قضية التآمر على أمن الدولة: رفض مطالب الافراج واحالة 40 متهما على الدائرة الجنائية المختصة    روما: مكافحة الهجرة محور اجتماع وزراء داخلية تونس وإيطاليا والجزائر وليبيا    سعيّد يتلّقى دعوة من البحرين لحضور اجتماع مجلس جامعة الدول العربية    انتخابات جامعة كرة القدم.. قائمة التلمساني تستأنف قرار لجنة الانتخابات    طقس الليلة    منوبة: مشتبه به في سرقة المصلّين في مواضئ الجوامع في قبضة الأمن    باجة.. تفكيك شبكة ترويج مخدرات وحجز مبلغ مالي هام    وزارة الشؤون الثقافية تنعى الممثل عبد الله الشاهد    موعد عيد الإضحى لسنة 2024    عاجل : معهد الصحافة يقاطع هذه المؤسسة    الروائح الكريهة تنتشر في مستشفي قابس بسبب جثث المهاجرين    الترجي يقرّر منع مسؤوليه ولاعبيه من التصريحات الإعلامية    حصدت مليار مشاهدة : من هي صاحبة أغنية ''أنثى السنجاب''؟    هذه الأغنية التونسية تحتل المركز الثامن ضمن أفضل أغاني القرن 21    إغتصاب ومخدّرات.. الإطاحة بعصابة تستدرج الأطفال على "تيك توك"!!    التمديد في سنّ التقاعد بالقطاع الخاص يهدف الى توحيد الأنظمة بين العام والخاص    عاجل/ إستقالة هيثم زنّاد من ادارة ديوان التجارة.. ومرصد رقابة يكشف الأسباب    شوقي الطبيب يرفع إضرابه عن الطعام    تواصل غلق معبر راس جدير واكتظاظ كبير على مستوى معبر ذهيبة وازن    البنك المركزي يعلن ادراج مؤسستين في قائمة المنخرطين في نظام المقاصة الالكترونية    تونس: مرضى السرطان يعانون من نقص الأدوية    لاعب سان جيرمان لوكاس هيرنانديز يغيب عن لقاء اياب نصف نهائي ابطال اوروبا    رالف رانغنيك يرفض رسميا تدريب بايرن ميونيخ الالماني    عاجل/ الشرطة الأمريكية تقتحم جامعة كاليفورنيا وتعتقل أغلب الطلبة المعتصمين    مجددا بعد اسبوعين.. الأمطار تشل الحركة في الإمارات    مدنين: بحّارة جرجيس يقرّرون استئناف نشاط صيد القمبري بعد مراجعة تسعيرة البيع بالجملة    رئيس لجنة الشباب والرياضة : تعديل قانون مكافحة المنشطات ورفع العقوبة وارد جدا    هام/ الترفيع في أسعار 320 صنفا من الأدوية.. وهذه قيمة الزيادة    وزارة التربية على أتم الاستعداد لمختلف الامتحانات الوطنية    صفاقس_ساقية الدائر: إخماد حريق بمصنع نجارة.    بنزيما يغادر إلى مدريد    عبد المجيد القوبنطيني: " ماهوش وقت نتائج في النجم الساحلي .. لأن هذا الخطر يهدد الفريق " (فيديو)    وزارة التجارة تنشر حصيلة نشاط المراقبة الاقتصادية خلال الأربعة أشهر الأولى من سنة 2024    المغازة العامة تتألق وتزيد رقم معاملاتها ب 7.2%    وزير الشؤون الاجتماعية يزف بشرى لمن يريد الحصول على قرض سكني    جبنيانة: الكشف عن ورشة لصنع القوارب البحرية ماالقصة ؟    