أثار بيان حزب «التكتل من أجل العمل والحريات» الداعي الى اعادة النظر في القوانين المتعلقة باستهلاك المخدرات بعد ان اثبتت عدم نجاعتها على حدّ تعبير الناطق الرسمي باسم الحزب وضرورة التساهل مع مستهلكي «الزطلة» والذي اصدره الحزب على خلفية ايقاف الشابين عزيز عمامي وصبري بن ملوكة وايداعهما السجن بتهمة استهلاك مادة مخدرة ردود افعال متباينة. كما جعل الحديث عن انتشار هذه المادة بين صفوف الشباب التونسي يطفو على الساحة من جديد. فماهو رأي رجال السياسة في الموضوع؟ وهل يتفقون على تخفيف العقوبة على مستهلك «الزطلة» وماهو رأي الدين في ترويجها واستهلاكها وماذا يقول القانون ؟ «التونسية» تحسست آراء بعض السياسيين ورجال القانون حول هذا الموضوع وتحدثت الى شيخ جامع الزيتونة المعمور وخرجت بالسطور التالية. تطبيع مع الفساد اكد رضا بلحاج الناطق الرسمي باسم «حزب التحرير» ان الدعوة الى التسامح مع مستهلكي «الزطلة» ومراجعة القوانين المتعلقة باستهلاك هذه المادة تتنزل في اطار استدراج المجتمع نحو التطبيع مع الفساد مشيرا الى ان الداعين الى ذلك اناس لا يتحلون بالمسؤولية تجاه افراد المجتمع مؤكدا ان تصوراتهم السياسية والفكرية خالية من المفاهيم البناءة مثل مفهوم الأمة والدين والحضارة مشيرا الى ان استسهال مثل تلك الامور يؤدي الى الميوعة والفساد. وقال رضا بلحاج ان الداعين الى تخفيف العقوبة على مستهلكي «الزطلة» أو المشجعين على استهلاكها هم اعداء الاسلام لهم أحقاد ضد الدين الاسلامي ومشكلة مع تاريخ الامة ووصفهم ب «غرباء الزمان والمكان». من جهة أخرى أكد رضا بلحاج انه لا يجب التساهل مع الجريمة حتى لو كثرت مشيرا الى ان انتشارها ليس مبررا لالغاء العقوبة. واقترح بلحاج اضافة الى تنزيل العقوبة بالمجرم ضرورة خضوعه الى حصص تربوية من شأنها تقويم سلوكه. وأضاف بلحاج في ذات السياق ان بعض الداعين (من الساسيين او الحقوقيين) الى ضرورة مراجعة قانون استهلاك «الزطلة» والتسامح مع مستعملها من منطلق ان الشخص حرّ في جسده هم جزء من الأزمة مشيرا الى أنهم ليسوا جديرين بأن يتكلموا عن مصير الأمة أو مستقبلها مؤكدا على ان المجتمع التونسي يعيش ازمة على كل المستويات حيث عم الفساد كل ارجائه وان تساهلنا مع مستهلكي الزطلة من شانه ان يخلق مجتمعا «مترنحا» مستدلا على ذلك بقول الامام الغزالي: «اذاحضرت الشهوة غاب العقل». محمد خوجة (حزب جبهة الاصلاح): «حرام في حرام» من جانبه قال محمد خوجة رئيس «جبهة الاصلاح» ان مسألة تعاطي المخدرات هي قضية ممنوعة ومحرمة من كل الجوانب القانونية والاجتماعية والاخلاقية والدينية. واعتبر خوجة ان الدعوة الى تخفيف عقوبة تعاطي المخدرات في تونس سابقة خطيرة وظاهرة غربية من شأنها ان تزيد في تعميق المشاكل الاجتماعية وتساهم في تفكيك الترابط الاسري داخل المجتمع. ومن المنظور الديني الشرعي، أشار خوجة الى ان القرآن الكريم وكل الاحاديث النبوية حرمت استهلاك المخدرات والخمور وكل ما من شانه ان يغيّب العقل لكون الدين الاسلامي يعمل على ضمان مصلحة الانسان وإبعاده عن المضرّة. وشدد خوجة على ضرورة منع تعاطي «الزطلة» منعا باتا ومقاطعة كل الدعوات الداعية الى التحفيف من العقوبة وتليين القانون المتعلق بها. واعتبر خوجة ان الاطراف الداعمة لهذه الفكرة تريد تغيير الهوية الاسلامية من خلال إباحة استهلاك «الزطلة» في تونس مشيرا الى ان هذه المواقف مجرد مزايدات سياسية وحملات انتخابية سابقة لأوانها يراد من خلالها استقطاب الشباب عن طريق تضليلهم وابعادهم عن الطريق الصحيحة حسب قوله. وقال خوجة ان سبل بناء مجتمع سليم تكون بتربية الاجيال على قواعد الاسلام السمحاء والاحترام المتبادل دون الزج به في دواليب الفساد عبر تقنين ظواهر غريبة عن مجتمعنا واتباع الدعوات المشجعة على الانخراط في هذا الطريق الخاطئ على حد تعبيره. آمنة منصور القروي (الحركة الديمقراطية للاصلاح والبناء): لا يمكن إلغاء العقوبة أيا كان السبب من جانبها شددت آمنة منصور القروي رئيسة «الحركة الديمقراطية للاصلاح والبناء» على ضرورة معالجة موضوع استهلاك «الزطلة» بمقاربة شاملة ليس فقط بالمعالجة الزجرية بل باحاطة الموضوع من كل جوانبه الصحية والنفسية. وأضافت رئيسة الحركة ان الحفاظ على النمط المجتمعي التونسي يسمح بمزيد تفشي هذه الظاهرة في الاوساط الشبابية والتلمذية ناهيك ان نسبة الاستهلاك المعلنة ناهزت حدود العشرة آلاف على حد قولها. و اعتبرت القروي انه ورغم الحديث عن حلول جانبية لمعالجة عقوبة استهلاك «الزطلة» فإنه لا يمكن الحديث باي شكل من الاشكال عن إلغاء العقوبة ومخالفة القوانين المعمول بها في هذا المجال. وقالت القروي انه لابد من اطلاق حملة وطنية حول هذا الموضوع لمعالجته معالجة سليمة معتبرة انه من العيب ان نسكت عن هذه الآفة التي تهدد مستقبل ابنائنا وبناتنا مشيرة الى ان للاتجار في المخدرات تاثير سلبي على الاقتصاد الوطني خاصة وان التجارة في هذه المادة مزدهرة جدا وتحتل نصيبا كبيرا من السوق السوداء وهو ما يتسبب في اهدار أموال ضخمة تعد بمئات المليارات. وأوضحت القروي انه أصبح ضروريا مقاومة كل اشكال التهريب وتشديد الرقابة على التجارة الموازية عبر تكثيف المراقبة خاصة ما يتعلق بتجارة المخدرات والزطلة وما شابه ذلك من مواد خطيرة ومضرة بصحة الانسان. وأضافت القروي ان طرح ظاهرة استهلاك المخدرات للنقاش مرتبط اساسا بظاهرة المتاجرة بها معتبرة ان هذه المرحلة هي الأسبق والاهم قائلة: «لولا الإنتشار المهول لهذه المواد الخطيرة والسموم بيننا والحصول عليها بأسهل الطرق لما اصبحت بهذا الإنتشار كما ان البضائع المتدفقة من بعض البلدان الشقيقة وكثافة المبادلات التجارية عبر تجارة الحدود شجعت ذوي النفوس المريضة والنوايا السيئة على إستغلال هذه الفرصة المتاحة لكسب الرزق عبر زرعها داخل مجتمعنا وترسيخها لدى عقول شبابنا». زهير المغزاوي (حركة الشعب): مرفوضة دينيا وأخلاقيا من جانبه اكد زهير المغزاوي امين عام «حركة الشعب» انه ضد التساهل مع استهلاك «الزطلة» رافضا ان تكون هذه المادة متوفرة بصورة قانوية في الفضاءات التجارية. وأشار المغزاوي الى ان مادة الزطلة انتشرت بعد الثورة بشكل كبير وكثر ترويجها واستهلاكها بفضل انتعاش تجارة التهريب وعدم وجود رقابة جيدة على الحدود والمعابر وعدم الضرب بقوة على أيادي المهربين. ولفت المغزاوي الانتباه الى أن «الزطلة» أصبحت تروج في الاحياء الشعبية وامام المعاهد والكليات مشيرا الى ان حالة الاحباط التي يمر بها الشباب في تونس جعلت جزءا منه يسقط في أيدي السلفيين المتشددين وجزءا آخر يخيّر «الحرقة» وجزءا ثالثا يسقط بين ايدي مروجي المخدرات و«الزطلة» والذين يجب الضرب على ايديهم. واكد المغزاوي على ان استهلاك «الزطلة» مرفوض دينيا واخلاقيا. مراد العمدوني (التيار الشعبي): مطيّة لتصفية الثوار والمثقفين أمّا مراد العمدوني النائب بالمجلس الوطني التأسيسي عن «التيار الشعبي» فقد وصف الفصل 52 المتعلق باستهلاك «الزطلة» بالقانون الجائر، داعيا الى ضرورة مراجعته، معددا سلبيات هذا القانون الذي قال انه لا يمثل حلا لمعالجة هذه الظاهرة وانما يضاعف معاناة الشباب التونسي المتعاطي لهذه المادة وتدمير مستقبله بسلبه حريته والزج به في غياهب السجون. كما شدد مراد العمدوني على ان القانون 52 يمثل – برأيه - مطية لتصفية الثوار والمثقفين خاصة وانهم يمثلون شريحة كبيرة من متعاطي هذه المادة، مضيفا: «انها مشكلة اجتماعية لا يمكن معالجتها الا بالتدرج في العقاب وليس من المعقول ان يزج بكل من يخطئ أول مرّة في السجن». وطالب مراد العمدوني بضرورة اطلاق سراح مستهلكي مادة «الزطلة» شريطة خضوعهم للعلاج والتأهيل