الرابطة الأولى.. تعيينات حكام مباريات الجولة 7 ''بلاي أوف''    سبيطلة.. الإطاحة بمروج مخدرات في الاوساط التربوية    يديمك عزي وسيدي ... أصالة ترد على شائعات طلاقها من فائق حسن    ساهمت في ارتفاع مخزون العملة الأجنبية الى 108 أيام توريد ..تواصل ارتفاع عائدات السياحة وتحويلات التونسيين بالخارج    أبرزهم كاظم وماجدة وحكيم...هل يقدر مهرجان قرطاج على «كاشيات» النجوم العرب ؟    القصرين..مهرجان «الحصان البربري» يعود بعد 19 سنة    رسائل قوية في خطاب التنصيب ... بوتين يعلن قيام النظام العالمي الجديد    ابطال اوروبا.. ريال مدريد يطيح بالبيارن ويضرب موعدا مع دورتموند في النهائي    إرساء تصرّف ذكي في المياه    توقّع تراجع انتاج الحليب في الصيف    في لقاء بوزير خارجية البحرين ... سعيّد يؤكّد وقوف تونس الثابت في صف الشعب الفلسطيني    تونس تدعو للوقوف صفا واحدا ضد حرب الإبادة والتهجير القسري التي يشنها الاحتلال    صفاقس.. إتخاذ الإجراءات الضرورية لإعفاء الكاتب العام لبلدية ساقية الزيت    توقيع اتفاقيات مشروعي إنجاز محطتين لإنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية الفولطاضوئية    الرابطة الوطنية لكرة القدم المحترفة ترفض اعتراض النادي الصفاقسي ضد الترجي الرياضي شكلا وتقر النتيجة الحاصلة فوق الميدان    الأستاذ محمد العزيز بن عاشور يرصد تحولات الموروث الثقافي التونسي في كتاب جديد باللغة الفرنسية    أول تعليق من عميد المحامين على "أزمة المهاجرين"    محيط قرقنة يُقصي الترجي من سباق كأس تونس    الرابطة ترفض إثارة النادي الصفاقسي.. و لا ويكلو ضدّ النادي الإفريقي    عاجل - إغلاق محل لبيع منتجات لحوم الخيول في بن عروس    باب بحر: القبض على متورّط في عمليات سرقة    نُصب له كمين: القبض على عون رقابة للصحة العمومية مُتلبّسا بالرشوة    وكالة التحكم في الطاقة: نحتاج استثمارات ب 600 مليون دينار لتخفيض الاستهلاك الطاقي في البلديات    جامعة السباحة : تفاجأنا بخبر غياب الحفناوي عن أولمبياد باريس    تطاوين: الشرطة البلدية تُنقذ طفلين من الموت    بين المنستير وصفاقس: الاحتفاظ بشخصين والقبض على منظمي "حرقة" ووسطاء    معهد باستور: تسجيل ما بين 4 آلاف و5 آلاف إصابة بمرض الليشمانيا سنوياّ في تونس    90 % من الالتهابات الفيروسية لدى الأطفال لاتحتاج إلى مضادات حيوية    سليانة: تسجيل جملة من الاخلالات بكافة مراكز التجميع بالجهة    نجيب الدزيري لاسامة محمد " انتي قواد للقروي والزنايدي يحب العكري" وبسيس يقطع البث    انطلاق اختبارات 'البكالوريا البيضاء' بداية من اليوم الى غاية 15 ماي 2024    يُوهم الفلاحين بالبحث عن أرض لكرائها ويترصّد مواشيهم ثم يعود ليلا لسرقتها..    هام/ تسميات جديدة في وزارة التجهيز..    