تونس تشهد تنظيم معرضين متخصّصين في "صناعة النفط" و"النقل واللوجستك"    24 ألف وحدة اقتصاديّة تحدث سنويّا.. النسيج المؤسّساتي يتعزّز    وفاة الروائي الأميركي بول أستر    الحبيب جغام ... وفاء للثقافة والمصدح    أبرز اهتمامات الصحف التونسية ليوم الخميس 2 ماي 2024    حادث مرور قاتل بسيدي بوزيد..    الحماية المدنية: 9حالة وفاة و341 إصابة خلال 24ساعة.    غرفة تجّار لحوم الدواجن: هذه الجهة مسؤولة عن الترفيع في الأسعار    يهم التونسيين : حيل منزلية فعالة للتخلص من الناموس    نَذَرْتُ قَلْبِي (ذات يوم أصابته جفوةُ الزّمان فكتب)    مصطفى الفارسي أعطى القصة هوية تونسية    المهرجان الدولي للثقافة والفنون دورة شاعر الشعب محمود بيرم التونسي .. من الحلم إلى الإنجاز    بطولة مدريد المفتوحة للتنس: روبليف يقصي ألكاراز    محمد بوحوش يكتب .. صرخة لأجل الكتاب وصرختان لأجل الكاتب    وزيرة التربية تكشف تفاصيل تسوية ملفات المعلمين النوّاب    عاجل : سحب عصير تفاح شهير من الأسواق العالمية    مايكروسوفت تكشف عن أكبر استثمار في تاريخها في ماليزيا    وفاة حسنة البشارية أيقونة الفن الصحراوي الجزائري    مندوب روسيا لدى الامم المتحدة يدعو إلى التحقيق في مسألة المقابر الجماعية بغزة    طيران الكيان الصهيوني يشن غارات على جنوب لبنان    مدينة العلوم بتونس تنظم سهرة فلكية يوم 18 ماي القادم حول وضعية الكواكب في دورانها حول الشمس    القيروان: إطلاق مشروع "رايت آب" لرفع الوعي لدى الشباب بشأن صحتهم الجنسية والانجابية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مختار الخلفاوي ل «التونسية»:مقاطعة الانتخابات تعني عودة منظومة 23 أكتوبر 2011
نشر في التونسية يوم 19 - 07 - 2014


«حزب التحرير».. «ياكل في الغلّة ويسبّ في الملّة»
المعارضون لقانون الإرهاب يذكروننا بقولة: «كاد المريب يقول خذوني»
حوار: أسماء وهاجر
عرف بجرأته في انتقاد السياسيين وبمواقفه الصارمة من قضية مدنيّة الدولة والمحافظة على مؤسساتها وكل ما يتعلق بقيم الحداثة الى حد تكفيره واستباحة دمه دون أن يبالي حيث واصل موجة انتقاده لما اصطلح على تسميته بعمليات الشد إلى الوراء أو ببلورة فكر الخوارج في زمن العولمة والانفتاح. «التونسية» التقت الدكتور مختار الخلفاوي كاتب واعلامي ومعلق سياسي وباحث جامعي يكتب منذ أواسط الثمانينات في الصحافة الوطنيّة والصحافة العربيّة وصاحب العديد من المؤلفات -من بينها هل «غادرنا السقيفة؟» و«الحنابلة الجدد في تونس المحروسة», «عتبات في الكلام على الكلام: دراسات في ادب ابن المقفع والجاحظ» و«كتاب المرأة وحجابها» و«مقالات في الإرهاب» و«ديمقراطيّة إنْ شاء اللّه» ...-وحاورته حول خلفيات الدعوات المنادية بمقاطعة الانتخابات وحقيقة وجود قرار سياسي تونسي مستقل ومدى التزام حكومة المهدي جمعة بما تمخض عن الحوار الوطني وماورائيات الجدل القائم حول قانون الإرهاب والعديد من الملابسات الأخرى التي يزخر بها المشهد السياسي .