النفسي والصحي للاقلاع عن تعاطيها. عبد الرؤوف البعزاوي (محام لدى التعقيب): حالات يمكن التساهل معها ومن وجهة نظر قانونية افادنا عبد الرؤوف بعزاوي المحامي لدى التعقيب بان هناك جدلا حول تنقيح القانون عدد 52 المؤرخ في 18 ماي 1992 المتعلق بالمخدرات الذي اثبتت التجارب انه عاجز عن الحد من تجارة المواد المخدرة وغير قادر على ردع مستهلكيها الذين تتزايد اعدادهم من سنة الى أخرى رغم ما نص عليه هذا القانون من عقوبات زجرية. وقال البعزاوي انه لا يمكن قاضي الاجتهاد في قضايا المخدرات طالما ان القانون واضح ولا غبار عليه في ما يتعلق بهذه المسألة مشيرا الى وجود فصل آخر يخص الاطفال والمثقفين خاصة ان ثبت أن هؤلاء الاشخاص يتعرضون الى ضغوطات نفسية او اجتماعية او مادية دفعتهم الى الاقبال على هذه المواد. وأضاف: ماعدا هذه الحالات الانسانية لا بد من تطبيق القانون بصرامة ومحاسبة من أخطأ» شيخ جامع الزيتونة المعمور: محرمة شرعا والقتل عقوبة مروّجها هل ان استهلاك «الزطلة» محرم شرعا باعتبارها من مذهبات العقل قياسا بالخمر؟ سؤال طرحناه على شيخ جامع الزيتونة المعمور حسين العبيدي فأجابنا ان كل مادة سواء كانت سائلة أو تستعمل للتدخين والشرب وتذهب العقل محرمة شرعا لأنّ هذه المواد تعطل جميع الحركات سواء كانت لصالح الامة او لصالح الانسان حسب قوله مضيفا ان هذه المواد تشل العقل عن النمو والانتاج مشيرا الى ان الشريعة لا تحرّم شيئا إلاّ لأن في تحريمه مصلحة للناس والأمة مؤكدا ان الخمور بجميع انواعها (وهي سائلة)محرمة وان كلّ ما هو محرّم يعاقب على فعله ويثاب على تركه وكل ماهو مذهب للعقل محرم شرعا ايضا وربما يكون العقاب اشد عندما يتعلق الامر باستهلاك ما يسمى ب «الزطلة» او بالمخدرات عن كطريق الشم ملاحظا أن هذه المواد اكثر ضررا على الانسان لانها تصيب الأعصاب ويصبح صاحبها مدمنا ولا يستطيع التخلي عنها وانه لذلك تشدّد المشرّع في معاقبة متعاطيها اكثر من تشديده في العقاب على متناول الخمر . وقال شيخ الجامع المعمور ان الامام القرافي ذكر في فرق من كتابه «الفروق» ان الذي يتناول «الزطلة» أي المخدرات موجب للتعزير والتعزير عقوبته تصل الى القتل والاعدام بالنسبة للمروج. أما المستهلك فعقابه اشد من عقاب متناول الخمر لأن الذي يتناول هذه المواد عن طريق التدخين او الشم يفقد الرجولة وتغلب عليه صفة الانوثة وتنهار اعصابه وتبلغ به النشوة درجة التفريط في نفسه. فالزطلة حسب رأي الشيخ حسين العبيدي أشد تأثيرا على جسم الانسان وعلى خلايا المخ من الخمرة وعندما حرم المشرع استهلاكها وشدد العقاب على مستهلكها فهو لمصلحة الناس والأمة على حد تعبيره. من جهة اخرى اكد شيخ جامع الزيتونة ان من يحاول التخفيف أو التسامح في العقاب مع من يتعاطون «الزطلة» يعين على نشر الرذيلة في المجتمع وهدم الفضيلة فيه وشل حركة مصالح الامة من اقتصاد وعمل وانتاج ويدعو الى ضرب أجسام الشعب التي ستنخرها هذه المواد ويصبح الافراد مخدرين منهاري الأعصاب وهو ما من شأنه ان يؤثر على العائلة فيكثر الطلاق وتتفكك الاسر وينهار المجتمع. وختم شيخ جامع الزيتونة كلامه بان جامع الزيتونة ضد من يتساهل او يجاري مدمني استهلاك «الزطلة» او كل صنيع من شأنه ان يضرب المجتمع في الصميم. النقابة الوطنية لقوات الأمن الداخلي: تهديد للهوية من جهتها حذرت النقابة الوطنية لقوات الامن الداخلي من دعوات التخفيف من عقوبة تعاطي المخدرات الممنوع استهلاكها بقانون 18 ماي 1992 واقل عقوبة فيها سنة سجنا والف دينار معتبرة ان الاطراف الداعمة لهذه الفكرة تريد تغيير الهوية التونسية المسلمة المعتدلة كما تريد الضغط قصد إباحة استهلاك «الزطلة» بتونس لكي يصبح هذا الوطن مرتعا للمهربين ولتجارة المخدرات والإنحلال الأخلاقي وتكاثر القضايا الإجرامية وتبييض الأموال. راضية القيزاني