الحلّ الأمني يؤجّل مشكلة الإرهاب ولا يحلّها الحاج التونسي من أكبر حجّاج العالم سنّا سرقة بيوت الله طالت الكهرباء والماء حاورته :بسمة الواعر بركات كشف منير التليلي وزير الشؤون الدينية في حديث جمعه ب»التونسية» عن الشروع في خطة جديدة صلب وزارة الشؤون الدينية لتحسين منح الإطارات المسجدية ،وقال انه سيتم قريبا إلحاقهم بالوظيفة العمومية وتمكينهم من التغطية الإجتماعية بما يضمن العيش الكريم لهم ولعائلاتهم ،وتحدث التليلي عن أسباب تأخر الحسم في موضوع جامع الزيتونة وخفايا تحرّك الوزارة الأخير . كما كشف عن ملامح مشروع جديد جاء في إطار خلية تكونت داخل رئاسة الحكومة بالتنسيق مع وزارة الشؤون الدينية، وقال ان هذا المشروع سيقدم الى وزير الشؤون الدينية الجديد في إطار تسلمه لمهامه. وأكدّ ان مقاومة ظاهرة الإرهاب لا تكون إلا عبر الفكر ،وأنه لا يمكن حلّ هذا الإشكال أمنيا فقط ،معتبرا أن الزج بالإرهابيين والمتشددين دينيا في السجون هو تأجيل للحلول . بقية التفاصيل في السطور التالية: وأنتم تستعدون لمغادرة وزارة الشؤون الدينية ما هي الإصلاحات التي حققتموها ؟ لقد حاولنا جاهدين إصلاح الوضع الذي وجدناه في الوزارة قدر الإمكان،وأول عمل قمنا به هو سد الشغورات ضمن الهيكلة الجديدة للوزارة، إذ قمنا بتكليف مجموعة من إطارات الوزارة كرؤساء مصالح وكواهي مديرين وإستعنا بطاقات جديدة من وزارات أخرى وهو ما أعطى إضافة جديدة للوزارة ومنح جوانب إيجابية لعملنا . النقطة الثانية التي ساهمنا في تحقيقها هو إصدار القانون الأساسي للوعاظ و تمرير مشروع خاص بالإدارات الجهوية والتنسيق مع النقابات والإطارات لتعيين مديرين جهويين مكلفين بتسيير الشأن الديني في عديد المناطق. وأهم إنجاز قمنا به هو استرجاع 149 مسجدا كانت خارج سيطرة الوزارة. صحيح أن المدة كانت طويلة نسبيا ولكن طول المدة يرجع إلى صعوبة التعامل مع التكفيريين والمتشددين وإيجاد البدائل في سد الشغورات ولذلك اعتمدنا على التعاون والتنسيق مع الوزارات الأخرى خاصة وزارتي العدل والداخلية . بعثنا كذلك معهدا عاليا للخطابة الدينية والإرشاد بالقيروان لتكوين الأيمة وأرسلنا مجموعة من الأيمة إلى المغرب الشقيق ليدرسوا العلوم الشرعية والدينية وفنون التواصل واللغات، وهي جملة من الإصلاحات التي قمنا بها لإيجاد حلول ولإرساء الأمن الروحي في مساجدنا وقطع الطريق أمام من يسعون إلى ترويج الأفكار التكفيرية التي تبث الفتن بين الناس وتحرمهم من السلام الروحي. ما حقيقة المساجد التي لا تزال إلى حد الآن تحت سيطرة بعض الجماعات المتشددة رغم حديثكم عن تحييد جميع المساجد؟ قمنا في المرحلة الأولى بتحييد المنابر ،ونحن الآن بصدد تطبيق خطة ثانية تعتمد على تحييد بعض الخطط المسجدية كالأيمة والمؤذنين ، وتقريبا نراسل أسبوعيا الوعاظ المحليين والجهويين للنظر في الخطط المنفلتة. لقد قطعنا شوطا كبيرا ولكنّنا أمام صعوبة تكمن في ايجاد البديل وربما يعود السبب إلى المنح التي تسند الى الإطارات الدينية و لا أخفي عليكم أن أقصى منحة يتقاضاها إمام خمس أو مؤذن هي 240 دينارا . صحيح أني حرصت على الترفيع من هذه المنحة ولكن للأسف واجهنا صعوبات في توفير موارد مالية خاصة أمام ضعف ميزانية وزارة الشؤون الدينية والصعوبات التي تعترض ميزانية الدولة وهو ما جعلنا نتريث ونطلب من السلطات المعنية