تتواتر الأحداث وتتشابه في النادي الافريقي بشكل يوحي ظاهريا بأنّ عجلة الزمن توقفت في محيط القلعة الحمراء والبيضاء فعلى الرغم من تغيّر العناوين والاسماء بقي الحال كما هو عليه وظلّت دار لقمان حبيسة انكساراتها وخيباتها وحتى في وجود دعم مالي منقطع النظير أو هكذا خيّل لنا تباينت النتائج والمردود وحاد الفريق عن سكّة الانتصارات وبدأت عناوين الفشل تطلّ برأسها من جديد وكأنّ جماعة باب الجديد مصرّون على المرور بجانب الحدث والاكتفاء بلعب دور «الكومبارس» في بطولة شاءت الاقدار فيها ان يكون الأفارقة مجرّد شهود عيان عمّا يدور من حولهم... للانتصار أب واحد وللهزيمة ألف عنوان وعنوان...هكذا تختزل الوقائع في فريق تعوّد الموت سريريا كلّما دبت فيه مؤشرّات الحياة...فريق يلفظ عن جنباته مفاتيح النجاح ويتعلّق بخيوط دخان تعمي البصيرة وتسدّ الآذان قبل ان تصحو الضمائر لكن بعد فوات الأوان... في النادي الافريقي تتّحد العناوين قسرا لتفرز لنا عرّابا واحدا للفشل...عرّاب يتلذّذ بخيباته ويتشدّق ببطولات زائفة زائلة لا وجود لها سوى في ذاكرته القصيرة... يزعم أنّه المهدي المنتظر وأنّهم «حمقى» لم يستشعروا بعد مكامن الخور... يرى نفسه عصيّا عن النقد متربّعا فوق السحاب بفتوة ماله المستراب ويراهم مجموعة من المخرّبين المشرعين لقانون الغاب... هو من وجهة نظره يدفع بسخاء لا ينتظر جزاء ولا شكورا ليدشنّ بلا استحياء أولى لبنات مشروع الافريقي الكبير الذي من دونه سيظلّ في مرتبة الصغير وهم «شعب» هوايته التنظير و التنبير... «شعب» يخادع نفسه و لا يفقه فنّ تقرير المصير... هكذا هو حال النادي الافريقي بنسخته الحالية...نسخة مشوّهة لشعب تفرّق شيعة...موالين ومعارضين...بعضهم يؤمّ الحديقة والبعض الآخر يحجّ بالمكتب الحرام قبالة البحيرة... مارد أحمر خارت قواه رابض أسفل القاع نال من وقاره طيش أبنائه وصراع الاخوة الاعداء... يتأرجح بين جدلية مالك العقار الذي هو في الحقيقة صاحب القرار وبين رمزية آل البيت الذين هم في الأًصل أهل الدار ... هكذا تحوّل الصراع في النادي الافريقي... حرب أهلية على الأبواب يتغذّى لهيبها من فتاوى المال «الحرام» ومن نظرية المؤامرة التي تلامس عنان السماء فقط عندما تتحرّك سواكن الشارع وتتحطّم على أعتابها صورة البطل الهمام... الصراع في الافريقي الآن لم يعد على الالقاب واقتفاء أثر التتويجات بل أصبح مسألة هويّة وانتماء بعد ان دنّس الغرباء ما شيّدته على مرّ السنين أيادي الشرفاء... أصل الحكاية... المطّلعون على خفايا الأمور في النادي الافريقي يدركون حقيقة أنّ ما حصل أمس الاولّ في مركب النادي ليس خطوة احتجاجية على تدني نتائج ومستوى الفريق بل الامر أعمق من ذلك بكثير...