينتمون الى شعبة العلوم التجريبية و17081 ينتمون الى شعبة العلوم التقنية و11826 ينتمون الى شعبية الرياضيات و6424 ينتمون الى شعبة الاعلامية والألف ونيف المتبقية من هؤلاء المترشحين ينتمون الى شعبة الرياضة فماذا يمكن ان يقول الناظر والمتامل والمفكر في هذه الأرقام من القول ومن الكلام؟ ان اهم ما يمكن ان يقال ان مستوى تكوين تلاميذنا هو اليوم في اسوا الأحوال ويستدعي الاصلاح ويستوجب الترميم في اسرع الآجال فمن المعلوم لدى الخبراء ولدى المختصين العارفين بشؤون التربية والتعليم ان شعبتي الاقتصاد والتصرف والاداب يتوجه اليهما التلاميذ الذين لا تسعفهم ولا تمكنهم اعدادهم واستعداداتهم وإمكاناتهم العقلية والذهنية من متابعة برامج ومواد شعب الرياضيات والعلوم التقنية والاعلامية والعلوم التجريبية اذن وبعملية حسابية صغيرة ندرك ان اكثر من نصف المترشحين لباكالوريا هذا العام وعددهم 67830 هم ضعاف التكوين وتوجهوا الى شعبة الاقتصاد والتصرف و شعبة الاداب مكرهين غير راغبين اي كانوا من المضطرين ومن المدفوعين ولذلك نجد نسبة نجاح التلاميذ في هذين الشعبتين ضعيفة مقارنة بنسب نجاح زملائهم في غيرهما من الشعب العلمية الأخرى كما نجد اغلب الأساتذة يشتكون من صعوبة تدريسهم ومن سوء سلوكهم في كل ان وفي كل حين وخاصة شعبة الاقتصاد والتصرف التي تعرف اقسامها اكتظاظا كبيرا قد يبلغ الأربعين تلميذا او يزيدون اما عن شعبة الآداب فقد نجد من تلاميذها من لا يتقن كتابة وقراءة جملة عربية سليمة وهو امر يبعث على الحيرة والقلق والاكتئاب واظن ظنا يشبه اليقين ان عدد تلاميذ هذين الشعبتين سيزداد في قادم السنين ان لم تقع الغربلة الضرورية الكبرى في اسرع وقت وفي اقرب حين وذلك باعادة إلزامية واجبارية مناظرتي السيزيام والنوفيام الذين انتج الغاؤهما بقرار متسرع مشين في سابق السنين نتائج فظيعة لا تخفى على الناظرين وعلى الدارسين وانني اعتبر اكبر جريمة تعرض اليها التعليم التونسي عبر تاريخه الطويل هو الغاء هذين المناظرتين بقرارسياسي ظالم جائر خالف وجانب الصواب وحاد عن سواء السبيل والأغرب من كل ذلك اننا نرى اليوم الأولياء يجتهدون وينفقون الاف وملايين الدينارات في سبيل انجاح ابنائهم في سلم التعليم والمعرفة في مختلف المواد ومختلف الاختصاصات ولكن هذا الاجتهاد وهذا الانفاق مع الأسف لم يؤت اكله بصفة واضحة جلية في تحسين نتائج تعليم ابنائنا ووصولهم الى الدرجات والمستوايات المطلوبة المرضية فاذا كان اكثرمن نصف تلاميذنا يملؤون ويحشرون في شعبتي الآداب والاقتصاد حشرا وقسرا بالاضطرار دون الرغبة ودون الاختيار فهل سنطمئن على مستقبل العلم والمعرفة في هذا الوطن وهل نرجو سلامة وجدوى التعليم في هذه الديار؟ ولا يفوتني في هذا المقام وقبل نهاية القول وخاتمة الكلام ان اذكر بقول بورقيبة التاريخي ذلك الرئيس المتعلم المثقف المفكر وقد شعر بذكائه المعهود بابرز اسباب تخلف التونسيين والعرب اجمعين اذ قال يوما في هذا المجال (يكفينا من الشعراء والقصاصين والروائيين ولنعمل على تكوين جيل من العلماء في مختلف الاختصاصات الأخرى وفي مختلف الميادين) هذا كلام قاله بورقيبة لما كانت شعبة الاداب تخرج وتفرخ وتلد حقا عباقرة الشعراء والأدباء والقصاصين والروائيين من الفطاحلة ومن الموهوبين فكيف اذا راى بورقيبة اليوم وسمع بان اكثر من نصف المترشحين لشهادة الباكالوريا هم من شعبة الآداب و شعبة التصرف والاقتصاد وقد دفعوا اليهما وحشروا فيهما حشرا وتهافتوا عليهما كالذباب اوكالجراد لا شك عندي انه سيقول للذين تسببوا في هذا الفشل وهذا البلاء وهذا الخطب المبين افسدتم البلاد واهلكتم العباد واخترتم العناد وجانبتم السداد ظانين انكم من المفكرين ومن المصلحين ولا حول ولا قوة الا بالله رب العالمين