أن توفر لنا مداخيل ولو عبر مراحل لتمكين هذه الإطارات من العيش الكريم. لقد أعددنا خطة بالتعاون مع الحكومة لإضافة 40 دينارا خلال 2014 و40 دينارا في 2015 ولتمكين الإطارات المسجدية من التغطية الإجتماعية ونأمل التوصّل خلال السنوات القادمة إلى إدماج الإطارات المسجدية بالوظيفة العمومية ليتمتعوا بالحد الأدنى من الأجر وهو ما تم الإتفاق عليه في جلسات سابقة ونأمل ممن سيكلفون لاحقا مُواصلة العمل على هذا الأمر. ماذا عن آخر تطورات جامع الزيتونة؟ ولماذا جاء قرار عزل العبيدي الآن؟ في الحقيقة وحتى قبل قدومي تم تقديم عدة قضايا في الغرض، ولكن للأسف هناك عدة أسباب أجلت إسترجاع هذا المسجد ،وسببها الوثيقة التي تم إمضاؤها يوم 12 ماي 2012 بين الوزراء الثلاث السابقين وهم وزراء الشؤون الدينية والتربية والتعليم العالي ،رغم أنهم أكدوا أنهم لم يقصدوا تمكين العبيدي بكل هذا النفوذ وأنه سيسعى إلى إبعاد الجامع عن وظيفته الحقيقية ولكننا حرصنا على التحاور معه وعملنا على الخروج بنتائج إيجابية وان ندفعه إلى التفريق بين المنبر والمشيخة ولكن للأسف كانت إجاباته دائما سلبية. تساءلتم لماذا الآن وليس سابقا؟ ببساطة لأن الإمكانيات التي لدينا لا تخوّل لنا فتح عدة واجهات في نفس الوقت ،فرغم أن هناك إنفلاتا وأنه ليس بنفس الخطر الذي يشكله التكفيريون الذين كانوا يصعدون على المنابر. لذلك أجلنا الحسم في جامع الزيتونة ولما إنتهينا من إسترجاع المساجد والمنابر التي يسيطر عليها التكفيريون والمتشددون ركّزنا على حلّ هذه المشكلة بطريقة منطقية وقانونية. وربما ما ساعدنا أكثر ،هو قرار الهيئة الوقتية التي كانت تعمل ضمن المشيخة والتي إرتأت أنه حان الآوان لعزل العبيدي من سدة المشيخة ومن المنبر، وهو ما مكننا كوزارة بالتنسيق مع بقية الوزارات من سحب الوثيقة التي كانت بسببها تفشل جل القضايا المرفوعة ضده. وللإشارة فإن سحب الوثيقة لا يعني البتة أننا ضدّ التعليم الزيتوني،وضد المشيخة بل بالعكس فقد تعاونا مع ممثلي الهيئة الوقتية واتفقنا معهم على مواصلة العمل وحثهم على انتخاب هيئة جديدة حتى لو قدم وزير جديد والتعاون مطلوب. ألم تفكروا في مراجعة الخطابات الدينية خاصة أمام موجة الإستقطاب التي طالت الشباب؟ مقاومة هذه الظاهرة لا تكون إلا عبر الفكر ،لا يمكن أن يحلّ الإشكال عن طريق الجانب الأمني فقط بل لابد أن يأخذ الجانب الفكري الحيز الأكبر في مقاومة هذه الظاهرة، ونعتبر أن التعليم الزيتوني يمكن أن يقوم بهذا الدور، لأنه تبيّن تاريخيا أن الفكر الزيتوني كان حاميا للديار طيلة عدة قرون وأن باستطاعته أن يواجه كل الدعوات الغريبة التي تظهر في المجتمع. ولتحقيق ذلك لا بدّ من التعاون بين الدولة بمختلف مؤسساتها والمجتمع المدني، واعتبر ان مشيخة جامع الزيتونة بما تمتلكه من تجربة وخبرة ربما قد تحتاج إلى مزيد التمتين وإلى القيام يبعض الإصلاحات ولكنها قادرة على مقاومة ظاهرة الإرهاب فالعقول المتشددة عندما تمسك وتوضع في السجون لا تعالج و أعتقد أننا لم نحل المشكلة بل أجّلنا فقط النظر فيها وأجّلنا الحلول. لأول مرة في تاريخ تونس يتم تشخيص الوضع الديني بالبلاد ،فمنذ 6 أشهر تقريبا ونحن نعمل كوزارة شؤون دينية بالتنسيق مع خلية داخل رئاسة الحكومة لإعداد مشروع يتضمن تقديم رؤية مستقبلية للعناية بالشأن الديني في تونس وذلك بعد