هل ترون ان هناك غايات وراء الدعوات الصريحة والضمنية لمقاطعة الانتخابات بتعلة اليأس من الاوضاع ومن الأحزاب؟
فعلا، نلاحظ دعوات ضمنيّة وأخرى صريحة لمقاطعة التسجيل للانتخابات ومقاطعة الانتخابات في حدّ ذاتها. وقد تكون الأسباب مختلفة. ثمّة، اليوم، من يبرّر الامتناع عن التسجيل برغبته في مقاطعة الاستحقاقات الانتخابية القادمة خيبة من السياسيّين ويأسا من الشأن السياسيّ والعمومي كما وقع تصريفه طيلة السنوات الثلاث الماضية. طبقة السياسيّين من كانوا في الحكومة ومن كانوا معارضيها ونوّاب المجلس الوطني التأسيسيّ ما فتئوا يقدّمون رسائل سلبيّة إلى عموم الشعب وإلى فئة الشباب على وجه الخصوص. المهازل التي حدثت وتحدث في مجلس باردو خيّبت رجاء التونسيّين الذين علّقوا، يوما، آمالهم على انتخاب نوّاب يمثّلونهم ويتكلّمون نيابة عنهم. المناكفات والمنازعات والمناورات السياسويّة بين الأحزاب والشخصيّات الوطنيّة هي بدورها أرسلت بإشارات سلبيّة إلى عموم التونسيّين الذين فقدوا الثقة في الفاعلين السياسيّين بمختلف ألوانهم. نذكّر هذا الفريق من الخائبين أنّ اليأس وعدم الثقة لا يتمّ تجاوزهما إلاّ بالذهاب إلى انتخابات قادمة لصياغة مشهد سياسي جديد وتصعيد فاعلين سياسيّين يعوّل عليهم. أما المقاطعة فلا تعني إلاّ استنساخ نتائج الانتخابات السابقة لا أكثر ولا أقلّ. وكلّ دعوة إلى المقاطعة ضمنيّة كانت أم صريحة، عن يأس وخيبة كانت أم عن مكر وخداع هي دعوة تستعجل عودة قويّة لمنظومة 23/10/2011 ولمدّة لا تقلّ عن عشر سنوات أو أكثر هذه المرّة..
من المفهوم أنْ ينادي «حزب التحرير» بمقاطعة الانتخابات القادمة لأنّه مشغول عنها باستعادة أوهام الخلافة. وقد نتفهّم عدم الحماسة إلى التسجيل لدى الضامنين للحدّ الأدنى الانتخابيّ منذ الموعد الانتخابي السابق. وقد نجد وجها لدعوات المقاطعة متى صدرت عمّن يؤمن بالشوكة والغلبة وإدارة التوحّش بديلا من صناديق الاقتراع. أمّا أنْ تصدر دعوات المقاطعة عن بعض الديمقراطيّين «الانفعاليّين» أو «الفوضويّين» تحت وطأة مشاعر اليأس والإحباط من المشهد السياسيّ فهذا هو الأمر غير المفهوم.
هذا الفريق الأخير يردّد أنّه لا يذهب للتسجيل ولا للانتخاب نكاية في الأحزاب والسياسيّين. وهنا يصدق عليهم المثل التونسي الصميم «غضب إمْحمّد على الصبابطيّة روّح من تونس حفيان».. وإن كان لا بدّ من مثل عربيّ قحّ فهؤلاء مَثلهم كمَثَل من أراد أنْ يَغِيظ زوجته الخائنة.. فخصى نفسه!
هل مطالبة كل من الباجي وحمّه بالتمديد في آجال التسجيل تعني رغبة ولو ضمنية في تأجيل الانتخابات تخوّفا من الفشل وتكرار منظومة 23 أكتوبر وجماعة الصفر فاصل ؟
أولاّ لم يدع الباجي قائد السبسي ولا حمّه الهمّامي إلى تأجيل الانتخابات. دعا الباجي إلى التمديد في آجال التسجيل في الانتخابات عوض أجل 22/07/2014 ، وترك إمكانيّة زحزحة الدور الثاني من الرئاسيّات إلى ما قبل مارس 2015.. وبالمثل كان موقف الناطق الرسمي باسم «الجبهة الشعبيّة» الذي عدّد المؤاخذات على الهيئة العليا للانتخابات، وحذّر من ضآلة عدد المسجّلين منذ فتح باب التسجيل يوم 23 جوان الماضي. واقترح أنْ يمدّد في آجال التسجيل عوض الالتزام بتاريخ 22/7/2014 دون أن يعني ذلك آليّا تأجيل الانتخابات. المهمّ المخاوف والمحاذير وراء هذه الدعوات جدّية. والانتخابات ليست إجراءات شكليّة وصوريّة وغاية في حدّ ذاتها بل هي آليّات ومضامين وضمانات لإقامة مؤسّسات مستقرّة ولذلك وجب التوافق على إعدادها وخوضها والقبول بنتائجها.
