بقلم: جيهان لغماري مع مرور الوقت واقتراب مواعيد الانتخابات الرئاسية والتشريعية على الأقل نظريا باعتبار أنّ الدستور ينص على ضرورة تنظيمها قبل نهاية السنة الحالية، بدأت مختلف الأحزاب في تحركات اللحظات الأخيرة والبحث عن التموقع الصحيح الذي يمكّنها من توفير أفضل الحظوظ للفوز، طبعا حسب قراءتها للمشهد السياسي الحالي. من بين هذه التحركات، نجد الحوارات التي تجري حاليا على قدم وساق بين مجموعات مختلفة من الأحزاب من أجل الوصول إلى إقامة جبهات انتخابية. من البديهي تدعيم الحظوظ ولكن الجبهات «السريعة» كالوجبات السريعة سرعان ما تتلاشى ولا تترك أيّ أثر سوى الإحساس بالشبع الكاذب. أنْ تتلاقى الأحزاب للتشاور وخاصة للتنسيق وتقسيم الأدوار، أمر عادي ومفهوم ولكن المرور مباشرة إلى إقامة جبهة يُعتبَر خطأ تكتيكيا ستؤكده نتائج الانتخابات. إنّ المواطن الذي أرهقته الأزمات المتتالية التي سببتها الطبقة السياسية، لم يعد قادرا أو راغبا في التركيز على ميلاد أسماء سياسية جديدة أحزابا كانت أو جبهات، وتجمّع الأحزاب الصغيرة خاصة في جبهات بأسماء جديدة لن يساهم – عكس توقعاتها – في تجميع نِسَبِها المفترضة لو شارك كل حزب لوحده. العملية ليست حسابية حتى تتوقّع الأحزاب أنّ محصول جبهتها سيكون مساويا لعملية جمع نسبها كلّ على حدة، بل بالعكس ستنقص النسبة بصفة آلية لأنّ المواطن لن يُجْهِدَ نفسه لمعرفة مكوّنات هذه الجبهة أو تلك. الحالة الوحيدة التي من الممكن أن تنجح فيها فكرة تجميع الأحزاب في جبهة انتخابية واحدة هي أن تكون تحت جناح حزب واحد من مكوّناتها، وهي حالة شبه مستحيلة لأنها ستخلق تصدّعات داخل الأحزاب التي تقبل بذلك. إطلالة على بعض تكتيكات الأحزاب المعروفة تؤكد فهمها لهذا المعطى وعدم استعدادها للدخول في جبهات انتخابية بل إنّ أغلبها يتحدث عن التحالفات الممكنة بعد الانتخابات لا قبلها. النهضة لها هذا الموقف تقريبا، النداء أيضا ستكون القائمات باسمه وهو ما يجعل مكونات الاتحاد من أجل تونس في حرج، هل تقبل «الذوبان» في قائمات النداء من أجل «مكاسب» انتخابية أم ترفض ذلك؟ ومهما كانت الإجابة، يتأكد تدريجيا أنّ «الاتحاد من أجل تونس» انتهى عمليّا حتى وإن بقي ظاهريا. نفس التوجه تقريبا سارت فيه الجبهة الشعبية، إذ أنها مقابل انفتاح قائماتها على كل الحساسيات السياسية المتقاربة معها في أطروحاتها، فإنّ ذلك مشروط بأن يكون ذلك باسمها فقط. تصوروا مواطنا بسيطا يذهب للانتخاب فلا يجد النهضة والنداء والجبهة الشعبية والجمهوري والمؤتمر والمسار والتكتل والمبادرة وغيرها من الأحزاب لأنها ذابت داخل جبهات انتخابية بأسماء «هجينة» على أذنيْه؟ إنّ اللعبة الانتخابية تتطلّب قراءة موضوعية لموازين القوى وخاصة حسن تحديد الأهداف بعيدا عن رفع سقف الأحلام الطوباوية التي لا سنَد لها على أرض الواقع، والحزب الصغير الذي يرغب في التواجد في المشهد التشريعي القادم، عليه أن يدرك أنّ التركيز على بلوغ نسبة محترمة لوحده أحسن من البحث عن نسب أكبر داخل جبهة «وُلِدَتْ» على عجل، فلا هو حقق هذا ولا هو نجح في ذاك. إنّ جبهات اللحظة الأخيرة عنوان لفشل انتخابي قادم!