بقلم: جيهان لغماري «الماتادور» هذا الفارس الذي يتلذذ مصارعة الثيران تحت هتافات الجماهير المتعطشة لغريزة القوة والدم، انتهى دوره حتى في بلدان اللعبة بامتياز تحت ضغط منظمات الدفاع عن الحيوان. فمن يحمينا نحن من «الماتادور» السياسوي الذي يصارع طواحين الريح؟ حتى أوشكت البلاد على أن تخرّ صريعة أمام «فَهْلَوَتِه» وقدرته على توليد المشاكل الهامشية وتأجيج نار الأزمات والتراشق بأقسى النعوت والشتائم. من مميزات هذا «الماتادور» أنه يتلوّن بكل الشخصيات، قد يكون حزبا، أو جناحا فيه أو ائتلافا جبهويا أو شخصا أو حتى من المحايدين جدا من المحسوبين على حزب أو جزء فيه أو على ائتلاف! وتلك قمة الاستقلالية التي تؤكد أنّ قيادته لتوليد الأزمات لا تنبع في الحقيقة منه بل من أطراف تسعى للتصعيد دون أن تتورط في تبعاته، لذلك كم مرة بدأ هذا «الكومبارس» نزالا وهميا بالصراخ والتباكي، ثم يبحث لاحقا عن مبررات لانفعاله وتشنّجه المنفلت من كل أخلاقيات العمل السياسي النزيه. من الخصائص الأخرى اللافتة في هذا الكائن العجيب، تواجده في كل الحساسيات الإيديولوجية من يمين اليمين إلى يسار اليسار مرورا بالقوميين والوسطيين والتجمّعيين (ألم يقولوا إنهم ساهموا في الثورة؟)، دون أن تكون للقيادات هنا أو هناك القدرة على لجمه وأغلب الظن ليست لها الرغبة في ذلك وكأنها تحتاج لهذا الخطاب الانفعالي كمخزون احتياطيّ قد يقع استعماله أوقات الشدّة لحشد الأنصار وإعلان حالة التأهب والنفير!. إذا عبّر البعض عن رأي يخالفه، ساقه «الماتادور» بالسلاسل إلى حلبة الثورة المضادة، وإذا تساءل مواطن عن استحقاقات الثورة، تداعى إليه ب«حُمّى» مفهوم الدولة وضرورة بناء مؤسساتها، وإذا دافع أحدهم عن الدولة انهال عليه بحتمية مواصلة المسار الثوري. ألم يجعلوا القضية الفلسطينية مطيّة لمزايداتهم؟، لم يُدرجوا تجريم التطبيع في الدستور لأسباب إجرائية تقنية بحتة على حد قولهم، ثم قرعوا طبول تحريرها من النهر إلى البحر وأتوا بالوزيريْن صاغريْن حتى إذا ما استوفوا أدوار البطولة أمام الكاميرا، انقلبوا مطالبين بسحب إمضاءاتهم من لائحة اللوم حتى لا يمروا إلى التصويت، وحده الكفيل بتعرية ما في سرائرهم من مزايدات وبطولات وهمية شعارها النجاح بأسلوب «ميكيافيلي» في الانتخابات القادمة فالغاية تبرر الوسيلة. إنّ «الماتادور» الساكن في كل الأحزاب خطر على تطوّرها وعلى استقرار البلاد لأنّ مضرّته دائمة في الزمن وليست ظرفيّة، فخطابه الانفعالي قد يجد هوى عند القواعد ولكنّ اصطدامه بحقيقة يتجاهلها وهي أنّ العمل السياسي بعد الثورة لم يعد حكرا على حزب واحد يدّعي الحقيقة المطلقة، قد يعجّل باستمرار الاحتقان وتناسل الأزمات. وهذه الدائرة المفرغة خَبِرْنا نتائجها باغتيالات سياسية وارتفاع وتيرة المطلبيّة المشطّة وخاصة فقدان ثقة أغلبية الناس في الطبقة السياسية. لسنا بحاجة إلى «ماتادور» سياسوي بل إلى توافق بين كل الفرقاء على أرضية قانونية وسياسية يُمارَس داخل أطرها التصرف في الاختلاف وفق منظومة تساوي بين الجميع وتعاقب كل من ينتهك هذه الأطر مهما كان حجم الحزب جماهيريا ليكون التنافس بالبرامج هو الأصل بعيدا عن مفهوم الصراع الذي يستدعي دائما مظاهر العنف المعنوي والمادي. أيها ال«الماتادور»، DEHORS!.