شهر رمضان هو في الأصل شهر العبادة و شهر التقرب من اللّه لعلّه يغفر لنا كلّ ما تقدّم و ما تأخّر من ذنوبنا و لعلّ هذا الشهر المبارك فرصة قد لا تعاد للبعض منّا إذا ما لم يبق في العمر بقية و هي فرصة لتخليص النّفس من كلّ ما علق بها من أدران و ذنوب و هي في النهاية فرصة لعتق النفس من النّار . لكن الواقع أثبت بالحجة و الدليل وأنّنا لا نرى في هذا الشهر الفضيل إلاّ أشياء لا علاقة لها بالتقوى و العبادة و التقّرب إلى اللّه و غفران الذنوب. فالكلّ مع بداية شهر رمضان تجده يلهث بالفضاءات التجارية و هو يكدّس ما طاب بل و ما زاد عن الحاجة إلى درجة تجد بعض الرفوف قد خلت من بعض المواد و الحليب أقرب مثال. وحين تدخل محلا تجاريا مختصا في بيع الأواني المنزلية المعدّة للطبخ تجد الجميع يتسابقون لاقتناء و تجديد كلّ الأواني المنزلية إلى درجة تتخيّل معه وأنّ كلّ هذه العائلات تخلّصت من أوانيها القديمة أو أنّها لا تقبل بدء شهر رمضان إلاّ بتجديد أوانيها من الألف إلى الياء أو تطرح تساؤلا بريئا للغاية هل كان لهذه العائلات أواني منزلية قبل حلول شهر رمضان أصلا...؟ تقصد سوق الخضر و الغلال و اللحوم تجد نفسك في حيرة من أمرك أمام الازدحام و التكالب على الشّراء إلى درجة تتخيّل وكأنّ البلاد مقبلة على اضراب عام سيدوم أشهرا فالكلّ يشتري و الكلّ يدفع و الكلّ يكدّس ما طاب من الخضروات و الغلال و اللحم و الشحم و السمك و المخللات و الزيتون و " المالح" و حتّى الحلويات لها من الحرفاء الكثير فتجد بعض المحلات مزدحمة إلى درجة تعتقد وأنّنا على أبواب عيد الفطر لا في بداية شهر الصيام؟؟ تذهب إلى المقاهي ليلا فلا تجد مكانا شاغرا الكلّ يلعب في الورق و الكلّ " يشيش" و الكلّ يتلذّذ ما طاب من المشروبات و أيضا من الحلويات مثل " البوزة" بل هناك من الرواد من يتواجد في المقهى بعد مضي بعض الدقائق عن موعد الافطار و لا أدري متى " شقّ فطره" و لا سبب لهفته على ارتياد المقهى .. البعض الآخر من يختار السهر بالبيت تراه "غاطسا للعنكوش" في متابعة المسلسلات الرمضانية و تراه يتجوّل بين المحطات و القنوات التلفزية عبر " الهمازة " - كما كان يسميها والدي رحمه اللّه و يقصد بذلك " télé – commande " - و بين كؤوس الشاي و بعض المكسرات و الحلويات إلى ساعة متأخرّة من الليل حتّى لا نقول إلى أن يدركه موعد السحور. شريحة أخرى من المجتمع تخيّر " التسكع" في الشوارع و خاصّة في وسط شريحة عمرية معيّنة من الشباب و الشابات التّي ترى في رمضان فرصة قوّية للارتباط و هل هناك خير من اختتام هذا الشهر الفضيل من الإعلان على خطبة فلانة على فلان فضلا عن البحث و الجري لتمضية الوقت من قبل شريحة أخرى بعد قضاء "معاناة" الصّوم و العطش و الجوع و تحمّل أعباء إعداد الوجبات طيلة يوم كامل. ولكن الأدهى من كلّ ما عرضنا هو وجود فئة معيّنة من النّاس تجد في شهر الصيام فرصة ذهبية للممارسة " شعائرهم " المفضلة و طقوسهم الدورية و المتمثلة في تعاطي " القمار " فالبعض يخيّر بعض المقاهي التّي لا ترى في ذلك مانعا و تعدّ لأصحاب هذه الهواية الظروف المواتية لممارسة هواياتهم المفضلة كما يوجد صنف آخر يعدّ أماكن خاصة بذلك لتعاطي القمار و هم في مأمن من كلّ العيون . هذه عيّنات فقط من تصرف البعض في هذا الشهر الفضيل شهر الصيام و التقّرب من اللّه فكيف لا يكون "عم رمضان غضبان" من تصرفاتنا و هو الذي أهدى لنا فرصة التوبة و الاقلاع عن الموبقات.و غفران الذنوب و العتق من النار...؟