10 سنوات مضت على آخر تعداد عام للسكان والسكنى عرفته تونس، ومنذ ذاك التاريخ أصبحت ترجمة عديد من المعطيات والبيانات الديمغرافية والاجتماعية والاقتصادية إلى أرقام صحيحة ودقيقة.. ضربا من التخمين ونوعا من المقاربة النسبية. فلا أحد بإمكانه مثلا الإجابة عن السؤال: كم يبلغ عدد سكان تونس من نسمة اليوم؟ لقطع الشك باليقين انطلق يوم 23 أفريل الماضي التعداد السكاني لسنة 2014 ليتواصل إلى غاية 15 ماي الجاري. فما هو صدى هذه العملية الإحصائية في الشارع التونسي؟ ما هي ظروف عمل أعوان التعداد؟ وماذا عن مفاجآت الميدان؟ وإلى أيّ مدى تقدّم سير التعداد؟ وكيف تعامل التونسيون مع أعوان الإحصاء؟ للإجابة عن هذه الأسئلة نزلت «التونسية» إلى الشارع واتصلت ببعض المشرفين على الإحصاء فكان الريبورتاج التالي: «بحسابنا نبنيو بلادنا» تحت هذا الشعار انتشر أكثر من 18 ألف عون تعداد في مشرق البلاد ومغربها وتوزّعوا من شمالها إلى جنوبها سائلين ومستفسرين عن عدد من المعطيات ومسجلين ومدوّنين لعدد من البيانات قصد تحليلها وغربلتها والخروج منها بقاعدة من الإحصائيات والمعلومات تكون مرجعا في إجراء البحوث والدراسات التي تتطلّبها برامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية والإدارية. «أهلا وسهلا» للمرة السادسة منذ الاستقلال ولأوّل مرّة بعد الثورة، انطلق التعداد العام للسكان والسكنى لسنة 2014 من الدائرة البلدية «العوينة» يوم 23 أفريل الماضي ليجوب أعوان الإحصاء كافة ربوع الوطن إلى غاية يوم 15 ماي الجاري مسترشدين عن معطيات ديمغرافية واقتصادية واجتماعية.. وفي هذا السياق قال «مبروك المهيري»: أهلا وسهلا بهم.. وعلى الرحب والسعة ولهم منّا كل التعاون والاحترام لإتمام عملهم ومدّنا بإحصائيات دقيقة حتى نعرف كأبسط مثال كم يبلغ عدد سكّان تونس اليوم.. وعلينا أن نكون من جهتنا صادقين في الإجابة عن الأسئلة وأن نضطلع بروح الوطنية في إنجاح هذه العملية خدمة لبلادنا». وبابتسامة ارتسمت على شفتيها ونشوة طبعت صوتها كمن غنم شيئا ثمينا هتفت الخالة «زهرة» في فرح «جاونا جماعة الإحصاء وفرحنا بيهم!» وأردفت قائلة: «الحق لا يغضب.. ولا داعي للتوجّس خيفة من التصريح بالأملاك وظروف المعيشة وأحوال الأسرة.. فهي ستظل سرية للغاية ولن يعلم بها أحد.. هكذا أفهمنا أعوان الإحصاء». يسألون عن «الشقيقة والرقيقة» 146 سؤالا تتعلق ب13 محورا هي فحوى استمارة عملية الإحصاء التي يعتمد عليها أعوان التعداد في طرقهم لأبواب البيوت بحثا عن إجابات صريحة ومعطيات دقيقة: عن نوع المسكن وعدد أفراد الأسرة وصنف المهنة وطريقة التنقل.. والقائمة تطول.. فهل يتمتع الجميع برحابة صدر وبطول بال مما يجعلهم من أصحاب السخاء في «التبرّع» بحوالي ربع ساعة من وقتهم في الرد على أسئلة أعوان معهد الإحصاء؟ الإجابة جاءت على لسان السيدة «نجوى» ب«لا» مضيفة: «لقد قصد بيتي أحد الأعوان.. وأغرقني بوابل من الأسئلة منها ما هو معقول ومنها ما هو غير مقبول وشخصيا بدت لي بعض الاستفهامات «زائدة» ومقحمة إقحاما ولا جدوى منها فرفضت الإجابة عنها لأني اعتبرتها مسّا من أسراري العائلية الخاصة التي أخفيها حتى عن أقرب الناس إليّ.. ولا أدري لِمَ هم يسألون عن «الشقيقة والرقيقة» وعن «البسباس واللّي زرعو؟»