«الماء المر لصخر الماطري» يصبح حلوا في أول محطة لتحلية مياه البحر في جربة الحد العالمي للفقر المائي ألف لتر يوميا، ونصيب التونسي 500 لتر فقط تونس استغلت 95 بالمائة من مواردها المائية ولم يبق لها سوى البحر كلفة المتر المكعب من ماء البحر 3 دنانير و500 مليم التونسية (كمال الشارني) ذكرت مصادر في الشركة التونسية لاستغلال وتوزيع المياه أن أشغال إنجاز محطة تحلية مياه البحر في جربة ستنطلق في مطلع أكتوبر القادم بتمويل مشترك بين البنك الألماني لإعادة الإعمار والوكالة الفرنسية للتنمية. وقد عرف مشروع تحلية مياه البحر عدة مراحل غريبة ومثيرة، فقد حاول صهر الرئيس المخلوع السيطرة عليه لإنتاج وبيع الماء إلى التونسيين في الجنوب، وبدا أن خوصصة إنتاج الماء وقتها سيؤدي إلى الترفيع في أسعاره آليا وتقسيم أهالي جربة إلى نوعين: أثرياء يدفعون ثمن الماء المحلى وعاديون أو فقراء يشربون الماء العادي ذا الملوحة العالية، هذا إن توفر لهم كامل الوقت، حتى أن القاضي الفاضل مختار اليحياوي أطلق عليه وقتها اسم «الماء المر لصخر الماطري» في موقع نواة على شبكة الانترنيت. وبعد الثورة، تمت إعادة النظر في كل العقود والمشاريع وإسناد العقد إلى شركة إسبانية متخصصة لإنتاج 75 ألف متر مكعب من الماء يوميا في منتصف 2016. وبلغت كلفة المشروع حاليا 69.4 مليون أورو أي حوالي 148 مليون دينار. وتعدّ الشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه مشروعين آخرين لتحلية مياه البحر في الزارات بقابس وفي صفاقس، وهما منطقتان تشكوان نقصا حادّا في مياه الشرب خصوصا في الصيف، بالإضافة إلى تدني نوعيتها. نصف الفقر المائي من الواضح أن تحلية ماء البحر أصبحت ضرورة قصوى لإنقاذ تونس من عطش محقق، وقد جاء مشروع أول محطة صناعية لتحلية مياه البحر في تونس نتيجة دراسات متعددة حول مستقبل الماء الصالح للشرب في الجنوب، مع التركيز على جزيرة جربة التي تمثل محورا وطنيا للنشاط السياحي ويتضاعف عدد سكانها عدة مرات صيفا، إلا أن المعطى الأهم جاء من خبراء أمميين يحذر من أن الجنوب التونسي سيواجه العطش الحتمي في 2025 بسبب تراجع الموارد الطبيعية من الماء، الذي هو بطبيعته ذو ملوحة عالية ستزداد مع ارتفاع متوقع في الحرارة ونقص في الأمطار. واعتبرت دراسة أعدها البنك الألماني للتنمية وإعادة الإعمار أن تونس أصبحت من البلدان التي تعاني من ندرة المياه وأنها قد استغلت 95 بالمائة من مواردها المائية، فيما يتواصل ارتفاع عدد السكان وخصوصا ظواهر التصحر وارتفاع الحرارة، وجاء في الدراسة أن نصيب التونسي من الماء أقل من 500 لتر سنويا، وهي كمية متدنية مقارنة بمجتمعات مماثلة بما يجعل التونسي مهددا بالعطش في الأعوام القادمة. وجاء في دراسة أخرى أعدها خبراء الشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه، أن صفاقس من أكبر الولايات المهددة بالعطش في الأعوام القادمة، وان العجز فيها سيبلغ خمسة أعوام 1800 لتر في الثانية ليتفاقم إلى 3000 لتر في الثانية في عام 2030، كما أن ولايات الساحل مهددة بالعجز المائي الذي سيبلغ 1500 