كنا حاورنا في شهر جويلية من سنة 2013 رجل الأعمال التونسي الأسعد سهل بعد أن أصدرت المحكمة الابتدائية بتونس حكما إستعجاليا لفائدته بإجراء عقلة توقيفية على أرصدة مصرف ليبيا الخارجي وذلك بما يفي بخلاص مائة وثمانية ملايين وسبعمائة ألف دولار أمريكي أصل الدين المتخلد لفائدة الطرف التونسي يضاف إليه الفائض القانوني الجاري على اصل الدين، وشملت العقلة التوقيفية أربعة عشر بنكا تشمل أهم البنوك التونسية . ونعود لمتابعة تطورات هذه القضية التي انطلقت في شهر مارس 2011 حين طلبت شركة «الشرارة الذهبية» الليبية من شركة LMS التونسية تزويدها ب100 ألف طن من البنزين مقابل مبلغ يناهز 162 مليون دولار امريكي، وفتحت الشركة الليبية اعتمادا بالمبلغ بتاريخ 9 أفريل 2011 وهو اعتماد معزّز وغير قابل للإلغاء عن طريق المصرف العربي التركي بتركيا . شرعت الشركة التونسية في الإيفاء بالتزاماتها عن طريق مزودين احدهما إيطالي والثاني أمريكي وتم تأمين جميع الكمية على أن تتسلمها الشركة الليبية في ميناء مرسين التركي . حاولت شركة «الشرارة الذهبية» الليبية إيصال الشحنة إلى ميناء الزاوية ولكن كان ذلك أمرا أقرب إلى الاستحالة بعد أن فرض الناتو الحظر على ليبيا. فالتجأ الليبيون إلى ميناء عنابة بالجزائر وإحتمت الناقلة بالمياه الإقليمية الجزائرية وبعد أيام من مرابطة ناقلة النفط بالمياه الإقليمية الجزائرية اتصل الطاقم بشركة LMS لتزويده بالغذاء والماء، ولأنّ الصورة بدأت تنجلي للطرف التونسي وان ما يحدث في ليبيا ليس مجرد نزاع مسلح بل ثورة شعب على حاكم طاغية فقد طلبت الشركة التونسية من طاقم الناقلة تشغيل الإشارة بالأقمار الاصطناعية حتى يتسنى تحديد مكانها كما طلبت منهم التوجه نحو مالطا حتى يتم تأمين وصول التموين الضروري لطاقم الباخرة، وهو ما تمّ فعلا، وعند إتجاه الناقلة إلى مالطا أعترضها الثوار وحوّلوا وجهتها إلى بنغازي. بعد ذلك تطورت الأحداث بشكل سيء بالنسبة للمزود التونسي فقد رفض بنك ليبيا الخارجي خلاص بقية ثمن البنزين الواقع شحنه وعرضت شركة «الشرارة» على الشركة التونسية ان تبيع الكمية المتبقية من النفط على أن يتم تقاسم العائدات بشكل سري. ولأن المقترح غير قانوني فقد رفضت الشركة التونسية العرض، فقام مدير عام المصرف الليبي الخارجي بتجميد خلاص الشركة التونسية وإلغاء الاعتماد البنكي المفتوح. بسقوط نظام القذافي راسلت الشركة التونسية السلطات الليبية الجديدة بما في ذلك المستشار مصطفى عبد الجليل رئيس المجلس الوطني الانتقالي آنذاك الذي أذن بفتح تحقيق في الغرض لإنصاف الشركة التونسية ولكن المصرف الليبي الخارجي الذي وقف دون وصول بقية الشحنة إلى الثوار أفاد بأن الشركة التونسية استظهرت بوثائق الشحن بشكل متأخر والحال أن المصرف الليبي الخارجي كان أمر بإلغاء الاعتماد المستندي «المعزز وغير القابل للإلغاء»، والنتيجة ضياع 108 ملايين دولار أمريكي عن المزود التونسي. ولأن مصرف ليبيا الخارجي يساهم في رأسمال خمسة بنوك في تونس كما يملك مصرف ليبيا