في سابقة من نوعها أصدر أول أمس قاضي التحقيق بالمكتب العاشر بالمحكمة الابتدائية بتونس بطاقة إيداع بالسجن في حق طبيب على خلفية قضية رفعها عليه الصندوق الوطني للتأمين على المرض بعد أن أثبتت التحريات ضلوعه في المشاركة في جريمة تدليس وتحيل. وقد أكدت مصادر «التونسية» أنّه تمّ كشف الخيوط الأولى للقضية منذ أشهر عندما تفطنت مصالح «الكنام» إلى أن أحد المختصين في العلاج الطبيعي اشترك مع طبيب في التدليس وذلك بافتعال ملفات وهمية لمرضى على أساس أنّهم تمتعوا بقرارات تكفّل لحصص علاج طبيعي بعد الفحص لدى الطبيب المعني الذي كان يتولى تعمير هذه الملفات وختمها دون حضور المرضى مقابل حصوله على معلوم العيادة عن كل مطلب. وقد تولت مصالح الصندوق أثناء مهمة تفقد للطبيب المعني بالأمر مطالبته بملفات المرضى إلا أن هذا الأخير ادعى عدم امكانية توفيرها في ذلك الوقت معترفا بصحة إمضائه وختمه على جميع المطالب وهو ما جعل مصالح الشؤون القانونية بالصندوق تتمسك بحق متابعته قضائيا رغم بعض الضغوط التي باتت تسلط على المصلحة بسبب فتحها لعديد الملفات المماثلة خاصة أن هذه المصلحة تولت إحالة قرابة 40 ملفا في قضايا تدليس وفوترة وهمية ومغايرة للحقيقة على النيابة العمومية. وقد علمت «التونسية» من مصادر مطلعة أن النيابة العمومية ستنظر خلال الأيام المقبلة في العديد من هذه القضايا وهو ما قد يؤدي إلى إحالة عدد آخر من مقدمي الخدمات الصحية على القضاء بعدما أثبتت المراقبة الطبية صلب مصالح الصندوق أن المعنيين بهذه الملفات مورطون في جرائم تزوير طبقا لأحكام الفصلين 172 و175 من المجلة الجنائية التي تصل عقوبتها إلى 15 سنة سجنا . كما قالت نفس المصادر إنّ عمليات المراقبة كشفت فوترة أطباء لأعمال طبية لم يجروها أصلا في إطار المنظومة العلاجية الخاصة إلى جانب فوترة أعمال طبية أجريت في نفس اليوم لنفس المريض وقيامهم على سبيل المثال بفوترة وهمية لأعمال الكشف بالأمواج الصوتية وأنّ الأطبّاء المشتكى بهم كانوا يقومون بإجراء الكشف الأول عن مرضاهم ثم يكتفون بالإدلاء بنسخ مطابقة للأصل من نتيجة الكشف الأول مع الاكتفاء بتغيير تاريخ الانجاز وعمر المريض والابقاء على نفس القياسات المخزنة بالآلة الطبية فيكون الكشف الثاني والثالث لكل مريض وهميا وغير منجز وهو ما أكده الاختبار الطبي الذي قام به رئيس قسم بمستشفى جامعي استندت إليه مصالح الصندوق في إثبات التحيل كما تم من خلال عمليات التثبت كشف عمليات تحيل عبر قيام أطباء بفوترة لمتابعة الحمل لنساء فاقت أعمارهنّ 65 عاما. ويشار إلى أن الصندوق علق في مناسبات عديدة التعاقد مع عدد من الأطباء لمدة تترواح بين 7 و10 سنوات وأنه سيتولّىِ قريبا إحالة مجموعة من الملفات الجديدة إلى النيابة العمومية والتعامل «بكل حزم» مع كل ملفات التزوير على معنى الفصلين 172 و175 من المجلة الجنائية التي تصل عقوبتها إلى 15 سنة سجنا معتبرا أن القضاء هو الهيكل الأكثر إنصافا في هذه القضايا خاصة إزاء عجز اللجنة الوطنية واللجان الجهوية المتناصفة عن وقف مثل هذه التجاوزات وردع منظوريها من مقدمي الخدمات الصحية .