لتر في الثانية بعد خمس سنوات. تهديد العطش لا تخفي أية واحدة من الدراسات الكثيرة سواء التي أنجزها خبراء شركة استغلال وتوزيع المياه أو الخبراء الأجانب في منظمات دولية أو مالية خطر العطش في تونس، وإذا استمر الوضع على ما هو عليه، فسوف ينخفض نصيب التونسي من الماء سنويا إلى 350 لترا بعد عام 2025، أي حوالي ثلث المعدل العالمي لحدود الفقر المائي، وإذا حدث هذا لا قدر الله ولم تتوصل بلادنا إلى حلول مستعجلة، فيجب أن يعتبر التونسي نفسه سعيدا إذا تمكن من إرواء عطشه وغسل وجهه يوميا. وتشير دراسات تونسية حديثة إلى أن بلادنا تهدر كميات كبيرة من الماء الصالح للشرب، خصوصا في قطاع السياحة حيث يستهلك السائح معدل 2500 لتر يوميا خصوصا في الوحدات التي تضم مسابح وألعاب مائية، يليه قطاع الصحة حيث يستهلك كل سرير مريض 800 لتر سنويا، مقارنة بالتونسي المتوسط الذي يتراوح نصيبه السنوي بين 300 و550 لترا، كما تشكو بلادنا من نقص كبير في معالجة المياه المستعملة التي قد تستخدم في الفلاحة أو التنظيف لتخفيف الضغط عن ماء الشرب، إلا أن الحقيقة التي لا يتحدث عنها الخبراء في تونس وهي ان بلادنا مهدّدة بالعطش بعد أربع سنوات فقط إذا لم تتم المبادرة بإنشاء محطات تحلية مياه البحر، الحل الوحيد المتاح لنا. تجارب تونسية وقد تطرقت الدراسة أيضا إلى الحاجات المتزايدة لماء الشرب في تونس وخلصت إلى أن الحل الوحيد هو في تحلية مياه البحر رغم كلفتها العالية، لأن تونس لا تحتكم لأنهار أو مصادر للماء العذب كما حققت نسبة عالية في تحويل مياه الأمطار إلى السدود، واستغلال المائدة المائية المتوسطة والعميقة. وجاء في هذه الدراسة أيضا أن تحلية مياه البحر في تونس يجب أن توفر 20 بالمائة من مياه الشرب في أفق 2025. بالتوازي مع ذلك، نجح خبراء شركة استغلال وتوزيع المياه في بدء تجارب أولية ثم إنشاء محطات صغيرة لتحلية الماء في عدة جهات، أولها في جزيرة قرقنة ولم تكن مخصصة لتحلية مياه البحر بل المياه الجوفية المختلطة بماء البحر، وتم تطوير التجربة على مراحل حققت 3320 مترا مكعبا من الماء يوميا. وكانت تجربة قرقنة قاعدة صلبة لمشاريع أكبر مثل محطة تحلية الماء في قابس عام 1995 والتي بلغت 22500 متر مكعب يوميا، ثم جرجيس 1999 ب 15 ألف متر مكعب، وجربة في 2000 بنفس طاقة الإنتاج، واعتمد مهندسو الشركة على ما حققوه من خبرة لإقامة أكثر من عشر محطات أغلبها في الجنوب، غير أن كل هذه المشاريع ظلت في حدود تحلية المياه الجوفية ذات الملوحة العالية، وبقيت تحلية مياه البحر في الانتظار، لأنها مكلفة ماديا، وتبلغ كلفة محطة متوسطة لهذا الغرض ما لا يقل عن 50 مليون دولار، دون اعتبار استهلاكها الكبير للطاقة، سواء كانت من المحروقات أو الكهرباء. واعتمادا على السعر الحالي للنفط، فإن كلفة إنتاج متر مكعب واحد من ماء البحر تبلغ 3 دنانير و500 مليم، دون اعتبار خدمات الأنابيب والنقل وغيرها، لكن بعض الدول حتى المنتجة للنفط مثل السعودية اتجهت إلى إنشاء محطات تحلية تشتغل بالطاقة الشمسية وهي متوفرة في تونس خصوصا في الجنوب كامل أيام السنة.