... من جهتها روت الشابة «مروى» أنّ إحدى جاراتها تعرّضت لسؤال محرج من قبل إحدى أعوان الإحصاء حيث سألتها: «هل نمت بالمنزل البارحة؟» ولما ضحكت المُستجوبة من السؤال أفهمتها عون التعداد أن الإجابة ضرورية وإلاّ فإن مشكلة ستقع! مصداقية نسبية وثقة مهتزّة «سمعت والعهدة على من روى أنه تم منع عون متنقّبة من دخول أحد البيوت في قفصة.. وشخصيا شاهدت أعوان إحصاء في حالة سكر وكانوا يمتطون وسيلة نقل معهد الإحصاء والمخصصة أساسا للقيام بعملية التعداد..» هذا ما قاله «شاذلي العرايبي» منوّها بفوائد الإحصاء وأهميته في رسم مخططات التنمية واستراتيجيات الاقتصاد وفقا لقاعدة البيانات التي أثمرها التعداد العام للسكان والسكنى». أمّا الصديقتان «نادية» و«سهير» فقد اتفقتا على أنّ من شأن تكتّم البعض عن البوح بعدد من المعطيات أو تقديم إجابات خاطئة أن يعيق الحصول على إحصائيات حقيقية وواقعية وعلى أن مصداقية عملية التعداد أو أيّ عمل إحصائي آخر تبقى في ظل ذلك نسبية». «الخوف من الضرائب وزيادة الأداءات» هما دافعان أساسيان يجعلان بعض المواطنين يرفضون الإجابة عن أسئلة أعوان التعداد حسب «محمد علي» الذي أضاف قائلا: «مازال الناس يتوجّسون من استغلال النظام السابق للمعلومات الإحصائية لغايات حزبيّة وسياسية وتلاعبه بها بين الإخفاء والإظهار.. وجراء هذه الثقة المهتزّة فإن البعض من معارفي كذب في بعض المواقع أو امتنع عن التصريح جملة وتفصيلا.. وشخصيا أعتبر أن ثقافة العون في التواصل وطريقته في تقديم نفسه والتعامل مع الطرف الآخر هي البوصلة التي ستحدد وجهة العملية الإحصائية». عنف و«براكاجات» ليس عمل أعوان التعداد بالمهمة اليسيرة ولا بالسهلة فهي تتطلّب تمكنا من تقنيات الاتصال وقدرة عالية علىالإقناع وأيضا مرونة ورباطة جأش في التعامل مع مختلف الأصناف والفئات الاجتماعية وتهيّئا مسبقا للطوارئ والمفاجآت.. وفي الفترة الأخيرة تردّدت في أرجاء العاصمة أنباء عن تعرّض أعوان للإحصاء إلى «سوء معاملة» من قبل البعض وصلت حد الاعتداء بالعنف بوجهيه المعنوي والمادي.. وللتأكد من صحة هذه الأخبار اتصلت «التونسية» بمدير المعهد الوطني للإحصاء «هادي السعيدي» الذي أقرّ تعرّض عدد من الأعوان إلى بعض الممارسات «غير اللطيفة» المتمثلة في طرد وسبّ واعتداء بالعنف المادّي.. كاشفا وقوع عمليات «براكاج» استهدفت بعض أعوان التعداد. وشدّد السعيدي على أن مثل هذه الحوادث متوقّعة الحدوث لارتفاع منسوب العنف بعد الثورة لكنها تبقى حالات شاذة ونادرة الوقوع إلى درجة أنها تكاد منعدمة. أما أسباب هذا العنف فأرجعها مدير معهد الإحصاء استنادا إلى أمثلة ميدانية إلى سخط بعض المواطنين البطالين والمفلسين على وضع البلاد عموما أو إلى خصامهم مع المعتمدية أو البلدية أو الحذر المبالغ فيه في البوح بالمعطيات الشخصية.. كما نفى حكاية طرد المتنقبة بمدينة قفصة مستدلا بذلك على أنه لا وجود أصلا لمتنقّبة في فريق التعداد. تقدم كبير وعن مدى تقدّم عملية التعداد صرّح مدير الإحصاء الذي كان متواجدا أمس بتوزر لمتابعة العملية الإحصائية بالجهة قائلا: «رغم ضعف الحملة التحسيسية فقد فوجئت وسررت بقطع شوط كبير من العملية هنا في توزر وفي 14 جهة أخرى قمنا بزيارتها في وقت لاحق وهذا يعود إلى وعي المواطن بأهمية التعداد الذي يعد مسألة مصيرية بالنسبة للأجيال القادمة على كافة الأصعدة من تعليم وتشغيل وصحة.. فبالأرقام الدقيقة تُبنى بحوث التنمية الصحيحة». وبخصوص مدى صحة المعطيات الإحصائية التي ستثمرها عملية التعداد العام للسكن والسكنى لعام 2014 أكد المدير «هادي السعيدي» استجابة معايير عمل المعهد إلى المقاييس العالمية قائلا: «تقنيا اعتمدنا هذا العام على تقنية متطوّرة تستعمل لأوّل مرّة في إفريقيا والعالم العربي قصد ضمان نتائج أكثر دقة وبنسبة خطإ ضئيلة... كما يبقى المعهد الوطني للإحصاء مؤسسة محايدة ومستقلة وغير قابلة للتوظيف».