البطولة العربية لألعاب القوى: ريان الشارني يتوج بذهبية سباق 10 الاف متر مشي    التونسي أيمن الصفاقسي يحرز سادس أهدافه في البطولة الكويتية    وزيرة الإقتصاد في مهمة ترويجية " لمنتدى تونس للإستثمار"    عاجل : قضية ضد صحفية و نقيب الموسقيين ماهر الهمامي    أريانة :خرجة الفراشية القلعية يوم 10 ماي الجاري    قصر العبدلية ينظم الدورة الثانية لتظاهرة "معلم... وأطفال" يومي 11 و12 ماي بقصر السعادة بالمرسى    إنقاذ فلاّح جرفه وادي الحطب بفوسانة..    بطاحات جزيرة جربة تاستأنف نشاطها بعد توقف الليلة الماضية    عاجل/يصعب إيقافها: سلالة جديدة من كورونا تثير القلق..    قوات الاحتلال الصهيوني تعتقل 8640 فلسطينيا بالضفة الغربية منذ 7 أكتوبر الماضي..    جرحى في حادث اصطدام بين سيارتين بهذه الجهة..    أبرز اهتمامات الصحف التونسية ليوم الاربعاء 8 ماي 2024    بشرى سارة للتونسيين بداية من هذا التاريخ..    تراجع عدد أضاحي العيد ب13 بالمئة مقارنة بالسنة الماضية    هزة أرضية بقوة 4.7 درجات تضرب هذه المنطقة..    "دور المسرح في مواجهة العنف" ضمن حوارات ثقافية يوم السبت 11 ماي    لأجل غير مسمى.. إرجاء محاكمة ترامب بقضية "الوثائق السرية"    محرز الغنوشي: رجعت الشتوية..    سحب لقاح "أسترازينيكا" من جميع أنحاء العالم    مصر: تعرض رجال أعمال كندي لإطلاق نار في الإسكندرية    بعض مناضلي ودعاة الحرية مصالحهم المادية قبل المصلحة الوطنية …فتحي الجموسي    المهديّة :ايقاف امام خطيب بسبب تلفظه بكلمة بذيئة    متى موعد عيد الأضحى ؟ وكم عدد أيام العطل في الدول الإسلامية؟    مواطنة من قارة آسيا تُعلن إسلامها أمام سماحة مفتي الجمهورية    العمل شرف وعبادة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



زهير مخلوف ( نائب رئيسة هيئة الحقيقة والكرامة ) ل« التونسية»:قانون العدالة الانتقالية يمنع أيّ تلاعب بالأرشيف
نشر في التونسية يوم 15 - 12 - 2014


جريمة التعذيب لا تسقط بالتقادم
لا مسّ بقوانين الهيئة إلاّ بأغلية الثلثين في البرلمان
أتوقع وصول آلاف الملفات حول محاكمات سياسية وتعذيب وفساد ورشوة
حوار: أسماء وهاجر
بعد مرحلة مخاض عسير شهدت انتقادات واعتراضات واستقالات على علاقة بتركيبتها أو بقانونها انطلقت هيئة الحقيقة والكرامة احدى ركائز العدالة الانتقالية في عملها لتفتح المجال لتقبل الشكايات والمظالم من أجل البت فيها ووضع توصيات بشأنها .جهاز جديد وفرصة لتحقيق العدالة في نطاق ثنائي المحاسبة والمصالحة يليهما التعويض . ووسط تجاذبات سياسية تتواتر اسئلة عديدة حول حياد اعضاء هذه الهيئة في تناولهم للقضايا -خاصة بعد الجدل القائم حول شخص رئيسة الهيئة وخلافها القديم مع رئيس حزب «نداء تونس» –من ذلك نوع الضمانات الموضوعية للتحقيق الفعلي لحياد الاعضاء الذين يروج أن اغلبهم نهضويون غير حاملين لبطاقات انخراط إلى جانب معايير التعويض والحدود الفاصلة بين الهيئة والسلطة القضائية حتى تشكل سلطة قضائية موازية. هذه الاسئلة وغيرها من الاشكالات كانت موضوع حوارنا مع نائب رئيسة هيئة الحقيقة والكرامة –العضو الوحيد الذي حصل اجماع حول شخصه- السيد زهير مخلوف الذي رفع الغموض عن العديد من النقاط المتعلقة بعمل الهيئة .
