ماذا يحدث تحديدا في البلاد ؟ السؤال يطرحه يوميا وبكل مرارة وحيرة المواطن التونسي العادي ! فهذه طبقة سياسية تتصارع حول قضايا وهمية وتطرح مسائل هامشية وتتغنى بشعارات فضفاضة ، وهؤلاء نواب شعب يقولون ما لا يفعلون ويناقشون قوانين لا علاقة لها ب0هتمامات الشعب الذي قيل أنه إنتخبهم ليمثلونه ويتبنون مشاغله ومطالبه ، وتلك معارضة لا وجود في قاموسها السياسي إلا للرفض دون تقديم أي مبرر، ولا يتضمن قاموسها اللغوي إلا السباب والشتائم والألفظ النابية والقوالب الشارعية المبتذلة ، أما الحكومة التي علق عليها جميع المواطنين آمالا عريضة ما زالت لم تتحرك بالسرعة المطلوبة لتطويق الأزمات المتفاقمة إذ هي تحاكي النملة دبيبها !! يحدث كل هذا وتقارير المؤسسات الدولية المختصة تحذر من إفلاس الدولة و0نسداد الأفق أمام الإصلاح ، ومع ذلك يوجد من يصعد المنابر ليقول بإصرار أن " البلد يسير في الطريق السليم " !!!! إنه ضرب من الكذب والزيف والمغالطة والإلتفاف على الحقيقة ، وشكل من أشكال اللؤم والإسفاف والإستهتار وقلة الحياء ! أجل لقد تعددت مظاهر الإنحدار إلى دهاليز الحضيض ، والشعب يتابع كرنفال الوضاعة والرداءة والسفالة بدهشة و0ستغراب و0ستياء. دأب العديد من المشعوذين على الرقص على حبال الإثارة والإستفزاز وقد أبدوا من الإنحدار اللغوي والوضاعة السلوكية والإفلاس المعرفي ما أفقدهم ما تبقى لديهم من مصداقية لدى الرأي العام ،كنا نعتقد واهمين أن الأمر لا يتجاوز حفنة من قليلي الأدب وعديمي الحياء ، ولكننا إكتشفنا ، مع مرور الأيام، انهم يمثلون الأغلبية. يحدث كل هذا في أكثر من سبع سنوات من الفوضى والإنفلات والتذبذب والإرتباك وانهيار هيبة الدولة ومؤسساتها دون أن تظهر في الأفق مؤشرات جدية لقرب إنتهاء هذا الكرنفال التراجيدي-كوميدي ، المشحون بكل أنواع الرداءة ، والذي حول العمل السياسي والإعلامي إلى ضرب من ضروب العهر .لقد نسينا بسرعة كل مشاكلنا لنركز إهتمامنا على مسائل هامشية ، هل إلى هذه الدرجة غابت المشاكل الجوهرية في البلاد لتصبح حادثة عابرة من تلك الأحداث التي تتكرر يوميا في حياتنا العامة ، قضية وطنية تشغل بال ساستنا وإعلاميينا وبعض مثقفينا وشعبنا " الوطني جدا " و" المحافظ جدا " أو " المتحرر جدا " !؟ إنها بدون شك علامة خطيرة من علامات الإنحدار ، خاصة وقد كنا إنشغلنا خلال هذه السنوات العجاف بختان النساء وتحجيب الرضيعات وكيفية غسل الميت وفضائل بول البعير و سن الأهلية الجنسية للفتاة والتحرش وجواز نكاح الزوج لزوجته الميتة ، وغيرها من القضايا ذات الخلفية الرجعية والظلامية والمقاصد التخريبية المفضوحة ، والغريب في الأمر أن الإهتمام بها شمل الرجعيين ومن يوصفون أنفسهم بالحداثيين على حد سواء. لا بد من التحرك بجدية وفاعلية لفضح كل هؤلاء الشعبويين الذين إستفادوا من الفوضى والإنفلات وجعلوا منهما أصلا تجاريا لتأكيد حضورهم وتأجيج الصراعات وعرقلة كل محاولات الإصلاح لأنهم لا يستطيعون العيش إلا في بؤر الإثارة الرخيصة وقواميسها المشحونة بالسوقية . إن المسألة تتجاوز دلالات هذه الأمثلة التي إستعرضناها لتصل إلى جوهر المعضلة التي يعاني منها الشعب التونسي والمتمثلة في إفلاس من يوصفون ، كذبا وبهتانا ب:" النخب " وقلة حياء أغلب السابحين في مستنقعات هذه الساحة الموبوءة بكل الآفات. حان الوقت لإنهاء هذه المهازل ووضع حد لمحاولات إلهاء الشعب بالمسائل الهامشية ، لأن تواصل مثل هذه الفضائح والفلكلوريات سيزيد في إحباط المواطنين ويعمق شعورهم بخيبة الأمل ويوسع الفجوة بينهم وبين " النخب " في كافة المجالات ويقلص تبعا لذلك من مشاركتهم في الشأن العام بالبلاد .