التونسية ( مكتب الساحل) مع إطلالة الصباح الأولى ( حوالي الساعة الخامسة صباحا ) ، ولما كان الناس نياما توقفت سيارات الأمن أمام مركز «نزارات للنسيج» وبسرعة حاصر عشرات الأعوان المركز مدججين بالسلاح ... ثم تقدمت جرافة تابعة لبلدية سوسة وقامت بنزع الباب الحديدي الكبير من مكانه ليقتحم الأعوان المركز .... كان المشهد في توقيته يحيل إلى محاصرة وكر من أوكار الإرهاب التي انتشرت في البلاد وكان عدد الأعوان والتجهيزات يحيل إلى خطورة المهمة غير أن الحقيقة مغايرة لذلك تماما... فالمهمة كانت تنفيذ قرار والي سوسة بإخراج خمس كفيفات متقدمات في السن من المركز الذي اشتغلن وعشن فيه لأكثر من أربعين سنة... بالقوة العامة قضية تعود إلى سنة 1970 وحسب التقرير الذي أعده فرع سوسة للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان تعود أطوار هذه القضية إلى سنة 1970 تاريخ تأسيس مركز نزارات للنسيج والخاص بالمكفوفات والذي ضم آنذاك أكثر من 30 كفيفة ومثل مصدر رزق لهن ومكانا آمنا للإقامة تحت رعاية الإتحاد الوطني للمكفوفين. وحسب التقرير فقد كان هذا المركز يستغل كمستشفى إبان الحرب العالمية الثانية غير أن مالكه الأصلي غير معلوم وان عديد الجمعيات تكفلت خلال الفترة السابقة بترميمه وصيانته...ولم يبق في هذا المركز في المدة الأخيرة سوى خمسة كفيفات متقدمات في السن يعود تاريخ تواجدهن به إلى تاريخ إحداثه وذلك بعد أن أفلس مصنع النسيج واضطر إلى غلق أبوابه. قرار إداري ونظرا للموقع المتميز لهذا العقار ومساحته المعتبرة فقد حاولت عديد الأطراف في الفترة السابقة وضع يدها عليه لكن محاولاتها باءت بالفشل وقد أصدر والي سوسة قرارا إداريا دون أن تقف المجموعة الجهوية على أبعاد هذا القرار وأسبابه وغايته يقضي بإخراج الكفيفات من المركز بالقوة العامة وقد حاول تنفيذ ذلك أول مرة بتاريخ 25 أوت 2013 غير أن الكفيفات رفضن ذلك وتمسكن بحقهن في البقاء في المكان الذي تواجدن فيه منذ أكثر من 40 سنة واعتبرن قرار الوالي غير قانوني ، وقد لاقت الكفيفات مساندة من طرف فرع سوسة للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان وعديد الجمعيات والمكاتب المحلية للأحزاب التي اصدرت بيانات اعتبرت فيها قرار الوالي منافيا للجانب الإنساني وغير قانوني. استعمال القوة العامة وتشهير بالكفيفات رغم فشل المحاولة الأولى ، أصر الوالي على تنفيذ قراره الإداري وكان صباح يوم السبت الفارط موعدا لذلك ، حيث حوصرت الكفيفات وكانت صدمتهن كبيرة ومأساتهن أكبر حيث تم اصطيادهن من بهو المركز كالدجاج ولم تشفع لهنّ توسلاتهن ودموعهن عند معتمدة الشؤون الاجتماعية التي رافقت الأمن في عملية التنفيذ ، بل إنها عمدت الى نعتهن بأوصاف غير أخلاقية واتهمتهن بأنهن يمتهنّ التسول ( و قالت أن لها صورا تثبت ذلك ) وأنهن على درجة كبيرة من الوسخ بحسب ما أفادتنا به الكفيفات وبعض شهود العيان وسط ذهول عدد قليل من الجيران الذين شهدوا الواقعة. هذا وقد هب وفد من فرع سوسة للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان منذ الساعة الخامسة صباحا للوقوف على ظروف التنفيذ ومحاولة إيجاد حل إنساني للكفيفات غير أنه لم يتمكن من ذلك وأصدر بيانا عبر خلاله عن استغرابه من أسلوب وتوقيت إخراج المكفوفات ( خلع الأبواب ، نقل المكفوفات بالقوة ) وعدم مراعاة الجانب الإنساني في تطبيق القرار. احتجاز بمأوى العجز الكفيفات أكدن ل «التونسية» انه تم نقلهن بالقوة إلى مركز رعاية المسنين بسوسة ( دار العجز ) واحتجازهن هناك وإجبارهن تحت التهديد على إمضاء وثيقة تفيد بأنهن غادرن المركز طوعا وبإرادتهن وأنهن يلتزمن بعدم العودة إليه مطلقا وعلمت «التونسية» أنه تم ترحيل اثنين منهن إلى القيروان في إجراء مناف لأبسط المقومات الأخلاقية والمبادئ العامة لحقوق الإنسان. الأستاذة سناء ابن عاشور في زيارة للكفيفات نظرا لما في الموضوع من تجاوزات للقيم الإنسانية ومبادئ حقوق الإنسان وتزامنا مع تواجدها في مدينة سوسة لتأثيث ندوة أدت الأستاذة سناء ابن عاشور الناشطة الحقوقية ورئيسة جمعية «بيتنا» زيارة إلى الكفيفات وعبرت عن تضامنها المطلق معهن واعتبرت الكفيفات محتجزات لدى والي سوسة كما اعتبرت إجراءات التنفيذ غير قانونية ووعدت بتفعيل القضية لدى الجهات المعنية والإعلام... ويبقى السؤال الذي تطرحه هذه القضية لمصلحة من ينفذ هذا القرار بهذه الطريقة ومن له مصلحة في هذا العقار؟.