عديد الاتهامات سبقت أعمال الهيئة لعل آخره المتعلقة بسيارات أعضائها : يقال أن ثمن سيارة سهام بن سدرين 129الف دينار وثمن بقية سيارات الاعضاء 70 ألف دينار للواحد إلى جانب حديث عن تضخّم أجور أعضاء الهيئة ؟
للرد على هذا السؤال تجدر الإشارة إلى أن أعضاء هيئة « الحقيقة والكرامة» لم يختاروا رواتبهم بأنفسهم ولم تكن لهم أية علاقة بسلم التأجير الذي اختارته الحكومة ليكون مرجعا تعتمده في تحديد رواتب أعضاء الهيئات المستقلّة, فقبل 5 أشهر من إصدار أمر التأجير الخاص يهيئتنا أصدرت الحكومة وبالتحديد في شهر أفريل 2014 الأمر عدد 1140 الخاص بهيئة مستقلة شبيهة بهيئتنا أسندت لكل عضو من أعضاءها 3600 دينار شهريا و360 لتر وقود وسيارة وظيفيّة ورغم أني وكل أعضاء الهيئة لسنا من أولئك الذين يحبذون مثل هذه الأجور المشطّة فأني أؤكد أن المقياس المعتمد لم يميز هيئة الحقيقة والكرامة عن الهيئات الأخرى ولم ينفّلها بغير ما نفّلت به الحكومة هيئات شبيهة. أما بالنسبة للسيارات فقد أقرّ الأمر عدد 3125 سيارة وظيفيّة لكل عضو من أعضاء الهيئة وقد طالب الأعضاء حينها الحكومة بتمكينهم من السيارات المنصوص عليها في الأمر من أسطولها الخاص بها إلا أنها أجابت أنها لا تملك سيارات تمكنّنا منها الشيء الذي اضطر الهيئة لشراء سيارات لبعض الأعضاء فقط .
شهدت تركيبة الهيئة ثلاث استقالات آخرها استقالة السيدة نورة البورصالي وحسب بعض التسريبات فإن الاستقالات ناتجة عن اختلاف كلي مع شخص رئيسة الهيئة ؟ما رأيكم في ذلك وإن كان هناك اسباب أخرى فما هي؟
كل شخص له الحق في اختيار موقعه وتخير أصدقائه وأقرانه والتعبير عن أفكاره وتوجهاته وذلك حسب ما يراه صالحا وضمن ما تنحاز إليه نفسه وتركن اليه روحه ويطمئن اليه فؤاده في إطار من الحرية المطلقة وضمن اختيارات متنوعة, ولكن حين يجد المرء نفسه في موقع لم يتخير معالمه وفي خانة لم يهندس خطوط طولها وعرضها يفضل الانسحاب ويصبح هذا الأخير غير قادر على تحسس خطاه وغير آبه بما يلقاه, وتبرز عليه فجأة علامات التردد والانطواء كما التسرع وقلة الانتباه, ويتملكه الشعور بالتقوقع والإحباط وبمزيد من التشنج وسوء الانضباط , وهذه العوامل إذا وجدت بيئة غير محصنة وجسدا غير ملقح وقابلية للانهزام تتحول بسرعة إلى أفعال وردود أ فعال غير متوازنة سواء من حيث القوة والتأثير أو من حيث الفهم والتعيير, وإذا كان شد الحبل وجذبه بنفس القوة ولكن في اتجاهات متعاكسة يتمزق الحبل وتتشتت القوة الماسكة والجاذبة ويسقط الجميع أرضا وحين تتساوى قوى التدافع والتجاذب تتحول «الديناميكا» إلى «ستاتيكا», ونحن في تونس وفي كل المجالات نعيش مخاضا ديمقراطيا ونتحسس من خلاله الخطوات الاولى في مسارات تمثّل الحرية وتجسيد الممارسة التعايشية فلا غرو إزاء التفاعل والحركية أن نتعثّر في السير ونخطئ الطريق, وهي علامات ايجابية رغم نتائجها السلبية فالآلة التي لا تتحرك حتما تتأكسد, والطفل الذي لا يحاول الوقوف والسقوط ثم المعاودة لا يتعلم السير حتما .و نحن تعلمنا من أخطائنا وتعلمنا من استقالة البعض منّا ونتمنى ان نتجاوز ذلك نحو تحقيق قدر من التضامن بيننا يمكّننا من استحثاث الخطى نحو غايتنا المثلى وهدفنا المنشود, استكمالا للمهمات وتحقيقا للغايات وتجسيدا للمشوار الوطني وتحقيقا للرهان الثوري وتثبيتا للانتقال الديمقراطي.