تشخيص الوضع واقتراح البدائل، فمثلما أعددنا مشروعا لمقاومة الإرهاب ومشروع لإعادة النظر في المنظومتين التربوية والصحية فإننا في حاجة اليوم إلى مشروع يخص الشأن الديني في تونس الذي له صلة بكل جوانب الحياة ،ومن المنتظر أن نقدم هذا المشروع الى الوزير الجديد في إطار تسليم المهام وسيكون في شكل وثيقة تتضمن الكثير من العمل الجاد وسنقدم والمقترحات مما سيمكّن من حلّ الكثير من المشاكل . نحن في مرحلة تعتمد على البناء ضمن خطط واضحة وإلى التعاون بين الوزارات من أجل حياة أفضل للمجتمع التونسي الذي فقد السعادة نتيجة عدة عوامل من أبرزها تراجع القيم الإسلامية. تحدث البعض عن تعصير الكتاتيب وإلحاقها بالمنظومة التربوية وتجهيزها بحواسيب وتجهيزات عصرية ....لكن يبدو أن عديد الكتاتيب لم ترتق إلى المستوى المنشود لماذا ؟ ميزانية وزارة الشؤون الدينية هي الأضعف تقريبا ،ورغم محدودية ميزانيتنا وبالنظر إلى نسبة الأجور والمنح المقدمة والتي تمثل 96 بالمائة من حجم ميزانيتنا فقد كان هناك جهد كبير من قبل إطاراتنا الدينية وموظفينا القائمين على الكتاتيب ،نقرّ أننا عاجزون عن منافسة القطاع الخاص في هذا الجانب ولكنّنا نسعى إلى تأمين خدمات جيدة كحفظ نصيب من القرآن الكريم وتعليم الأخلاق الحسنة لأطفالنا ،هناك كتاتيب جيّدة وأخرى في حاجة إلى مزيد العناية. هل ستتم مراجعة نشاط الرياض القرآنية ؟ نطالب وزارة المرأة الجديدة بأن تمدّ أيديها إلى وزارة الشؤون الدينية لمراجعة وتحسين مردود الرياض القرآنية ولضمان خطاب متوازن يُلقن لأطفالنا. نحن ضد الإقصاء ،وأغلب وزراء «جمعة» يؤمنون بالتعاون في ما بينهم وقد كنا تقريبا نجتمع من حين إلى آخر ولم نكن ننتظر رئيس الحكومة لتجميعنا ...إلتقيت سابقا بوزيرة المرأة وكلما طرأ إشكال أو مستجدات إلا وتناقشنا فيها وبحثنا عن حلول لمعالجتها دون ضوضاء أو غوغاء . طالبتم سابقا بمراجعة البرنامج المدرسي وتدعيم إدراج مادة التربية الإسلامية في عديد الاختصاصات... لماذا؟ أعتبر أن هذا المطلب هو مطلب شعبي ،ولا يتعلق بمنير التليلي كوزير شؤون دينية فقط ،فعندما نلاحظ حجم المشاكل في مدارسنا من انتشار المخدرات وتغلغل العنف بين التلاميذ والذي طال حتى الأساتذة ...وعندما نشاهد الشباب التونسي يسافر إلى سوريا يصبح من البديهي في اعتقادنا ان تلعب المؤسسة التربوية دورها الى جانب دور الأسرة والإعلام . قد تكون هناك إجراءات وقرارات أُ تخذت سابقا لغايات سياسوية ولمحاربة حزب معين ولكننا اليوم في حاجة الى إعادة تقييم الأمور بعيون ثاقبة وإلى إعادة النظر في واقعنا التربوي والجامعي. ماذا عن التجاوزات التي طالت بيوت الله من سرقة زرابي وكتب دينية ....هل وصلتكم ملفات في هذا الصدد ؟ حصول مثل هذه التجاوزات في بيوت الله خطير جدا،صحيح أنّنا نسمع بين الفينة والأخرى عن مثل هذه التجاوزات وحتى ربما أخطر منها، وفي اعتقادي هناك عدة إصلاحات كبرى يجب القيام بها ،فغياب القيم في مجتمعنا والسرقة في بيوت الله تدفعنا إلى التساؤل إلى أين يمكن أن نسير.؟