فجمهور الافريقي يعي جيّدا ان سباق اللقب مازال طويلا وان الحسم في هوية البطل مازال مؤجلا الى حين كما ان الافريقي قدّم في مباراة الملعب القابسي أفضل مستوياته لكن القلة القليلة التي تحرّكت سواكنها وثارت لتعلن العصيان في ملعب رادس وبعدها في الحديقة أدركت فعلا ان سيناريو الموسم الفارط على الابواب وانّ الرئيس يرتكب نفس الهفوات بمباركة جنده المطيعين المنتشرين هنا وهناك...الاشكال ليس في فورمة إيزيكال أو هروب جودال ولكن في فلسفة الرئيس الذي يتباهى في بلاطه بالقول إنّه حرّ في ماله وملكه يؤته من يشاء ويمنعه عمّن يشاء متناسيا انّ الافريقي لم يكن يوما ملكا لأحد وانه مجرّد عابر سبيل سيقضي وتره الى حين ومنّ ثمّة سينصرف الى حال سبيله بعد ان ينفض ركب الانتخابات ويختار قصر قرطاج فارسه الجديد... ما يحصل في الافريقي هو نتاج طبيعي لفلسفة الرجل الواحد ولدكتاتورية الرئيس «المريض» التي تستمد وجودها من عناوين التابعين وحبر الموالين... فقط في النادي الافريقي يوجد كاتب عام لا يجيد كتابة القانون ولا تفسيره ولا تأويله لتسند تلك المهام الى سماسرة الدار وتكون النتيجة «حرقة» جماعية لأجانب الفريق وحرقة في نفوس الاحباء... في الافريقي الكاتب العام عاشق لألوان الجار, نائب الرئيس يدّعي حبّ الفريق لكنه بلا صلاحيات...مرافق الرئيس وذراعه الأيمن «مكشّخ» حتى النخاع...مستشار الرئيس «ستاديست» والمكلفّ بالتعاقدات من أحباء ال«سي آس آس» ولم يبق في الحديقة من أحباء الافريقي الاّ «العسّاس»... بعد كلّ هذا الخور وفي ظلّ هيئة مديرة لا تجتمع الاّ لتقديم فروض الولاء والطاعة ومع رئيس مزاجي وقوده عناده وأهواؤه يغيّر مدرّبيه أكثر ممّا يغيّر بدلاته هل يجوز الحديث عن مشروع الافريقي الكبير وهل يستقيم الحديث هنا عن مؤسسة رياضية مرّ على بوّابتها أكثر من 20 مسؤولا في عام ونصف العام؟؟؟ في جرد بسيط الافريقي انتدب فاتح الغربي وعمار الجمل والحاج سعيد وبرانس تاغوي وديريك منساه وفرانسيس ناراه وسايدو ساليفو وجودال والحارس سليم الرباعي ووليد الذوادي وهؤلاء جميعا لم يعمرّوا في تشكيلة الفريق بل منهم من لم يلامس بعد قميص النادي... صفقات تبرم في العتمة وتحت جنح الليل... لا يعرف من وراءها ولمن خراجها لكن الاكيد ان الافريقي هو الخاسر الوحيد... زوبعة إعلامية... ما جرّنا لهذا الكلام هو الحديث المتصاعد داخل الأوساط الافريقية أمس الاوّل عن استقالة مرتقبة لرئيس النادي على خلفية موجة الاحتجاجات المتصاعدة والتي نالت من وقاره ومن صورته السياسية الناصعة وهو الذي يجهّز رجاله وعتاده لدخول سوق الانتخابات...استقالة ملأت المواقع الالكترونية وشغلت بال الاحباء قبل ان يطلّ علينا «السبع» نبيل السبعي ويفنّد كلّ هذه الروايات ساردا ثلاثة سيناريوهات مختلفة بين «التونسية» و«حنبعل» و«المتوسط» ويحسب له أنّه لم يحاول الصاقها في خانة الشائعات... رئيس النادي يستجيب لنداء الواجب ويقبل مواصلة المهمة الى نهاية الموسم والحمد لله لم يغلق الافريقي بوابته ولم ينم «جابو» يسأل عن جرايته فالرئيس باق رغم انف الحاقدين...