حاولت هيئة الحقيقة تقديم نفسها على أنها هيئة محايدة وكلنا نعلم أن اغلب اعضاء الهيئة نهضويون بلا بطاقات انخراط .ما هو الضامن الموضوعي والقانوني لحيادهم؟
هناك عدة ضمانات موضوعية و قانونية تحمي مسار العدالة الانتقاليّة من أي تطويع سياسي أو حزبي نذكر منها ما ورد في الفصل 19 من القانون الأساسي عدد 53 الذي ينص على أنه يقع اختيار أعضاء الهيئة من بين الشخصيات المشهود لها بالحياد والنزاهة والكفاءة ثم إن الفصل 23 من نفس القانون يفرض إحداث لجنة بالمجلس الوطني التأسيسي يرأسها رئيس المجلس تتولى فرز الترشحات وهذه اللجنة تتكون من ممثل عن كل كتلة بالمجلس تتألف من 30 نائبا فأقل وقد تألفت الكتلة الأولى من الكتلة الديمقراطية والكتلة الثانية من كتلة«المؤتمر» والكتلة الثالثة من كتلة «الوفاء للثورة» والكتلة الرابعة من كتلة «النهضة» والكتلة الخامسة من غير المنتمين (المستقلين) وقد فرض القانون أن تفتح باب الترشحات لعضوية الهيئة للعموم وقد فاق عدد الملفات 300 ملف عرضت على لجنة الفرز التي اختارت بالتوافق من بين هذا الكم الهائل 15 عضوا وتم رفع القائمة إلى المجلس الوطني التأسيسي الذي صادق عليها بأغلبية الحاضرين. وتجدر الاشارة إلى أن التوافق تمّ ب 9 أعضاء من المجلس من 10 وهو ما عزز الشفافية والمصداقية وقد مكّن القانون في فصله 25 العموم من امكانية الاعتراض على أي مترشح بعد نشر القائمة بموقع المجلس , وهو ما أضفى شفافية أكبر على عمليّة الاختيار ثم إن الفصل 24 نص على إعفاء أي مترشح من عضوية الهيئة إذا ثبت تقديمه لمعطيات خاطئة ونفس الفصل فرض على المترشح التصريح بالمهام التي باشرها قبل خمس سنوات من تقديم ترشحه وكل نيابة باشرها لدى شخص مادي أو معنوي وإذا ختمنا بما نص عليه الفصل 22 من القانون الأساسي من « تحجير أن تكون للمترشح مسؤولية في أي حزب سياسي» نكون قد أتينا على حرص المشرع على تجنيب تجيير الأحزاب للهيئة أو تطويعها .
أما من الجانب الموضوعي فإن أعضاء الهيئة لا يعملون ولا يقررون الا مجتمعين ومن خلال زبدة ما تتوصل اليه أعمال اللجان المتخصصة والتي اختير أفرادها من خلال عروض انتدابات علنيّة ضمن الشروط التي نص عليها القانون وهي الحياد والاستقلالية والنزاهة والكفاءة والخبرة وعدم التحزب وهذه ضمانة أساسيّة لعدم امكانيّة التجيير أو التوجيه المشبوه أو المقنع. فالأعمال التحقيقيّة والبحثية ليست حكرا على أعضاء «هيئة الحقيقة والكرامة» بل إن باحثين مستقلين وقضاة محايدين وخبراء نزهاء هم الذين سيقومون بالأعمال البحثيّة الاستقصائية وإذا أضفنا لكل ذلك معطى قانوني ينص على أن المساءلة والمحاسبة هي من اختصاص الدوائر القضائيّة المتخصصة وليست من اختصاص أعضاء هيئة الحقيقة والكرامة فان ذلك يعزز من شفافيّة النتائج والاستنتاجات واستقلاليّة الفاعلين وحياد الأبحاث .
اليوم هناك معطى سياسي لن تكون الهيئة بمعزل عنه هو أن «نداء تونس» الحزب الفائز بالأغلبية في الانتخابات التشريعية. وكلنا نعلم طبيعة العلاقة المتوترة بين رئيسة الهيئة وقائد السبسي. هل ننتظر تغييرات في قانون العدالة الانتقالية؟ وهل يكمن مثلا أن تشهد تغييرا على مستوى رئاسة الهيئة؟
نحن لا تهمنا التجاذبات السياسية لأننا نعمل بمعزل عنها ملتزمين بتطبيق القانون الأساسي عدد 53 الذي ينظم مسار العدالة الانتقاليّة ومن يريد تغيير القوانين أو تحويرها فإن مجلسا وحيدا وأوحدا في البلاد يتيح له ذلك وهو «مجلس نواب الشعب» ولا يمكن تغيير القوانين الأساسيّة إلا بأغلبيّة الثلثين وينص الفصل49 من دستور 26 جانفي 2014 على أنه لا يجوز أي تعديل ينال من مكتسبات حقوق الانسان وحرياته المضمونة في هذا الدستور .