وبالتالي لن نستغرب من حصول تجاوزات في الإدارات أو في الشوارع ما دامت بيوت الله تسرق؟... هناك سرقات أخرى في المساجد والتفقديات العامة ننظر فيها فبعد الثورة سجلنا ارتفاعا كبيرا في استهلاك الماء والكهرباء إذ زادت القيمة بين 25 و30 بالمائة وللإشارة ميزانيتنا كوزارة تبلغ 86 مليارا تخصّص منها 11 مليارا للكهرباء والماء ،وهناك حتى من يسرق الكهرباء والماء من المساجد بربط منزله بقنوات الماء وأسلاك المسجد ولذلك اتخذنا قرارا بغلق المساجد بعد أوقات الصلاة للحد من مثل هذه التجاوزات. هل هناك اجراءات جديدة لموسم الحج؟ منذ فترة بدأنا في الإعداد لموسم الحج،إذ قمنا بالبناء على الإيجابيات التي تحققت في التجارب السابقة وإصلاح ما هو سلبي، أعتقد أن هناك تطورا في هذا الجانب وحاليا ندرس السلبيات وكيف يمكن تجاوزها والوزارة تتحمل جزءا من المسؤولية تجاه أداء فريضة الحج والنقائص الحاصلة وهناك جزء تتحمله وزارة الصحة وآخر الخطوط التونسية وشركة الخدمات والإقامات المكلفة بكراء النزل والمعاش والخدمات ثم تقوم الوزارة بالإشراف على القطاعات الثلاث. وبالتالي فإنّ دورنا هو التوعية والإرشاد الديني ،وقد قمنا بعديد الدورات التكوينية للإعداد الفكري والتوعوي للحجيج وتعاونا مع المجتمع المدني للقيام بحجات بيضاء ،وحاولنا في كل ذلك توفير اسباب النجاح. وأعتبر ان أكبر مشكلة مازلت تواجهنا في هذا الصدد هي نوعية الحاج التونسي من حيث سنه فهو من أكبر الحجاج في العالم كما ان هناك نقصا في الوعي الإجتماعي لدى بعض حجيجنا ممن يعتقدون أنّ الحج سياحة والحال ان الحج عبادة وفيه مشقة كبيرة ويتطلب أن يكون الحاج مستعدّا له نفسيا وبدنيا وماديا . يرى البعض ان الخدمات المقدمة للحاج التونسي ليست في مستوى الكلفة المرتفعة للحج ؟ لابد من عيش التجربة للمقارنة بين الأشياء ،فعندما تكون النزل قريبة جدا من الحرم المكي مع العلم ان الحرم يشهد تغييرات وإصلاحات جذرية يفوق الطلب العرض بكثير ...وبالتالي فإن جل هذه المعادلات تجعل انّ الأثمان مرتفعة . حصة تونس تقلصت إلى 8،300 حاجا وذلك بسبب الإصلاحات إضافة الى إنحدار الدينار التونسي كل هذا له تأثير كبير على كلفة الحج . بعد الإعلان الرسمي عن تركيبة الحكومة ،كيف تقبلتم الإنتقال من المؤقت الى الدائم؟ في الحقيقة هذا الأمر كان منتظرا ،ومنذ البداية كنا نعرف مصيرنا. فقد سألنا المهدي جمعة رئيس الحكومة منذ أول لقاء جمعنا به:هل أنتم مستعدون للعمل سنة فقط ؟ مشيرا الى أنّنا سنقوم بسنة «جندية» وأجبنا ساعتها ان الإصلاحات والخروج بتونس من عنق الزجاجة يتطلب التضحية وأنّنا مستعدون. وأؤكد انه لا يمكن أن يوجد فريق مثل الذي عملنا معه برئاسة المهدي جمعة لأننا انطلقنا كأشخاص لا نعرف بعضنا البعض واليوم تجمعنا لحمة كبيرة رغم الصعوبات التي مررنا بها. اليوم نبارك التركيبة الجديدة للحكومة ،ونتمنى لها كل التوفيق ،صحيح سنخرج من المؤقت الى الدائم ولكن الحكومة الجديدة ستجد أرضية مناسبة للعمل وتواصل المشوار والسفينة تتسع لنا جميعا. ماذا تقول لعثمان بطيخ وزير الشؤون الدينية الجديد وماهي وجهتك القادمة؟ هو أستاذي قبل كل شيء،ودرّس في جامع الزيتونة ،هو ليس بغريب عن القطاع الديني فهو مفت سابق للديار التونسية والآن يتولى وزارة ،أتمنى له التوفيق ونحن في خدمته متى شاء الإستعانة بنا من خلال الخبرة التي إكتسبناها ،نؤمن أن الأشخاص ذاهبون والدولة باقية والعقلية التي عشناها قبل الثورة انتهت وولّت ولن تعود وهدفنا جميعا المصلحة العامة والتقدم بتونس. أما وجهتي القادمة فأنا سأعود إلى التدريس بالجامعة وإلى المحفظة وهو شرف لي وآمل ان يوفقنا الله جميعا.