صورة الدّودة في التّفّاحة، وصورة «أكل الغلّة وسبّ الملّة حزب التحرير نموذجا» هل لك أن تبين لنا أوجه التقارب بينهما؟
الدودة في الثمرة أو الدودة في التفّاحة تمثيل دارج في الثقافة الفرنسيّةLe ver dans la pomme de fruit) عن التعفّن الذاتي الذي يصيب الكائنات الحيّة بفعل الديدان التي تولد من صلبها. تحيى الدودة وهي تنخر قلب الثمرة / التفّاحة. منها تتغذّى وبمائها تستقي. كذلك، يفعل بعض الأشخاص والأحزاب الذين يعيشون على ما تتيحه الديمقراطيّات المعاصرة من حرّية الرأي والتعبير والتنظّم والاجتماع للقيام بما يلزم لتدمير تلك الديمقراطيّات «الكفريّة» لاحقا. عمليّات 11/9/2001 مازالت مثلا يصلح لصورة الدودة في التفّاحة. في تونس، أُثيرت في المدّة الأخيرة هذه القضيّة بمناسبة المؤتمر الذي عقده حزب التحرير (فرع تونس) في قصر المؤتمرات يوم 22/6/2014. وكان من أهداف المؤتمر الشروع في حملة لمقاطعة الانتخابات، وحثّ المواطنين (بل الرعايا !) على رفض الدستور «العلماني»، والانقضاض على الجمهوريّة من أجل إقامة دولة الخلافة. كان هذا الفرع من التنظيم العالمي كمن «يأكل الغلّة ويسبّ الملّة» حسب عبارتنا العامّية التونسيّة. يستفيد من ثمرات الديمقراطيّة لينخرها من الداخل مستفيدا برعاية الدولة «المدنيّة» وحماية الأمن «الجمهوريّ» وضمانات الدستور «العلمانيّ».
المشكلة أنّ هذا الحزب الذي لا يعترف بالدولة المدنية ولا بالدستور ولا بالنظام الجمهوريّ ولا بالعلم الوطني ولا بالنشيد الوطني ولا بالمواطنة يطالب بحقّه في فضاء عمومي لاجتماعاته وبتغطية إعلاميّة مكثّفة لنشاطاته، وإنْ عنّ له فهو يطالب بحقّ الردّ أيضا. طبعا غير خاف أنّ كلّ هذه المفردات غريبة عن الرصيد الفكري والعقدي لحزب التحرير، ولكن عبث الأقدار اقتضى أن يحدث هذا.. ومن يدري لعلّ الديمقراطيّة تصلح دواء لأشدّ أعدائها؟
كيف تقبلت أمر تكفيرك واستباحة دمك من طرف «حزب التحرير» وهل تعتبر رسالة المهدي جمعة ردا كافيا ورادعا؟
صدقا، لم أفاجأ بالخطاب التكفيري والتحريضي الذي صدر عن السيد رضا بلحاج الناطق باسم «حزب التحرير» (فرع تونس)، فالانزلاقات الخطابيّة والتهافت الحجاجيّ هما السلاح الوحيد المتبقّي لدى «حزب التحرير». تلاحظون أنّ مثلا عامّيا دارجا بين التونسيّين «اللي ياكل في الغلّة ويسب في الملّة» ينزلق عند السيد بالحاج إلى «اللي ياكل في غلّة أرض الإسلام ويسبّ في ملّة الإسلام». طبعا ينزع أصحاب «المسلّمة» الدينيّة إلى تصوير مخالفيهم وخصومهم الفكريّين على أنّهم خصوم للدين خارجون عن الملّة.. وهي طريقة سفساطية لا تنطلي الا على اصحاب العقول الواهية.
للتذكير، فقد تنادت شخصيّات ثقافيّة وإعلامية وحقوقيّة ونقابيّة وسياسيّة إلى التنديد بالخطاب التكفيري الذي يتوخّاه حزب يزعم أنه ينبذ العنف وإن كان يشتغل على تخصيب ثقافة العنف. وموقف الحكومة وإن جاء متأخّرا فهو في الاتّجاه الصحيح..