وينص الفصل 148 من الدستور في مطته التاسعة « تلتزم الدولة بتطبيق منظومة العدالة الانتقالية في جميع مجالاتها والمدة الزمنيّة المحددة بالتشريع المتعلق بها (جويلية 1955 إلى ديسمبر2013)ولا يقبل في هذا السياق الدفع بعدم رجعيّة القوانين أو بوجود عفو سابق أو بحجيّة اتصال القضاء أو بسقوط الجريمة أو العقاب بمرور الزمن».
لِمَ تركيز الاهتمام على الحقبة الممتدة من عام 1956 لماذا بالذات هذا التاريخ ألم تحدث مظالم في عهد البايات؟
الولاية الزمنيّة حسب الفصل 17 من القانون الأساسي عدد53 للعدالة الانتقالية تغطي المدة الممتدة بين الأول من جويلية 1955 إلى حدود 31 ديسمبر 2013 وحسب النص الدستوري فإن هذه الولاية الزمنيّة وقعت دسترتها .
وللعلم فإن أعضاء هيئة الحقيقة والكرامة لم يختاروا هذه الولاية الزمنية وقد تم التوافق من طرف فعاليات المجتمع المدني والسياسي على ان تكون بداية فترة العدالة الانتقالية من جويلية 1955 وهو التاريخ الذي تأكد فيه الاستقلال وبدأت الدولة الوطنيّة تأخذ زمام أمورها من دون سلطة الاستعمار وقد برر واضعو موعد بداية الولاية بقولهم» إن معرفة نجاحات وإخفاقات وظلم الوطنيين بعضهم لبعض وقمع الدولة لمواطنيها أو معارضيها واعتبارا لقاعدة استمراريّة الدولة ومسؤوليتها منذ التأسيس فإنّ تاريخ الأول من جويلية 1955 يمكننا من كشف انتهاكات الدولة لمواطنيها وتحميلها المسؤوليّة عن كل قمع بمعارضيها اقترفته, وعن كل استبداد بشعبها انتهجته .
هناك جرائم من المفروض أن تكون قد سقطت بمرور الزمن من بينها جرائم التعذيب. ما هي الآلية القانونية لتكسير حاجز صرامة الاجراءات القضائية؟
جريمة التعذيب في القوانين والمواثيق الدوليّة لا تسقط بالتقادم وقد ذهبت كل الدول التي تحترم حقوق الانسان في العالم الى عدم شرعيّة سقوط جرائم التعذيب بمرور الزمن وانتهجت تونس بعد الثورة طريقا لملاءمة قوانينها مع المعايير والمواثيق الدوليّة وانتهت في الأخير إلى التنصيص طبقا لما جاء في الفصل23 من الدستور على أن «تحمي الدولة كرامة الذات البشريّة وحرمة الجسد وتمنع التعذيب المعنوي والمادي ولا تسقط جريمة التعذيب بالتقادم» والنقطة التاسعة من الفصل 148 من الدستور ايضا تنص على انه «لا يقبل الدفع بسقوط الجريمة أو العقاب بمرور الزمن» وهذا الحسم الحضاري في مثل هذه المسلمات الدولية والحقوقيّة يُعد من الانجازات الثوريّة الكبرى في مجال حقوق الانسان في العالم العربي وفي العالم بأسره. وقد ذهب القانون الأساسي عدد53 من العدالة الانتقالية في فصله 9 هذا المذهب فنصّ على أنّ « لا تسقط بمرور الزمن الدعاوى الناجمة عن الانتهاكات المذكورة بالفصل 8 من هذا القانون» والمطة الثالثة في الفصل الثامن تنص على التعذيب كانتهاك جسيم.
هناك من يعتبر أن هيئة الحقيقة والكرامة بالنظر إلى صلاحياتها وإطلاق يد أعضائها وتحريرها قد تداوى جراح الاخطاء القضائية. ما رأيك في ذلك ؟
الأخطاء القضائيّة لا تعالج إلا بالمراجعة القضائيّة وقد مكن القانون هيئة الحقيقة والكرامة من إعادة فتح ذات القضايا في الدوائر القضائيّة المتخصصة والفصل 42 من القانون الأساسي عدد53 ينص على أنه « لا تتعارض الملفات الواقع إحالتها مع مبدإ اتصال القضاء» والفصل 148 من الدستور ايضا ينص على أنه « لا يقبل في هذا السياق الدفع بعدم رجعيّة القوانين أو بوجود عفو سابق أو بحجيّة اتصال القضاء». ولا يعني هذا أننا كشعب أو كهيئة سنمرح ونتلهى بإعادة فتح الملفات بالجملة والتفصيل دون ضوابط أو أسس قانونيّة أو معايير موضوعيّة , وإنما يجب الانتباه والحذر من أن ننحشر في المتاهة التي يُراد لنا فيها ضرب مصداقيّة القضاء واستقلاليته ورمزيته. فإعادة فتح القضايا يجب أن يستند إلى حيثيات ومعطيات مقنعة ودامغة والدوائر القضائية المتخصصة هي الكفيلة بذلك وكفيلة أيضا بإنصاف من لم تنصفه المحاكمات الصوريّة أو الظالمة أو الجائرة أو المسيّسة .