الخارجي 20 في المائة من رأسمال الشركة التونسية للبنك، فقد التجأت الشركة التونسية إلى القضاء التونسي وقضت المحكمة الابتدائية ( الدائرة 15) بتونس العاصمة بتاريخ 24 جوان 2013 في قضية إستعجالية بإجراء عقلة توقيفية على ما لمصرف ليبيا الخارجي من أموال بالبلاد التونسية. وبعد استئناف بنك ليبيا الخارجي للحكم أصدرت الدائرة 31 بمحكمة الاستئناف بتونس في 31 جانفي 2014 قرارا إستئنافيا إستعجاليا بإقرار الحكم الابتدائي. وفي شهر ماي 2014 طالب رجل الأعمال التونسي الأسعد سهل عن طريق دعوى إستعجالية أمام المحكمة الابتدائية بتونس بتعيين مؤتمن عدلي على جميع أسهم وحصص وأصول بنك ليبيا الخارجي ، وفي 9ماي 2014 أذنت المحكمة الابتدائية بتونس بإجراء عقلة تحفظية على مكاسب بنك ليبيا الخارجي بقدر ما يفي بخلاص الدين لفائدة السيد الأسعد سهل . وفي الوقت الذي كان فيه رجل الأعمال التونسي يدافع عن «حقه « عبر الوسائل القضائية في غياب أي دعم من الحكومات المتعاقبة ، صرّح مدير عام بنك ليبيا الخارجي للجريدة الليبية «بوابة الوسط» بتاريخ 7فيفري 2014 بأن «ليبيا سحبت جميع أرصدتها بتونس قبل تنفيذ الحكم القضائي بنصف ساعة وأن المبلغ الموجود لا يتعدى عشرة آلاف دينار». وصدر في جريدة «الأيام» الليبية بتاريخ 24فيفري 2014 تصريح لمساعد مدير الإدارة القانونية ببنك ليبيا الخارجي هدد فيه بانسحاب البنك من تونس بشكل نهائي قائلا «من الممكن أن يقرر مصرف ليبيا الخارجي سحب مساهماته من تونس مع العلم بأن المتضرر الأكبر هو تونس لأن العالم كله الآن يبحث عن مستثمرين والمصرف الخارجي له استثمارات في أوروبا والخليج وأمريكا اللاتينية»... من الواضح أن مدير عام بنك ليبيا الخارجي يجاهر بعلمه بالقرار القضائي ويفاخر بتحديه له بأن قام بسحب أمواله خارج تونس ، فأين مصالح البنك المركزي التونسي في قضية مثل هذه تتعلق بحفظ حقوق مواطن تونسي؟ وما هي الطرق التي يعتمدها بنك ليبيا الخارجي لمواصلة تعاملاته المالية دون أن يقع تحت طائلة حكم العقلة التحفظية ؟ وما مدى «تواطئ» أطراف تونسية أفرادا ومؤسسات حتى لا تكون القضية سببا في توتر العلاقات التونسية الليبية وكأن محمد بالشيخ والعروسي القنطاسي مختطفان في سيبيريا لا في ليبيا التي وجد أهلها كل الدعم من التونسيين خلال ثورتهم على نظام القذافي دون حسابات ؟ يذكر أن رجل الأعمال التونسي الأسعد سهل راسل كلا من حمادي الجبالي وعلي العريض ومهدي جمعة طالبا منهم التدخل لحفظ حقوقه المادية وإنصافه بعد أن وجد نفسه وحيدا في مواجهة خصم مالي قوي ولكن لا أحد من رؤساء حكومات ما بعد الثورة كلّف نفسه عناء الرد على رسائله ولم يجد سوى القضاء ملجأ له ... تطور مفاجئ حدث في مجريات القضية يتعلق بمراسلة الأسعد سهل لوزير الداخلية لطفي بن جدو يطلب منه توفير حماية أمنية له ولعائلته بعد أن تعرض للمراقبة والملاحقة من طرف سيارة ليبية كما ورد في شكواه بتاريخ 22ماي الجاري... فهل سيتواصل الصمت الرسمي إزاء هذه القضية ليواجه تونسي آخر مصيره منفردا؟