الإعلامي كمال بن يونس يكتب ل"السياسيّة" مُعلقا على أزمة نقابة الصحفيين التونسيين: الاستقلالية شرط لتقدم القطاع : خيار القطيعة والتصعيد المجاني لا يخدم مصلحة الصحفيين ولا المسار الديمقراطي في البلاد بعد أن وقّع مئات الصحفيين على عريضة تدعو إلى عقد جلسة عامة انتخابية لفتح صفحة جديدة في نضال النقابة الوطنية للصحفيين من أجل تطوير الإعلام في البلاد وتحسين أوضاع العاملين فيه ، وبعد أن أصدر17 عضوا من المكتب التنفيذي الموسع من بين 27 نداء في نفس الاتجاه ، لا بد من فتح حوار صريح وجري ء حول مفهوم استقلالية القطاع والنقابة الوطنية ونوعية العلاقة التي يفترض أن تقوم بينها وبين سلطة الإشراف ومؤسسات الدولة من جهة والأحزاب السياسية من جهة ثانية .
والسؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح هنا : هل ينبغي التضحية بشعار الاستقلالية وبالمبادئ والأهداف والبرامج الطموحة التي ناضل الإعلاميون طوال عقود من أجلها تحت لواء رابطة الصحفيين حتى 1969 ثم ضمن هيكل جمعيّة الصحافيين التونسيين حتى 13 جانفي 2008 تاريخ تأسيس النقابة الوطنية تمهيدا لتأسيس اتحاد الصحافيين الذي قرر غالبية الإعلاميين إنجازه منذ استفتاء عام نظم قبل عشرين سنة ؟ لقد جاء تأسيس النقابة الوطنية قبل عام ونصف بعد أن اقتنع غالبية الصحفيين أن جمعيتهم المصنفة في قانون الجمعيات ضمن " الوداديات" صارت عاجزة عن مواكبة طموحاتهم وتلبية مشاغلهم والتفاوض حول مطالبهم ومشاكلهم . لكن المشاكل الداخلية التي عرفها مكتب النقابة الوطنية منذ أيامه الأولى وتغيب بعض أعضائه دون عذر ولا اعتذار عن جل اجتماعاته شلت دوره مبكرا إلى حد بعيد. وبعد انتخاب أعضاء اللجان والمكتب التنفيذي الموسع في جلسة عامة انتخابية ديمقراطية استفحلت الخلافات بين أقلية من أعضاء المكتب التنفيذي وغالبية أعضاء المكتب الموسع مثلما يعكسه توقيعها عدد من اللوائح ضد رئيس النقابة منذ موفى العام الماضي كانت الأولى لمطالبته بعقد الاجتماع الأول للمكتب . واليوم تجد النقابة الوطنية نفسها أمام تيار يمثل الأقلية يزايد على الأغلبية ويرفض عقد الجلسة العامة الانتخابية رافعا شعار: التمسك بالاستقلالية والتخوف من أن تفرز الانتخابات العامة الجديدة سقوط غالبية أعضاء المكتب التنفيذي الحالي وصعود مكتب " موال للسلطة والحزب الحاكم " مثلما أفرزت الانتخابات العامة لحوالي 70 عضوا من أعضاء اللجان في الصائفة الماضية فشلا ساحقا لمرشحي رئيس النقابة الحالي والمقربين منه . وكان يفترض أن يفهم الرئيس الحالي للنقابة والمقربون منه أن أغلبية الصحفيين الذين صوتوا لفائدتهم في جانفي 2008 ثم صوتوا ضد قائمته في انتخابات اللجان بعد 6 أشهر فقط أرادوا توجيه رسالة لهم فحواها أن تمسك أهل المهنة باستقلالية النقابة الوطنية ومطلب تحرير الإعلام وتطويره لا يعني الموافقة على خيار القطيعة مع السلطة ولا على التصريحات الاستفزازية المجانية ، وهو لا يعني التضحية بمصالح حوالي ألف صحفي ومطالب 220 آخرين صدر قرار رئاسي بترسيمهم في الإذاعة والتلفزة ، بسبب مشاركة رئيس النقابة في تحركات حزبية وسياسية معارضة من حقه القيام بها دستوريا وقانونيا ، لكن لا يحق له تعطيل التفاوض مع السلطة حول مشاغل الصحفيين ومطالبهم المادية والمعنوية بسببها أو بسبب تحالفاته الشخصية مع عدد من رموز المعارضة القانونية وغير القانونية في البلاد ضمن أجندا لا علاقة لها بمشاغل الإعلاميين ومشاكلهم . والدعوة اليوم مجددا إلى إعطاء الأولوية للتفاوض مع السلطة ومع مديري المؤسسات الإعلامية من أجل تحسين الظروف المهنية والمعيشية لمئات الصحفيين وتوظيف إشعاع الإعلاميين خدمة لها لا تعني التنازل عن استقلالية النقابة الوطنية والقطاع بل العكس هو الصحيح لأن النجاح في تطوير أوضاع الصحفيين ضمانة أساسية لاستقلاليته القطاع والنقابة الوطنية ولدعم الحريات الصحفية في البلاد. ولعله من المفيد بالنسبة للنقابة الوطنية للصحفيين أن يستفيد مكتبها المنتخب القادم من المكاسب التي حققتها مثلا الهيئة الوطنية للمحامين الحالية وهيئات المهندسين والأطباء لفائدة منخرطيها ، وتلك التي أنجزتها مكاتب جمعية الصحفيين سابقا مثل المشروع السكني لفائدة عائلات 200 صحفي والتخفيضات في النقل العمومي ومجانية النقل الحديدي لأن الحكم على حصيلة أي نقابة أو منظمة يقاس بانجازاتها لفائدة منخرطيها لا بصراخ بعض قادتها وما ترفعه من شعارات " راديكالية " سياسية وحزبية.
للتعليق وإبداء الرأي www.assyassyia-tn.com/index.php