في تحليل للوضع السياسي والاجتماعي في تونس نشره في "العربي الجديد" قال أنور الجمعاوي وهو أستاذ وباحث جامعي في تونس: إنّ الإقبال المتزايد على الاحتجاج ليس فعلا استعراضيّا عابرا، بل هو سلوك اجتماعي واع، توجّهه عدّة أسباب، ويحمل طيّه عدّة دلالات. فسؤال "فاش نستنّاو" إنكاري، يستنهض الجموع، ويستهجن صمتهم وترقّبهم، ويستبطن تحذيرهم من مصيرٍ مجهولٍ في حال استسلامهم لمحامل قانون المالية 2018 الذي نصّ على زياداتٍ غير مسبوقة في الموادّ الغذائية والمحروقات والخدمات في مقابل تجميد كتلة الأجور، وتعليق الانتدابات في القطاع العام. وهي تدابير موجعة تمسّ الوضع المعيشي لعموم المواطنين، وترهق مقدرتهم الشرائية، ولا تقدّم حلولا عمليةً لمعضلة البطالة، وتنذر بتهرئة الطبقة الوسطى، وتحويل الهرم الاجتماعي إلى طبقةٍ من الأغنياء وأخرى للفقراء. لذلك تنادى المتظاهرون بشعاراتٍ من قبيل "الشعب يريد إسقاط الميزانية" و"يا مواطن يا مقموع زاد الفقر... زاد الجوع...".. وختم الجمعاوي "فالنّاس يمارسون حقهم في الاحتجاج، ويشكّلون سلطة رقابية موازية لسلطة الدولة، ولسان حالهم يقول: "لا خوف.. لا رعب السلطة ملك الشعب/ الشارع ملك الشعب"، وهو ما يُخبر بحيوية التجربة الديمقراطية في تونس، وإعادتها الاعتبار للمواطن، بما هو كائن مدني/ حيّ/ فاعل في الشأن العامّ، ومؤثّر في أصحاب القرار. لكنّ الديمقراطية وحدها لا تكفي لتحقيق الازدهار والاستقرار والرفاه. لذلك الحاجة أكيدة إلى بلورة خطّة إنقاذٍ تنموية واقعية شاملة، والحاجة أيضا أكيدة لنشر ثقافة الاحتجاج، حفاظا على السلم الاجتماعي والعيش المشترك، وتفاديا لمهواة العنف المؤدّي إلى تخريب الاقتصاد والتجربة الديمقراطية نفسها".