عندما أكون بالسيارة في طريقي الى تونس أو عائدا منها الى قليبية أضع من حين لآخر تسجيلا كنت تحصلت عليه لما كنت مديرا للأخبار بالاذاعة والتلفزة التونسية سنة 1986 لمحاضرة ألقاها "طه حسين" عميد الادب العربي بالمدرسة الصادقية وعنوانها (رحلة فنيّة) وقدم المحاضر آنذاك رئيس جمعية قدماء الصادقية المرحوم "محمد مزالي" بكثير من الشكر والعرفان ل"طه حسين" وذلك بحضور رئيس الوزراء في تونس المجاهد الأكبر "الحبيب بورقيبة" وهو الذي دعا "طه حسين" الى زيارة تونس في حين كان هذا الأخير في رحلة استجمام بإيطاليا وذلك في شهر جوان عام 1957 . وقال في منطلق محاضرته أنه لم يكن مهيئا لتقديم محاضرة أمام هذا الجمع الكبير لكن جاءه الطلب من رئيس الوزراء فما كان منه إلاّ أن استجاب لهذا الطلب الامين وأنه ارتجل الموضوع ارتجالا كما اثنى على تونس وعلى قيادتها التي جاء إليها لتهنئتها بالاستقلال وثمّن ما وجد عليه الطلبة من زاد معرفيّ هنأ تونس عليه. وقد رسمت المحاضرة الطريق التي تحوّل فيها الشعر من المدينة بالسعودية الى العراق عند قيام الدولة العباسية وذلك عن طريق فنانة عظيمة أعجب بها الملك فاشتراها وهكذا كانت الرحلة التي تابعها الحضور الحاشد بالصادقية في كل محطاتها وظروف مسيرتها حتى وصولها الى العراق. في حين كانت الغاية من هذه الزيارة أساسا التي أبلغه الدعوة إليها وزير المعارف آنذاك الأمين الشابي لمتابعة الامتحانات النهائية في اول دورة في دار المعلمين العليا واختتام الدروس بجامع الزيتونة المعمور وقدمه في هذا الموكب الثاني العلمي البهيج بجامع الزيتونة عميد الجامعة الزيتونية المرحوم "محمد الطاهر بن عاشور" مبرزا مواقف عميد الادب العربي من كفاح تونس وبريادتها بطرق الحداثة في تدريس الأدب العربي وكتابه ومواقفها الجريئة من هذه الدراسة الكفيلة بكل اهتمام. ولما عاد الى قاهرة نشر "طه حسين" مقالا ممتازا عن تونس بجريدة "الجمهورية" عبر فيه عن اعجابه الكبير ببلادنا الذي قال :" إنها لم تكن زيارة الباحث المستقصي ولا زيارة السائح المتطلع إنما اختطفتني اليها الطائرة ذات مساء" منوها بالطريق التي تسير فيه تونس بجد الكادحين وعلو همة العلماء.