هناك صورة تتداولها مواقع التواصل الاجتماعي تتضمن قيادات حزبية في اجتماع مع السفير الأمريكي في حين أنّ غزة تحت النار هل هي صورة ناطقة للنفاق العربي أم أن للسياسة أحكامها؟
طبعا، في الظروف الطبيعيّة الأمر غير مستغرب. من بديهيات الامور ان تكون للمشتغلين بالشأن العمومي والسياسيّ شبكة علاقات داخلية وخارجيّة واسعة. على أنّ صور «موائد الرحمان المنصوبة في سفارة الأمريكان» كانت مستهجنة من طيف واسع من التونسيّين الذين رأوا فيها إشارات الى التدخّل الأجنبي والأمريكي على وجه الخصوص في صياغة مستقبل تونس، وفي تقرير مصير التونسيّين. المشكل أنّ الفرقاء السياسيّين كانوا خارج السفارة الأمريكية بتونس أعداء متحاربين، غير أنّهم بنعمة «يعقوب والس» الذي ألّف بين قلوبهم صاروا إخوانا متحابّين. العزوف عن التسجيل في الانتخابات من أسبابه هذه الرسائل التي تنبعث من عشاء السفارة الأمريكية أو من احتفالات 14 جويلية في السفارة الفرنسيّة..
هل يمكن أن تعني دلالات مثل تلك الصورة أن القرارات المصيرية تخرج من مطابخ السفارات؟
كنّا في وقت ما نعوّل على مُخرجات الحوار الوطنيّ الذي أداره باقتدار الرباعي الراعي للحوار، وعلى رأسه الاتّحاد العام التونسي للشغل بعد الانسداد السياسي الذي انقاد إليه المجلس التأسيسي والطبقة السياسية في البلاد. هذا الحوار الوطني قاد إلى نتائج باهرة بدءا من تتويج المسار التأسيسي بالمصادقة على الدستور، ثمّ بتخلّي حكومة المحاصصة الحزبية بقيادة حركة «النهضة» وتولّي حكومة كفاءات مستقلّة مكانها وانتهاء بتركيز أسس المسار الانتخابيّ.
اليوم، كأنّ الحاجة إلى الحوار الوطني تراجعت في التوافق على تمشّيات للذهاب إلى انتخابات قبل نهاية العام. وفي المقابل بدا أنّ الأحزاب والشخصيّات السياسيّة صارت تعوّل أكثر على التحالفات والمناورات والمراهنات بما فيها المراهنة على السفارات الأجنبية وفي الصدارة منها سفارة الولايات المتّحدة وسفارة فرنسا.
ما تعليقك على الجدل القائم والمتواصل حول قانون الإرهاب؟
لنعترف أنّ مشروع قانون مكافحة الإرهاب وغسل الأموال مشروع دقيق وحسّاس. مازال قانون الإرهاب عام 2003 يخيّم على ذاكرة التونسيّين الذين مسّهم من قريب أو من بعيد. هذا صحيح، غير أنّ ما نراه في المجلس التأسيسي في لجنتي التشريع العام والحقوق والحريات من مزايدات وانزلاقات يبعث على الريبة. فالاعتراض الحقوقيّ الذي يطالب بتعديل القانون ليخدم الجهد الوطني في مكافحة الإرهاب وغسل الأموال مع احترام حقوق الإنسان هو اعتراض مقبول ومفهوم. أمّا اعتراضات بعض النوّاب الرافضين للقانون على أساس أنّه «قانون بن علي» أو انّه سيف مسلّط على حرّية التديّن وعلى عمل الجمعيّات فهذه اعتراضات يصدق فيها قولهم «كاد المريب أن يقول خذوني».
لست في حاجة إلى التذكير بأنّ أغلب من يرفض قانونا لمكافحة الإرهاب في تونس اليوم هم من المشكّكين في الرواية الرسمية للإرهاب. ويردّدون روايات من عندهم تتحدّث عن إرهاب «الدولة العميقة»، و«إرهاب الباجي وحمّه الهمّامي» ( !!)، وإرهاب الأزلام، والموساد، والمخابرات الأجنبيّة.. ولست في حاجة إلى القول بأنّ هؤلاء هم سندٌ وظهير للعناصر الإرهابيّة من حيث يريدون أو لا يريدون.
