عقد المجلس الوطني التأسيسي بحضور عدد من الشخصيات الوطنية وممثلي الرباعي الراعي للحوار الوطني، جلسة عامة ممتازة على شرف الملك المغربي محمد السادس والوفد المرافق له، خصّصت أطوارها للدعوة لاستعجال وتفعيل الاتحاد المغاربي كخطوة للرقي بمصالح البلدان المغاربية وتجاوز العراقيل التنموية والأمنية. وفي مفتتح الجلسة، استعرض رئيس المجلس الوطني التأسيسي مصطفى بن جعفر أمام الملك محمد السادس وأخيه الأمير رشيد وبقية الوفد المرافق لهما جميع المراحل التي مرّت بها تونس اثناء الفترة الانتقالية وما تمخض عنها من دستور توافقي حداثي ساهمت جميع الأطراف السياسية ومكونات المجتمع المدني في صياغته، وما عقبها من تركيز للهيئات الدستورية والمصادقة على حكومة كفاءات مهمتها انجاز وانجاح الانتخابات واستكمال المرحلة الانتقالية، لافتا الى أنّ تونس تنظر بعين الاهتمام لما وصفه بمسار التحديث المتسارع الذي تشهده المملكة المغربية في شتى المجالات، وأنها حريصة كل الحرص على الاستفادة من تجربة المغرب الرائدة على المستوى العربي في بناء مثال ديمقراطي في بلد عربي مسلم يوازن بين عالمية الفكرة الديمقراطية من حيث القيم والمبادئ وخصوصيات التطبيق والتنزيل في الواقع، مبينا انّ تونس استفادت من المسار الانتقالي الذي قطعته المغرب خصوصا على مستوى تركيز آليات العدالة الانتقالية والمقاربة المتميزة للشأن الديني. تاريخ مشترك وأوضح بن جعفر أنّ ما يجمع تونس والمغرب رباط وثيق متصل عبر التاريخ يشهد به جامع الزيتونة بتونس وجامعة فاس، ناهيك عن النضال المشترك للتحرّر من الاستعمار، مبينا أنّ تونس لا تنسى المواقف النضالية للملك الراحل محمد الخامس خلال انتفاضة المغاربة في الدار البيضاء يومي 7 و8 ديسمبر 1952 على المستعمر الفرنسي استنكارا لاغتيال الشهيد النقابي فرحات حشاد، مشيرا الى أنّ تونس والمغرب كانتا متلازمتين في معركة بناء الدولة المستقلة وتوطيد السيادة وصيانة الاستقلال وان علاقة مميزة جمعت بين بورقيبة ومحمد الخامس والحسن الثاني، وأنّ الشعبين التونسي والمغربي ماضيان على نفس السبيل لانجاز طريق الديمقراطية والانتصار لقيم الحرية والعدالة والمساواة، وانّ تونس تثمن وتقدر موقف المملكة المغربية الداعم للتونسيين في المرحلة الانتقالية التي يمرون بها منذ سنة 2011 وما تقدمه المغرب لتونس من أجل الاستقرار وتجاوز المرحلة، شاكرا حضور الأمير رشيد ورئيس مجلس النواب المغربي الأسبق الاحتفال بختم الدستور التونسي في 29 جانفي الماضي. ترجمة العلاقات وبين بن جعفر أنّ المطلوب الآن هو العمل على ترجمة عمق العلاقات المتميزة بين البلدين الى أفكار ومبادرات تحقق النقلة النوعية المرتقبة عبر الارتقاء بالشراكة الاقتصادية الى مستوى العلاقة التاريخية التي تجمع البلدين لدعم فرص التبادل التجاري التي بقيت إلى حد اليوم محدودة، لافتا الى أنّ الآمال في هذا المجال معلّقة على الدورة الثامنة عشر للجنة الكبرى المشتركة للتعاون الثناني المرتقبة في السداسي الثاني من السنة الحالية لخلق ديناميكية تعود بالنفع على البلدين، راجيا تجاوز مختلف الصعوبات والمرور بسرعة نحو تنفيذ البروتوكولات واتفاقيات التعاون وتفعيل ما جاء بها وتطوير التواصل المباشر بين المسؤولين في البلدين لتجاوز العراقيل مع تجديد العزم على دعم العلاقات البرلمانية بين البلدين وتعميق روابط الصداقة بينهما. مسؤولية القادة من جهة أخرى، أشار بن جعفر الى انّ الشعوب المغاربية تحمل القادة في دول المغرب العربي مسؤولية الفرص المهدورة في بناء الاتحاد المغاربي والذي بقي حلماغائبا منذ مؤتمر مراكش سنة 1989، مبينا أنّ الأزمات تؤكد الحاجة الملحة لاستعجال بناء الاتحاد المغاربي كمدخل رئيسي للتنمية ولتحقيق شروط المواطنة، ملمحا الى أنّ الدستور التونسي الجديد نص في فصله الخامس على أنّ الجمهورية التونسية جزء من المغرب العربي تعمل على تحقيق وحدته وتتخذ كافة التدابير لتجسيمها، مبينا انه بإمكان الاتحاد ان يكون فضاء تكامليا وقوة اقتصادية واطارا ديمقراطيا يمكن البلدان المغاربية من مواجهة الارهاب والأطماع الأجنبية وأن تحل وفق أطره كل المسائل الخلافية العالقة بين البلدان، ومجددا في ذلك الدعوة التي أطلقها وزير الخارجية التونسي في الرباط لانعقاد جلسة الاتحاد المغاربي في تونس في شهر أكتوبر القادم أملا في أن تكون خطوة حاسمة للأمام. بناء الاتحاد من جانبه، أشاد الملك المغربي محمد السادس بمجهودات الرؤساء الثلاثة والحوار الوطني من أجل انجاح الانتقال الديمقراطي ودعم دولة المؤسسات في اطار السيادة الوطنية رغم نزعات التطرف والارهاب، مبينا أنّ المغرب حريصة كل الحرص على دعم التعاون مع تونس، ايمانا منه بأنّ التجسيد الواقعي والعملي لبناء المغرب العربي مرتبط بتكريس التعاون الثنائي بين البلدان المغاربية وليس عبر اغلاق الحدود في اشارة منه للوضع القائم بين الجزائر والمغرب ملاحظا انه من الخطإ الاعتقاد بأنه بإمكان دولة واحدة النهوض بالتنمية ومعالجة قضاياها والاستجابة للتطلعات المشروعة لشعبها وفي مقدمتها فئة الشباب، وان بإمكانها لوحدها تحقيق الأمن والاستقرار ومجابهة الأخطار، حجته في ذلك فشل المقاربات خاصة في ظل ما يشهده فضاء الساحل والصحراء من تحديات أمنية وتنموية والتفاني في اغلاق الحدود التي تعرقل الوحدة وتنعكس سلبا على مصالح الشعوب المغاربية.