بقلم: راضية الجربي (رئيسة إتحاد المرأة) احتفل العالم بأسره باليوم العالمي للمرأة تحت شعارات مختلفة، أجمعت كلها على جملة من القيم والمبادئ التي تسعى لتحقيق المجتمع المثالي والفاضل والعادل «المساواة للمرأة، تحقق التقدم للجميع»، «لا لكل أشكال التمييز ضد المرأة» «الدستور التونسي ضامن لحقوق المرأة» «كلنا في الشارع إن اقتضى الأمر» ..... اختلفت الشعارات وكثرت البيانات والخطب وتنوعت المنابر التي حضرتها الشخصيات الرسمية والسياسية لتتشدق بحقوق المرأة في بعدها الكوني، وواكبتها مختلف وسائل الإعلام من زوايا مختلفة، لينتهي بانقضاء ذلك اليوم تفكيركم في شواغل المرأة ومشاكلها ومتاعبها وآلامها وأحزانها ومخاوفها. وتتجاهلون بعد ذلك قضايا النساء المعنّفات والمهمشات والمغتصبات وفاقدات السند والعاطلات عن العمل والمعوقات والكادحات والمنهوكات القوى الراكضات بين أعباء المنزل ومتاعب الأسرة ودروس الأبناء ولمج الأطفال وتسلّط الأعراف على العاملات في المزارع والحقول الحاملات لهموم الأسرة على كاهلهن وبين أضلعهن، نساء تونس في الريف وفي داخل تونس اللاتي اضناهنّ برد الشتاء القارس وحر الصيف الساخن وانحنت ظهورهن من أعمال الفلاحة وأغلظت أيديهن الزراعة والحراثة والبذر والحصاد . نساء تونس العاملات في الحقول والمصانع، المساهمات في الانتاج، المكابدات لساعات طويلة من العمل منذ ساعات الفجر الأولى، لتوفير رزقهن وتحقيق الأمن الغذائي رغم انّهن غير محميات قانونيا. نساء تونس العاطلات عن العمل الحاملات للشهائد العليا مثقلات بأحلام الطفولة وطموح الشباب التي تبخرت بانتهاء السنوات الجامعية ومواجهتهن لواقع مؤلم. بانتهاء هذه الاحتفالات نتناسى من جديد هموم نساء تونس من الثكالى الفاقدات للأبناء والأحبّاء بيد الغدر والإرهاب. نتجاهل من جديد نساء تونس المناضلات المكافحات والمجاهدات بالقلم والساعد وبالجهد والفكر... من موقعهنّ موظفات الاتحاد الوطني للمرأة التونسية، منهكات مثقلات مضطهدات، كان لهذه المناسبة التاريخية وقع متميّز ومذاق خاص ، يوم آخر ليس ككلّ الأيام أضيف لرحلة معاناتهن وسلبهنّ لحقهن في العيش الكريم، جرّاء حرمانهن من أجورهن لمدة تجاوزت السنة، هنّ جزء من النساء التونسيات الحاملات للذاكرة الوطنية، لذاكرة كل امرأة تونسية في قوّتها وفي ضعفها، هن حاملات لذاكرة تونس بأسرها، لجزء هام من تاريخها، لفترة هامة من مساهمة المرأة في بناء الدولة الحديثة، يعملن بشكل دؤوب ومتواصل لا ينتهي بانتهاء المناسبات ولا بانقضاء الاحتفالات ولا الأعياد ولا المراسم، عمل نبيل، ومهمة إنسانية ونضالية تدركها نساء الاتحاد ومناضلاته المتطوعات لخدمة كل النساء.. يفتحن قلوبهن للمرأة المعنّفة، المهمّشة، المطلّقة، الريفية، المثقفة.. كل يوم يصغين إليها يؤازرنها، يساعدنها ويدافعن عنها بكل ما لديهن من قوة. نساء الاتحاد مواصلات عملهنّ بنفس الثبات ونفس الاصرار في صمت ومكابرة ومثابرة رغم ضعف الموارد وقلة الدخل وفقدان الأجر والراتب، رغم كيد الكائدين ورغبة المتحزّبين الكارهين للمرأة، الراغبين في القضاء على المنظمة، على ذاكرة تونس، على ذاكرة نساء تونس، الراغبين في طمس كل شيء ايجابي في بلادنا في وطننا العزيز.. رغم القضايا ورغم المصاعب ورغم الجوع ورغم التهميش ورغم الألم ورغم التسويف ورغم الصعاب ورغم المماطلة لم يغلق باب منظمتهم ولم تفارق البسمة شفاههنّ، ولا الكلمة الصادقة أفواههنّ، من اجل كل نساء بلادنا من أجل أسرهنّ من أجل أبنائهنّ نواصل عملنا .. اجتمعتم وتجتمعون جمعيات ومنظمات وأحزاب ومفكرين وحقوقيين وبرلمانيين وسياسيين دون التفكير في مصير منظمتنا ؟؟؟ تذكرون بأنها وطنية وأنها جزء من تاريخ تونس وانه لا يمكن حلها أو تغييبها وتتشدّقون بأنها عتيدة وعريقة وبأن جذورها تمتدّ في تاريخ الحركة الوطنية وأنها أول منظمة نسائية شاركت في مسيرة تحرير المرأة التونسية... لكن وللأسف تبقى كلماتكم وخطبكم رهينة اللحظة لا غير... لم يكن احتفالنا احتفالا ولا إحياء هذه الذكرى مناسبة لإدخال البهجة على موظفينا ولا على نسائنا ولا على المنتفعات بخدماتنا.. لم نعرف جميعا طعم العيد كما لم نعرف طعم أعياد دينية ووطنية أخرى .. لكن الاتحاد الوطني للمراة التونسية لن يخذل المرأة ولن يتوانى عن تمثيلها وحمل همومها ومشاكلها وتبليغ صوتها ونشر صورتها.. لكننا لن نتردّد في تحميل مسؤولية هذا الوضع لكل السلط المعنيّة من الحكومة والسيد رئيس الجمهورية التونسية رئيس كل التونسيين والتونسيات.. الى كل القوى الوطنية الديمقراطية المؤمنة فعلا بحقوق المرأة وكرامة المرأة، الإنسان...