هكذا زفّت حاشية السلطان تمديد إقامة الرئيس والحال ان السيناريو الهوليودي لم يكن بتلك السذاجة ... وبعض فصول الرواية كانت كالآتي... المكتب الاعلامي للرئيس تحرّك باكرا واستجمع من ذاكرته كلّ أرقام الصحفيين سواء الموالين أو المحايدين وسرّب خبر استقالة رئيس الافريقي بعد الأذى المعنوي الذي طاله وبما ان السبق كان مثيرا كصاحبه تسابق الجمع للفوز بسبق كان في الحقيقة طعما ملغوما... الغاية كانت تحريك جمهور الافريقي البسيط على أمل أن تتكرّر غزوة المطار ويهبّ الجميع لنصرة قائدهم المغوار...الكلّ يتحدّث عن استقالة الرئيس وهذا هو المطلوب...اجتماع طارئ واستقالة مع تأجيل التنفيذ لجسّ نبض الجماهير واختبار مدى تعلّقهم بالرئيس... في الأخير ثبت انّ الواقعة مفتعلة وان كلّ عناوينها مزعومة وان الرئيس لم ولن يستقيل ليس حبّا في الافريقي ولكن لأنّ المهمة لم تنته بعد...ظاهريا نجح رئيس الافريقي في الوصول الى مبتغاه لأنّه ملأ الدنيا ضجيجا وشغل الكلّ من حوله وهذا ما كان يريده لكنه لم يتفطّن بعد الى أنّ عودة اسمه الى الواجهة كشفت في جوانب كثيرة منها عيوبا ومساوئ بالجملة وصار الحديث علانية عنه وعن الافريقي حديثا عن صفقة مكشوفة المعالم... سؤال في غير محلّه... وسط الرجّات العكسية التي أحدثتها الاستقالة المزعومة للرئيس تساءل البعض عن مستقبل النادي الافريقي لو ثبتت تلك الرواية ولا أحد تساءل ماذا ينتظر رئيس الافريقي لو تنصّل من مسؤوليته وانسحب في وسط الطريق...ما يحاول البعض تجاهله هو ان زواج المتعة بين «الرياحي» والافريقي لم يكن فيه الجزاء على قدر العطاء... فالرئيس بات بقدرة قادر اسما له وزنه ورنته على الساحة الرياضية والسياسية بفضل الافريقي في حين انّ فريق باب الجديد مازال مقيّدا بعناوين الماضي وتائها بين محطات الفشل...عيب الرئيس انّه يرى نفسه صاحب أفضال ومزايا ودونه تتوقف عجلة الحياة عن الدوران لأنّه يجهل تاريخ الافريقي ولم يع بعد أنّه مجرّد عنوان ستطويه عاجلا أو آجلا دفاتر النسيان ليبقى الافريقي وحده شامخا أبرز عنوان... فرصة أخيرة... ما حصل مؤخرا من تطورات مثيرة في الافريقي يمكن ان يكون رسائل مشفرّة على مكتب الرئيس مفادها انّ الملك لا نفوذ له في فريق الشعب وأنّ فلسفة «عاش الملك مات الملك» تسمن حينا لكنها لا تغني من جوع لذلك «لوبانة» الاستقالة التي يلوكها باستمرار ليست أفضل خيار وعوض ان يمتهن شروط «العازب على الهجالة» عليه ان يدرك أنّ الافريقي صاحب فضل عليه وأنّه مدين لهذا الصرح الكروي الكبير الذي انتشله من «الظلمات» الى النور...رئيس الافريقي مطالب بأن يتفحّص مليا عن يمينه وعن شماله وان يتخلى ولو مرّة وحيدة عن تطاوسه وغروره ويفهم أنّه جزء من هذا الفشل بل سبب مباشر فيه لأنّه سلّم الأمانة إلى من هم ليسوا أهلا لها فكانت النتيجة «ديقاج يا رمز الفشل»... وحتى لا يفوته القطار عليه طيّ صفحة «غزوة» المطار لأنه ليس كل الناس عبيدا للدينار ..