نظم الاتحاد الوطني للمرأة مساء الجمعة 23 مارس 2016 بفضائه الخاص أربعينية المرحومة فتحية المختار مزالي بالاتفاق مع افراد عائلتها، وكنت فيه من المدعوين، سرتني تلك المبادرة الجميلة التي اهتدت لها رئيسته الاستاذة راضية الجربي وقد تكون قصدت حسبما فهمت لم الشمل بين القديم والجديد في لقاء لن يختلف عليه اثنان لان المحتفى بها كانت محل تقدير واحترام من الجميع . غصت القاعة على اتساعها بالمدعوات لذلك الحفل ممن بقيت حالتهن تسمح بالحضور، ولم تتخلف عن الموكب اغلب من تداولن على المسؤوليات في منظمة الاتحاد زمن المرحومة وبعدها وعهدت للبعض منهن في الأثناء مسؤوليات وطنية سامية في الدولة من وزيرات وسفيرات ورئيسات لمؤسسات كبرى قمن بدورهن في خدمة تونس من خلالها بفخر واعتزاز زادها رفعة وقيمة بين البلدان . تكلم في ذلك اللقاء البعض ممن عمل مع المرحومة في المكاتب التنفيذية او تولين المسؤولية بعدها وذكروا بنبذة تاريخها وكيف كانت دائما كبيرة امام الأحداث التي مرت بها المنظمة في اصعب الظروف، أخذ حيزا من الوقت بث شريط تذكاريا عن حياتها الخاصة من إعداد ابنها الدكتور رفيق مزالي أعاد لمشاهديه ايامها وكيف كانت تتصرف من وراء الأبواب، وبالرغم من الهواية التي بدت ظاهرة في ذلك الشريط، كان معبرا عن جذورها وبساطتها ورفعة أخلاقها وتعنيها القيام بشؤون بيتها بنفسها والتوفيق بين نشاطها الخارجي بدون تخل عن واجبات السلطة وكلفتها بالنظر للمسؤوليات الكبرى التي كان يتحملها زوجها كمدير او وزير او وزير اول لعدة سنوات، كنا نراها في ذلك الشريط كيف تعتني بأحفادها واحفاد أحفادها وتدخل المطبخ وتعد الطعام بنفسها وتتفنن في أنواعه مثلها مثل اَي امرأة تونسية عادية ولم تقيدها درجاتها العلمية ولا المسؤوليات السياسية ولا حتى مركز زوجها في الحكم لعدة سنوات. تذكرت ذلك وغيره قبل ان تسند لي الكلمة لأتحدث عنها وما كنت اعرفه في المناسبات الجميلة وفِي المحن التي انصبت على عائلتها بعد اقالة زوجها والتجائه خارج الوطن لما اشتدت خناجر البعض ممن أحسن اليهم في زمن لم يكن بورقيبة في أيامه، وكان يتأثر بدائرة السوء التي احاطت به، اتذكر انها كانت ايامها وفِي غياب زوجها لمكان مجهول تحصنا وإيداع ابنائها السجون بدون تهمة او ذنب سوى تكالب القائمين على الحكم وقتها وخشيتهم منه لأنه كان يعرف عنهم ما كانوا يخفون ويعملون على كتمانه بكل الوسائل، وكنت ايامها محامي العائلة كلها بتكليف من رئيسها الذي كانت تربطني به علاقة ود لعدة سنين وتعاون واحترام. رايتها كيف كانت صامدة قوية بالرغم من تجاوز الحاكمين وقتها لكل الحدود، ولم لم تشفع لها حتى الحصانة البرلمانية المعترف بها دوليا وقد انتهكت عند جبرها على الاقامة المحدودة في بيتها قبل رفعها من طرف مجلس النواب، ولم تتمكن من الاتصال بأحد لنجدتها حتى محاميها الذي كنته انا فقد منعت من زيارتها بعد ان تمكنت من الاتصال بي بواسطة خط لم يتفطن له البوليس بمسكنها فتم قطعه بعد ذلك الاتصال ومنعت من الدخول اليها من طرف الحراسة التي وضعت عليها بالرغم من الالحاح والتعريف بصفتي . جال بخاطري ما بقي من تلك الذكريات المؤسفة وكيف كانت تتابع معي سير القضايا التي ألصقت بالعائلة وكلها بدون سبب او تهم يعاقب عليها القانون عندنا وكيف كانت صابرة وكأنها تعرف ما ينتظرها وينتظر زوجها وربما كانت تعرف الشر المختفي في نفوس البعض ممن كانوا يظهرون لهم المودة ويبطنون الكيد والعداء . لذا اكتفيت في ذلك الحفل بذكر البعض من مناقبها وما جرى لعائلتها ونصحت لمن يريد معرفة الأكثر بالرجوع الى كتابي الذي نشراته في أوت 2015 تحت عنوان ذكريات وال في الزمن البورقيبي خصصت منه 149 صفحة من جملة 715 للمرحوم محمد مزالي وكل ما عرفته عن محنته ومحنة العائلة . اكتب ذلك للذكرى واعترافا للسيدة راضية الجربي رئيسة الاتحاد الوطني للمرأة التي تمنت علي بعد كلمتي القصيرة ان لو توسعت اكثر فيما تعرضت له المرحومة فتحية مزالي من المحن بعد كل الإنجازات والتضحيات التي بقيت راسخة في النفوس محبيها . اعتذرت لها بأدب ووعدتها بالحديث عن ذلك بإطناب في مرة ثانية قد تتاح لنا، وقد فضلت مساءها والمطر لم ينقطع نزوله علينا من السماء ان لا أفسد تلك المناسبة وقد رأيت فيها تونس التي عرفتها تنسى أحزانها وتلتقي اجيالها في جلسة كان محورها احدى شهيرات تونس التي لم يدركها حسن عبد الوهاب كي يضيفها في كتابه ورقات عن الشهيرات التونسيات .