بعض المظالم أثارت الجدل وأوحت بأن هناك إرادة سياسية «ترويكية» لحسمها مثال براكة الساحل. هل من الممكن في صورة وجود شكاوى إعادة فتح هذا الملف لما يحتويه من مغالطات خاصة ان مبالغ التعويض ثقيلة؟
إن وضع معايير للتعويض محايدة و ثابتة وغير منقوصة كفيل بإنصاف الجميع وإنّ أي تسييس لملف جبر الضرر ورد الاعتبار والتعويض سواء بالتعاطف المخل أو بالحيف المذل لا يخدم الضحيّة ولا يخدم الدولة في الآن نفسه لذلك يجب الحرص على الموضوعية والحياديّة. وفي كل الحالات وكما ينص عليه فصل 11 من القانون الأساسي عدد 53 من قانون العدالة الانتقالية « يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار الامكانيات المتوفرة لدى الدولة عند تنفيذ إجراءات الجبر والتعويض».
يد أعضاء الهيئة مطلقة من حيث الاطلاع على الارشيف. ما هي الضمانات المتوفرة حتى لا يتم التلاعب به واستعماله ضد الاطراف السياسية؟
يد الهيئة مبسوطة في مسألة الاطلاع على الارشيف والتحقيق فيه ولكنها محدودة أو تكاد تكون معدومة في مسألة التفريط فيه أو استعماله في أغراض سياسويّة أو مصلحيّة لأن مسألة ضبط الأرشيف والاطلاع عليه واستعماله تحكمها بروتوكولات ودليل اجراءات دقيق وشديد لذلك لا خوف من الاطلاع على الوثائق فواجب التحفظ في هذا المجال حازم. أما التلاعب أو ما شابه ذلك فهو مستحيل واقعا وموضوعا , والمطلع على فصول القانون الأساسي المنظم للعدالة الانتقاليّة يدرك بما لا يدع مجالا للشك أن التلاعب بالأرشيف أو بالمعطيات هو مستحيل قطعا .
أمام صعوبة الاثباتات في بعض القضايا لماذا لا يقع الاهتمام أولا بضحايا الرش والارهاب لأنهم الأوْلى قبل أن يتم اتلاف الادلة لأسباب سياسية من ناحية وحتى يكون عمل الهيئة قريبا من الضحايا؟
ليس هناك أولويّة في مسألة تصنيف القضايا وليس هناك قضايا هامة وأخرى مهمة وأخرى أهم فلجاننا البحثيّة والاستقصائيّة ستتناول ملفات العهدة الزمنيّة كلها منذ جويلية 1955 إلى ديسمبر 2013 بنفس الاهتمام وفي نفس الوقت فكل فريق بحث سيختص بمرحلة زمنية محددة او بعشريّة معينة , وإذا لم تعجزنا الأدلة التاريخيّة البعيدة فكيف يتصور البعض انه يمكن ان تعجزنا الأدلّة القريبة؟ وليس هناك حسب علمنا اتلاف لملفات تختص بالانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان, وسنعتمد الذاكرة الشفاهيّة إن صادف- جدلا - أن أعدمت وثائق إثباتيّة ولدينا طرقنا الخاصة للوصول إلى الحقيقة .
قلتم انكم ستفتحون الملفات القديمة كم يتطلب زمنيّا معدل الفصل في الملفات ؟
هذه خارطة بيانات تقريبيّة للانتهاكات كنت قد أحصيتها قبل انتخابي بهيئة الحقيقة والكرامة ولكن نتوقع أن عدد الملفات الذي سيصلنا هو أكبر بكثير مما هو معروض.
