إن الله تعالى جعل للناس رمضان شهرًا للطاعات وموسمًا للتقرب إليه بسائر القربات من صيام وقيام وذكر وقراءة للقرآن واستغفار وصدقة ومراجعة للعلم الديني والتحلي بكل خلق حسن. وإن من خصائص شهر رمضان أنه فيه من العبادات المتنوعة لا تُتاح في غيره من الشهور وفيه زيادة الخير والأجر وفيه الليلة العظمى ليلة القدر التى أفضل ليالي العام والعبادة فيها خير من ألف شهر. وإن من العادات التى لا ينبغي فعلها في رمضان وغيره أن كثيرا من الناس يفهمون أن رمضان شهر للأكل والشرب والتمتع، فتراهم يستعدُّون له قبل حلوله ودخوله، وذلك بإعداد أنواع الحلويات والمأكولات وادِّخار بعض الأطعمة، وكأنه قد حل موسم جوع وقَحْط، ويزعم البعض أن الصيام يقطع عنهم أكلهم وشهواتهم في النهار، فتراهم إذا جاء الليل ملؤوا الموائد بأنواع المأكولات وألذ المشروبات، فيجعلون ليالي الصيام للمزيد من الاستهلاك والإسراف والنَّهَم والشَّرَه، بل يزيد ذلك بشاعة أن البعض يكثر من أنواع المأكولات على مائدة رمضان بما يزيد عن حاجة المدعوين ثم بعد ذلك يتلفونه ويرمونه بحجة أن في اليوم ثاني يأكلون غيره وهذه فيه من الحرمة إتلاف المال بغير حق وفيه تفريط بهدف الصيام وهو الشعور مع الفقراء وأهل الحاجات الذين لا يجدون ما يتقوتونه لا أن ترمى الحلويات والمأكولات في الزبالة ولا يسرف في الإنفاق على الطعام ثم يذهب هباء، فليترك الصائمون هذه الخصلة الذميمة وليقتدوا برسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فلم تكن موائدهم تذخر بالأطباق ولم يكن من شرعه صلى الله عليه وسلم رمي الطعام الجيد الذي لا يضر أكله في المزابل وليكن على ذكر أن من الناس في بعض البلاد يشتهون ما ترمونه في المزابل، فرمضان تذكير بنعم الله عليك لا إسراف وتلف لما أعطاك الله بغير وجوه المنفعة، بل على العكس من ذلك فرمضان شهر والاقتصاد والتقلل والزهد والتقشف وترشيد النفقات والاكتفاء بالضروريات دون الكماليات، وشهر لحلول البركات من الأرض والسماوات، شهر غذاء الأرواح والقلوب لا تخمة للأبدان والأجساد، يقول الله عز وجل: ((وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِين)) [الأعراف:31]، والتقلل من الزيادة على الضروري وترك الترفه والتنعم سنة نبوية عاش عليها الرسول صلى الله عليه وسلم ومات عليها وأوصى بها أمته وكذلك كان الرسل الكرام من قبله صلوات الله عليهم أجمعين، والقوت: ما يكفي دون زيادة، والتقلل: إمساك على زمام النفس لكيلا تجتلبها المغريات والشهوات، وكان رسول الله سيد هذه المنزلة أوصى بالتقلل حتى يكتفي المؤمن في خاصة نفسه بمثل زاد الراكب، قال الرسول عليه الصلاة والسلام: ((ما ملأ آدمي وعاء شرًّا من بطن، بحسْب ابن آدم أكلات يقمن صُلْبه، فإن كان لا محالة فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفَسه)) رواه الترمذي في كتاب الزهد، باب: ما جاء في كراهية كثرة الأكل. وأمر آخر يصدر من البعض وهو أشد العادات بشاعة وأكثرها إثما وهو أن البعض يغضَبون في رمضان لأتفه الأسباب، فيسبُّون ويشتمون ويقولون فُحْشًا وقُبْحًا ومُنكرًا من القول وزورًا، ويتراشقون بالكلام الساقط، ويتشاجرون ويتخاصمون، ويخرج من أفواه بعضهم كلام منه ما هو بدرجة الحرام والمعصية الكبيرة، وهذا سلوك يتنافى مع أخلاق هذا الشهر الكريم، ومع ما هو مطلوب منا فيه من إمساك للسان عن اللغو والفحش وصون له عن البذاءة والصَّخَب، يقول الله عز وجل في الحديث القدسي عن الصيام: ((فإنه لي وأنا أجزي به، والصيام جُنّة، وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفُث ولا يصْخَب، فإن سابّه أحد أو قاتله فليقل: إني امرؤ صائم)) متفق عليه، وفي رواية: ((فلا يرفث ولا يجهل، وإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل: إني صائم مرتين)). فينبغي للصائم أن يمسك لسانه عن القول الذي لا يرضي الله، وليكن عفُوًّا صفوحًا حليمًا، ولا يعبأ بعبارات الجاهلين الطائشين، ولا يستَخِفُّه أصحاب اللسان الآثم فيهلك مع الهالكين. ومن الخصال السيئة ما هو مشهور عند الكثير من الناس في رمضان أنه شهر السمر والسهر إلى ساعات متأخرة من الليل، فدرج بين الكثير أنهم يحيون ليالي رمضان في الملاهي والمقاهي وفي الشوارع والأرصفة، وفي الغفلة والقيل والقال والغيبة والنميمة والخوض في الباطل من القول، وأمام شاشات التلفاز لمشاهدة القنوات الفضائية والانتقال من واحدة إلى أخرى بحثًا عن أغنية أو منظر أجمل أو متعة أو مسلسل أو فلم والمراد من ذلك تضيع الوقت والترويح عن النفس بعد صيام النهار ولا يدري هؤلاء أنهم قد يذهبون ما جنوا من الحسنات في النهار بمثل هذه الأفعال والفضائيات تسعد لرمضان وكأنه شهر الفن والتمثيل فتزدحم القنوات بمناظر وكلمات تجرح حرمة هذا الشهر والأدهى من ذلك أن الرقص والمجون وكشف العورات وقلة الحياء يعرض ويستغل تحت اسم شهر القران شهر العبادة لقد غير هؤلاء ليالي رمضان من ليالي الصلاة والقراءة والذكر والمساجد وحلق العلم إلى ليالي المسلسلات الهابطة والمسابقات المضيعة لأوقات هذا الشهر الذي ساعاته أغلى ممن الذهب فالممثلة التي كانت تعرض مفاتنها وتمثل أدوار السكيرين والماجنين تأتي لتعرض في رمضان دور المرأة الصالحة العابدة زد على ما في الفضائيات من شيوخ أمطروا الناس بفتاوى ما أنزل الله بها من سلطان فحرموا ما أحل الله وتكلموا في الدين ما ليس منه فليحذر فقد قال الإمام العالم ابن سيرين :إن هذا العلم دين فانظروا عن من تأخذون دينكم.، وآخرون يلجؤون إلى لعب الورق وربما القمار المحرم، الشيء الذي يجعلهم يقعون في الآثام يعوِّضون سهرهم بالليل بنوم النهار، ومما يُضِر بأعمالهم، خاصة الموظفين منهم، فتراهم في مكاتبهم متكاسلين مرهقين. أيها الصائمون، رمضان يشهد قلبًا لحقيقته وتشويهًا لصورته وطمساً لبهائه من طرف الذين يعملون على تضليل الناس وإخفاء حقيقته في نفوسهم، إذ يملؤون برنامج هذا الشهر بالسهرات والحفلات والمسرحيات والأفلام ومختلف الفكاهات، وكأن رمضان شرع من أجل ذلك. وتفتح المقاهي والملاهي أبوابها مباشرة بعد الإفطار وعلى مدار الليل لجلب الناس وإتحافهم وإمتاعهم بسهرات رمضان الغنائية المسلية الملهية طلبًا للربح الوفير، ضاربين بعرض الحائط حرمة هذا الشهر الفضيل، حيث تختلط أصوات المصلين والمقرئين بأصوات المطربين والفنانين، وهذا تشويه وفهم سقيم لحرمة هذا الشهر العظيم. والأولى للساهرين أن يُشغلوا أنفسهم بذكر الله والاستغفار وقراءة القرآن والاستماع لدروس الوعظ والعلم، ومجالسة العلم، وحضور الندوات والمحاضرات التي تكثر في رمضان، مما يزيد من فهمهم لأحكام الدين عامة وأحكام وآداب الصيام خاصة. ألا فليعلم الصائمون أن رمضان إنما جاء ليكون وقاية وصيانة لنا من أخلاق منحطة، وليزيل منا عادات سيئة ترسخت فينا طوال السنة، وليدربنا على الصبر والتحمل والإنتاج والبذل والعطاء والاقتصاد والإحسان إلى خلق الله والإخلاص والإتقان في الأعمال، ولنتزود بالتقوى والزهد والورع، وليزكي نفوسنا ويطهر المجتمعات مما انتشر فيها من فساد خلقي واجتماعي، وليحقق فينا العزة. وتظهر هذه المعاني جلية من سيرة الرسول وأصحابه والتابعين الذين فهموا الغرض والقصد من الصيام، فصاموه وصانوه وقدروه حق قدره، فكانت لهم العزة والمجد والسؤدد.وإن ما ذكر من خصال ذميمة يجب تجنبها في رمضان وغيره غير أن الشهر فضيل والنصيحة فيه أجدى والله الموفق لكل خير. اللهم وفقنا للصيام الذي ترضاه، اللهم اجعلنا ممن صام رمضان وحفظ حدوده، وأعتق رقبته من النار آمين...