تشهد الأحداث والوقائع والمستجدات المتتالة تموقعا للمنظمة الشغيلة ك"سلطة " ذات يد طويلة في الساحتين السياسية والإجتماعية بالخصوص ، وهو تموقع لم يأت صدفة بل أنتجته عدة عوامل موضوعية في أغلبها. بالعودة قليلا إلى الوراء نجد أن الحرص الشديد على تشريك الإتحاد العام التونسي للشغل في حكومة وحدة وطنية بحقيبتين وزاريتين ( بقيت منهما واحدة فقط بعد إقالة عبيد البريكي )، لم يكن منعزلاعن واقع سياسي تونسي خصوصي فالجميع يعلمون أن أغلب الأزمات التي تعرضت لها البلاد ، منذ الإستقلال كانت بسبب دخول الحكومة والمنظمة الشغيلة في صراعات لأسباب عديدة ، أهمها إختلاف وجهات النظر في المسائل الإقتصادية والإجتماعية ، وكلما كان التوافق بينهما قائما تعزز إستقرار البلاد . ومن الواضح أن الصراعات التي إندلعت بين العديد من النقابات ووزارات ومؤسسات الحكومة السابقة برئاسة الحبيب الصيد في قطاعات حساسة و0ستراتيجية كالصحة والتعليم والنقل أثبت وجود تنافر بين الطرفين أدى في نهاية الأمر إلى سقوط تلك الحكومة ، وخروج الإتحاد العام التونسي للشغل من الصراع أكثر قوة وتأثيرا، ولكن ، وفي الوقت الذي تفاءل فيه المواطنون بقدوم حكومة الوحدة الوطنية بقيادة يوسف الشاهد ، إندلعت في البلاد العديد من الأحداث التي تحولت فيها المظاهرات الإحتجاجية ذات الخلفية المطلبية إلى تجاوزات خطيرة من قبل المتظاهرين ومن إلتحق بهم من من مخربين ومناوئين وفوضويين ومتطرفين ، وكما كان منتظرا نزلت هذه الأحداث على المواطنين نزول خيبة الأمل وزادت في تعميق الشعور بالإحباط لديهم ، بعد أن ذهب في اعتقادهم أن منسوب الفوضى والإنفلات في البلاد قد تراجع ولن يعود إلى المربع الأول كان كل شيء يوحي بأن لاشيء في الأفق من شأنه أن يغذي لديهم شعورا بالتفاؤل فالأوضاع في العديد من القطاعات الحيوية متوترة والمخاطر الداخلية والخارجية تزداد بشكل مخيف ، والصراعات بين الأطراف الفاعلة ، وخاصة بين الحكومة والإتحاد العام التونسي للشغل ، وبين هذا الأخير والإتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية مضطرمة، والتدهور الإقتصادي والإجتماعي محطم للعزائم .. كانت بعض التحركات المكثفة قد أثمرت العديد من التفاهمات في القطاعات الحيوية كالتعليم والصحة والنقل والوظيفة العمومية وغيرها ، وكان الإعتقاد سائدا أن يلتزم الجميع بهدنة إجتماعية تتيح للسلط التفرغ لتنفيذ البرنامج الإصلاحي الذي تم الإعلان عنه ، لكن الأوضاع تدهورت بسرعة ، بعد أن تمسكت النقابات المنضوية تحت لواء الإتحاد العام التونسي للشغل بمطالبها دون تغيير أو نقصان وضرورة تطبيقها في الآجال المحددة دون تأخير مهما كان مأتاه، في حين رفضت الأطراف الأخرى الإستجابة لهذه المطالب ، ومهما كان الأمر ودون الدخول في متاهات تحميل المسؤولية لهذا الطرف أو ذاك ، فإن تواصل مثل هذه الصراعات الخطيرة زاد في تأزيم الأوضاع وتعكير الأجواء ، وهو ما دفع برئيس الحكومة إلى العمل على إيجاد أرضية ملائمة لحوار جدي وبناء يراعي المصالح العليا للبلاد في هذا الظرف العسير جدا من مسيرتها، وقد بدا جليا وواضحا أن إستجابة قيادة الإتحاد العام التونسي للشغل ليد يوسف الشاهد الممدودة إليها كانت حاسمة ومكنت من معالجة الأزمة المضطرمة معالجة جدية تراعي الظروف التي تمر بها البلاد وضرورة تقديم التنازلات المطلوبة في مثل هذه الحالات ، فالبلاد لم تعد تتحمل المزيد من الأزمات وكأس صبر الشعب إمتلأت ، لكن يبقى المناخ العام محفوفا بالشكوك والإحترازات بالرغم من أن قيادة الإتحاد العام التونسي للشغل أعلنت بوضوح انها ملتزمة بقوة بكل القرارات الواردة في " وثيقة قرطاج " التي أمضت عليها من جهة ، وبمبدإ " التضامن الحكومي" بين كافة الأطراف المشاركة في حكومة " الوحدة الوطنية"، بما فيها المنظمة الشغيلة من جهة أخرى ، وبالرغم أيضا من إلتزام الحكومة العلني بتطبيق كل الإتفاقات المبرمة ، إذ لا بد من إيجاد آلية مشتركة بين الطرفين ل0ستباق الأزمات الطارئة ومنع حدوثها أو تفاقمها.