أعتقد انه سيصلنا 14000 ملف يخص المحاكمات السياسية لمساجين سياسيين من شتى المشارب الفكرية والايديولوجيّة.
و11500 ملف يخص الفساد والرشوة والاعتداء على المال العام منها 2000 قضيّة جديّة والبقيّة يجدر البحث فيها بدقة.(رقم أوردته الهيئة الوطنيّة لمكافحة الفساد) و3800 ملف يخص جرحى الثورة وما بعدها و330 ملف يخص شهداء الثورة التونسية 17 ديسمبر 14 جانفي 2011 و400 ملف يخص شهداء توفوا في أحداث الخبز وأحداث 1978 وفي أحداث متفرقة لمسيرات معارضة وقع قمعها في الشوارع التونسية طيلة العهدين الماضيين.و320 ملفا تخص جرحى في انتفاضات حصلت بتونس في العهدين الماضيين و600 ملف تخص سجينات سياسيّة أكثرهن تعرضن للعنف الجنسي وبعضهن للاغتصاب و27 ملفا تخصّ سجناء سياسيين توفوا تحت التعذيب في العهدين الماضيين و40 ملفا تخصّ تنفيذ أحكام إعدام دون توفر ضمانات المحاكمة العادلة و11000 ملف تعذيب لسجناء سياسيين يمكن ان يرفع 2000 من أصحابها قضايا في المحاكم على النظامين السابقين و120 ملفا تخصّ اضطرابات نفسيّة لمساجين سياسيين،17 تخصّ اختفاءات قصرية تهمّ مساجين سياسيين.
هذه خارطة بيانات تقريبيّة للانتهاكات كنت قد أحصيتها قبل انتخابي بهيئة الحقيقة والكرامة ولكن عدد الملفات الذي سيصلنا هو أكبر بكثير .
في ظل عدم ثقة التونسي في مؤسسات الدولة بعد تجربة المجلس التأسيسي وأمام إرهاصات التقلبات السياسية هل يمكن للهيئة أن تعيد هذه الثقة وكيف ؟
وقعت إخلالات بعد الثورة عجزت فيها المنظومة الرسميّة عن معالجة عديد الاشكاليات وذلك نتيجة الظروف الموضوعيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة والدوليّة وأتوقع ان تتحسن الأوضاع في تونس تدريجيّا ولكن ليس بالشكل الواضح. فالتحديات هي نفسها والظروف الاقتصاديّة والتنمويّة والاجتماعيّة تكاد تكون هي نفسها في الخمس السنوات القادمة , ونحن سنلعب دورا مركزيّا في بناء ثقة متبادلة بين المواطن والدولة من خلال إقتراح التوصيات الكفيلة بإصلاح المؤسسات التي صنعت القمع وهيأت للاستبداد كل ظروف الانتعاش وساهمت في استهداف الاقتصاد الوطني وسنعمل كذلك على جبر ضرر الضحايا ورد الاعتبار لهم بما يحقق المصالحة الوطنيّة ويحفظ الذاكرة الجماعيّة ويرسي ضمانات عدم تكرار انتهاكات الماضي وبما يعزز المصالحة الوطنيّة المنشودة و يحقق العدالة والسلم الاجتماعيين ويساهم في دعم مسارات الانتقال الديمقراطي المنشود ويعمل على بناء دولة القانون وحقوق الانسان .
هل ننتظر نجاح هذه التجربة أم أن الهيئة ستعرف مصير هيئات أخرى؟
بالطبع هذه التجربة رائدة وتسندها المنظومة الحقوقيّة الداخليّة والدوليّة ويسندها شعبنا الذي ضحّى بالغالي والنفيس من أجل ان يستعيد دوره وحريته وكرامته , وهي جيل جديد من التجارب الفريدة في العالم باعتبارها أخذت بكل الأسس الرئيسيّة لعدالة انتقاليّة متكاملة ومتوازنة فأخذت تجربتنا بعنصر كشف الحقيقة وحفظ الذاكرة من دون ان تتخلى عن إصلاح المؤسسات , وعملت على جبر ضرر الضحايا من دون ان تتخلى عن المساءلة والمحاسبة , واهتمت بالانتهاكات الجسيمة من دون ان تُعرض عن انتهاكات الفساد المالي والاعتداء على المال العام .كل ذلك من أجل بناء ثقة متجذرة بين المواطن ودولته وذلك لإنجاز المصالحة الوطنيّة التي تسند الانتقال الديمقراطي المنشود.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.