في كل مناسبة و خصوصا عند المواعيد الانتخابية يعود الى السطح ما يسميه البعض بصراع الهوية بين من يدعي الحداثة و التقدمية و يصف منافسيه بالرجعية و التخلف من جهة و بين من يدعي الاصالة و المحافظة و يصف منافسيه بالعداء للدين و الثوابت المجتمعية من جهة اخرى . وما العيب في ذلك يمكن ان يقول البعض !! و لنترك الخيار في النهاية للشعب عبر صناديق الاقتراع !! ما يمكن ملاحظته واقعيا هو اساسا و للاسف عدم التركيز و الاهتمام بالبرامج السياسية و الانتخابية بقدر الامعان و تعمد الرجوع و استحضار صراع الهوية و محاولة استثماره سياسيا و بالتالي فنحن لسنا بصدد تنافس سياسي ديموقراطي برامجي مفيد و ايجابي بل بصدد صراع وجودي هوياتي خطير يخفت حينا ليحتد احيانا اخرى حسب الظروف و المصالح . اما الخوف كل الخوف فان يصل الامر في يوم من الايام الى نقطة اللارجعة و هي لا قدر الله نقطة الصدام و المواجهة و الاستئصال و هو ما تعمل عليه و تغذيه بعض الاطراف الداخلية و الخارجية لغايات مشبوهة و مهددة للاستقرار . اني اعتقد ان حركة النهضة و رئيسها الاستاذ راشد الغنوشي قد ادركوا و خصوصا بعد ممارستهم للسلطة السياسية ان الدين و السياسة مجالان متكاملان و ليسا متداخلان و ان البرامج و الحلول السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية متغيرة و متلائمة مع ضرورات الواقع على عكس ثبات و ديمومة الاحكام الدينية البينة و الواضحة و المحمية بنص الدستور و عرف المجتمع المتجذر في هويته و مرجعيته الاسلامية . و بالتالي فان كنت ادرك تردد قيادة النهضة في اعلان الفصل الواضح و الصريح بين الدين و السياسة لاسباب تهمها فاني اعتبر ان المسالة قد اصبحت مستعجلة و ضرورية من اجل المصلحة العليا للوطن و الدين . ان الهدف من تطبيع الحياة السياسية هو اساسا الانتقال من الصراع الوجودي الاستئصالي بين الاطراف السياسية الى تنافس نزيه و سلمي و ديموقراطي على البرامج السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية.... و لا يمكن ان يتحقق دلك الهدف النبيل الا بفصل الدين عن السياسة و ليس عن الدولة التي بحكم الدستور تبقى مسؤولة عن حماية الدين و عدم المساس بثوابته و احكامه الشرعية و ليس في ذلك بالطبع اي تعارض او تناقض مع مدنية الدولة بما ان حاكمها هو سياسي مدني منتخب من الشعب . و كما نرفض توظيف الدين في السياسة فاننا يجب ان نرفض قطعيا تدخل السياسة في الدين و هو ما يستوجب عمليا احداث هيئة علمية دينية منتخبة ديموقراطيا و مستقلة عن السلطة السياسية تمثل مرجعية للافتاء و ابداء الراي العلمي و الديني و تنتقد ان لزم الامر كل من يحاول التطفل او تغيير احكام الدين و ثوابته المجمع عليها و التي لا يمكن باي حال من الاحوال ان يعتبر تجديدا او تحديثا . الاسلام في تونس هو القاسم المشترك بين الغالبية العظمى للشعب و لا يجب ان يتحول بتاتا الى اداة للقتنة او الانقسام عبر توظيفه سياسيا و كما يعلم الجميع فان الفتنة اشد من القتل و للاسف فاينما وجد الاسلام السياسي في دولة ديموقراطية الا وجدت الفتنة باشكال مختلفة و تجارب عديد الدول بما فيها تركيا تدل على دلك . ما ادعو اليه عمليا هو التالي : - اضافة فصل لقانون الاحزاب تصادق عليه حركة النهضة يمنع تاسيس او نشاط اي حزب سياسي على اساس ديني او عرقي او طائفي . - منح الاستقلالية للمجلس الاسلامي الاعلى عن رئاسة الحكومة و اعفاء رئيس الجمهورية من تعيين مفتي الجمهورية مقابل انتخابه من طرف اعضاء المجلس الاسلامي الاعلى المنتخبون بدورهم من جموع علماء تونس المشهود لهم بالكفاءة و المعرفة . - التزام الدولة بتفعيل احكام الاسلام و منها مثلا احداث صندوق للزكاة كمسالة مستعجلة في ظل ما تعانيه شرائح واسعة من الشعب من فقر و تهميش . كما اتحدى في الاخير و بكل تواضع كا من يدعي استنباط احكام او برامج سياسية او اقتصادية ....من الاسلام مقابل اعترافي و اذعاني صاغرا لمبادئ الاسلام العامة مثل الشورى و لخطوطه الحمراء مثل الربا و لعباداته مثل الزكاة و لكل احكامه و تعاليمه من دون استثناء و التي ينبغي و يتوجب على الدولة مثلما اشرت سابقا ان تلتزم بها و تفعلها بما ينفع العباد و البلاد .