أثار موقف الغرياني الذي طلب الاعتذار من الشعب التونسي سخط التجمعيين واعتبره البعض الآخر خطوة جريئة وطلب ود الشعب التونسي فكيف تقرأ مبادرته؟
رغم انه تم الحديث عن تراجع في تصريحات السيد محمد الغرياني فيما بعد فإنّ خطوة كتلك تظلّ خطوة مطلوبة لأنّ ثقافة الاعتراف والاعتذار تبقى نادرة في تقاليدنا السياسيّة بعد 14/01/2011 .. استغلال النفوذ، وتجاوز السلطة، ونهب مقدّرات البلاد، وخدمة الاستبداد، وتزيين الدكتاتوريّة، والتضييق على الأنفاس، وحرمان تونس من فرص الإصلاح السياسيّ والتغيير الديمقراطيّ منذ زمن كلّها جرائم قد لا يشملها التقاضي الاعتيادي. هذه جرائم سياسيّة لا تُعالج في مرحلة انتقاليّة بالإنكار والتظاهر بالغفلة، و «دزّان النحّ».. من هذه الزاوية كل اعتراف بالذنب مهما صغر، وكلّ اعتذار يصدر من أي رمز من رموز المنظومة السابقة، كلّ استعداد للمحاسبة هو أمر محمود يشجّع على المصالحة وطيّ الصفحة..
دخول «نداء تونس» بقائمات مستقلة في «التشريعية» هل هي خطوة في صالح «النداء» ومشروعها أم هي خطوة غير مأمونة العواقب؟
لم يكن أمام حركة «نداء تونس» من خيار إلاّ الدخول إلى الانتخابات التشريعية القادمة بقائمات خاصة بها تحت اسمها وشعارها. «الاتحاد من أجل تونس» لم يقم على التكافؤ في جهود التعبئة والامتداد في صفوف الشعب وفي الجهات. ثمّة حركة تكبر وتتمدّد وثمّة حلفاء لها يراوحون مكانهم الأوّل. شخصيّا، لم أعتقد يوما أنّ «نداء تونس» ستحافظ على جبهات سياسية كالاتّحاد من أجل تونس أو كجبهة الإنقاذ إذا لم تكن واثقة من جدواها السياسيّة ونجاعتها الانتخابيّة. لو دخلت «نداء تونس» في قائمات «الاتحاد من أجل تونس» من دون اسمها أو شعارها (النخلة) ستكون النتائج مفتوحة على المجهول. المنطق يقول –شئنا أم أبينا – أنّ التحالفات لا تقوم على مجرّد أرضيّة من التفاهمات المبدئيّة بقدر ما تنهض وتتدعّم بالحسابات والرهانات السياسيّة. والمنتظر أنْ تهتدي مكوّنات الاتّحاد من أجل تونس - إنْ مازال في عمره بقيّة - إلى صيغ أخرى من التنسيق والتلاقي والتحالف مع «النداء»..
بعد أشهر من تولي المهدي جمعة رئاسة الحكومة هل كان في اعتقادكم وفيا لبنود خارطة الطريق ؟
كلّما اقتربنا من المواعيد الانتخابيّة المؤمّل حصولها قبل نهاية العام ابتعدنا عن الاحتكام إلى خارطة الطريق التي قادت إلى ما نحن عليه. إذا اقتصرنا على العنوان الكبير للمبادرة الذي كان «تنقية المناخ السياسي والاجتماعي» لاحظنا بعض التقدّم في هذا الاتّجاه. تراجعت نسب العنف السياسيّ في الشارع والساحات والفضاءات العامّة. وتراجعت نسب الإضرابات والاعتصامات المسجّلة في البلاد. أما الحرب على الإرهاب فما تزال كرّا وفرّا. يوم للإرهابيّين ويوم عليهم. سائر بنود الخارطة تتقدّم ببطء أو إنّها أحيانا تراوح مكانها: مراجعة التعيينات، تحييد المساجد نماذج على هذا البطء والتردّد..
أمّا محاولات الحكومة لإحداث إنعاش اقتصادي فباتت اليوم حديث خرافة. مازالت حكومة مهدي جمعة تعاني من تركة التردّي الاقتصادي الذي ورثته عن حكومة «الترويكا». وهي لا تفعل منذ أشهر سوى البحث عن حلول أمام شحّ الموارد من اقتراض خارجي واكتتاب داخلي ومراجعات لمنظومة الدعم ومنظومة الجباية..
وتستمرّ الحكومة في مهمّة تصريف الأعمال الشاقّة بينما ينشغل السياسيّون، وقد تخفّفوا من أعباء الحكم والمعارضة، بترتيب أوضاع أحزابهم وتحالفاتهم والاستعداد لخوض الاستحقاقات الانتخابيّة القادمة..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.