القيروان.. 7 مصابين في حادث مرور    أمين عام الأمم المتحدة.. العالم يجب ألاّ يخشى ردود أفعال إسرائيل    أخبار مستقبل قابس...عزم على ايقاف نزيف النقاط    صفاقس شاطئ الشفار بالمحرس..موسم صيفي ناجح بين التنظيم والخدمات والأمان!    نفذته عصابة في ولاية اريانة ... هجوم بأسلحة بيضاء على مكتب لصرف العملة    استراحة «الويكاند»    28 ألف طالب يستفيدوا من وجبات، منح وسكن: شوف كل ما يوفره ديوان الشمال!    ميناء جرجيس يختتم موسمه الصيفي بآخر رحلة نحو مرسيليا... التفاصيل    توقّف مؤقت للخدمات    محرز الغنوشي:''الليلة القادمة عنوانها النسمات الشرقية المنعشة''    مع الشروق : العربدة الصهيونية تحت جناح الحماية الأمريكية    رئيس "الفيفا" يستقبل وفدا من الجامعة التونسية لكرة القدم    عاجل/ عقوبة ثقيلة ضد ماهر الكنزاري    هذا ما قرره القضاء في حق رجل الأعمال رضا شرف الدين    الاتحاد الدولي للنقل الجوي يؤكد استعداده لدعم تونس في تنفيذ مشاريعها ذات الصلة    بنزرت: مداهمة ورشة عشوائية لصنع "السلامي" وحجز كميات من اللحوم    عاجل/ المغرب تفرض التأشيرة على التونسيين.. وتكشف السبب    عفاف الهمامي: أكثر من 100 ألف شخص يعانون من الزهايمر بشكل مباشر في تونس    الترجي الجرجيسي ينتدب الظهير الأيمن جاسر العيفي والمدافع المحوري محمد سيسوكو    رابطة أبطال إفريقيا: الترجي يتجه إلى النيجر لمواجهة القوات المسلحة بغياب البلايلي    عاجل/ غزّة: جيش الاحتلال يهدّد باستخدام "قوة غير مسبوقة" ويدعو إلى إخلاء المدينة    قريبا: الأوكسجين المضغوط في سوسة ومدنين... كيف يساعد في حالات الاختناق والغوص والسكري؟ إليك ما يجب معرفته    البنك التونسي للتضامن يقر اجراءات جديدة لفائدة صغار مزارعي الحبوب    عائدات زيت الزيتون المصدّر تتراجع ب29،5 بالمائة إلى موفى أوت 2025    أريانة: عملية سطو مسلح على مكتب لصرف العملة ببرج الوزير    سطو على فرع بنكي ببرج الوزير اريانة    أكثر من 400 فنان عالمي يطالبون بإزالة أغانيهم من المنصات في إسرائيل    عاجل: تونس تنجو من كارثة جراد كادت تلتهم 20 ألف هكتار!    دعوة للترشح لصالون "سي فود إكسبو 2026" المبرمج من 21 إلى 23 أفريل 2026 ببرشلونة    بعد 20 عاماً.. رجل يستعيد بصره بعملية "زرع سن في العين"    توزر: حملة جهوية للتحسيس وتقصي سرطان القولون في عدد من المؤسسات الصحية    10 أسرار غريبة على ''العطسة'' ما كنتش تعرفهم!    عاجل- قريبا : تركيز اختصاص العلاج بالأوكسيجين المضغوط بولايتي مدنين وسوسة    عاجل/ مقتل أكثر من 75 مدنيا في قصف لمسجد بهذه المنطقة..    مهذّب الرميلي يشارك في السباق الرمضاني من خلال هذا العمل..    قريبا القمح والشعير يركبوا في ''train''؟ تعرف على خطة النقل الجديدة    شنية حكاية النظارات الذكية الجديدة الى تعمل بالذكاء الاصطناعي...؟    بلاغ مهم لمستعملي طريق المدخل الجنوبي للعاصمة – قسط 03    نقابة الصيدليات الخاصة تدعو الحكومة إلى تدخل عاجل لإنقاذ المنظومة    مجلس الأمن يصوّت اليوم على احتمال إعادة فرض العقوبات على إيران    أغنية محمد الجبالي "إلا وأنا معاكو" تثير عاصفة من ردود الأفعال بين التنويه والسخرية    البطولة العربية لكرة الطاولة - تونس تنهي مشاركتها بحصيلة 6 ميداليات منها ذهبيتان    ما تفوتهاش: فضائل قراءة سورة الكهف يوم الجمعة!    حملة تلقيح مجانية للقطط والكلاب يوم الاحد المقبل بحديقة النافورة ببلدية الزهراء    المعهد الوطني للتراث يصدر العدد 28 من المجلة العلمية "افريقية"    افتتاح شهر السينما الوثائقية بالعرض ما قبل الأول لفيلم "خرافة / تصويرة"    جريمة مروعة/ رجل يقتل أطفاله الثلاثة ويطعن زوجته..ثم ينتحر..!    بطولة العالم للكرة الطائرة رجال الفلبين: تونس تواجه منتخب التشيك في هذا الموعد    شهداء وجرحى بينهم أطفال في قصف الاحتلال عدة مناطق في قطاع غزة..# خبر_عاجل    هذه الشركة تفتح مناظرة هامة لانتداب 60 عونا..#خبر_عاجل    في أحدث ظهور له: هكذا بدا الزعيم عادل إمام    تصدرت محركات البحث : من هي المخرجة العربية المعروفة التي ستحتفل بزفافها في السبعين؟    عاجل : شيرين عبد الوهاب تواجه أزمة جديدة    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    سعيد: "لم يعد مقبولا إدارة شؤون الدولة بردود الفعل وانتظار الأزمات للتحرّك"    خطبة الجمعة .. أخطار النميمة    وخالق الناس بخلق حسن    يا توانسة: آخر أيام الصيف قُربت.. تعرف على الموعد بالضبط!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جمال العويديدي (خبير اقتصادي وصناعي) ل«التونسية»:التبادل الحرّ مع أوروبا انتحار
نشر في التونسية يوم 09 - 05 - 2015

هدف شراكة القطاعين العام والخاص ابتلاع القطاعات السيادية
مساعدات الدول الغنيّة.. وهم
عجز تونس التجاري فاق 22 مليار دينار في 2014
حكومات ما بعد الثورة لم تغيّر شيئا
حوار: أسماء وهاجر
نحو تعميم الخصخصة في كل الميادين وتعليق مسؤوليات القطاع العام في كل القطاعات المناطة بعهدته... ارتفاع المديونية بطريقة فاحشة... مخاوف ما فتئ يثيرها خبراء الاقتصاد لتتعالى صيحات الفزع من منوال التنمية الذي «يعد رأس الحية»... تداخل كبير بين القطاع المنظم والقطاع الموازي زاد المسائل تعقيدا مقابل إجراءات موجعة لمواطن انتظر الكثير من الثورة... تساؤل يطرح نفسه: لماذا الإصرار على منوال التنمية القديم الذي لن يوصل البلاد إلّا لسياسة التسول و«عمالة المواطن» للشركات الاجنبية القوية بكراس شروط أول بند فيه إهانة المواطن التونسي في بلده الذي من المفترض أن يتمتع فيه بالسيادة والكرامة... هذه بعض محاور حوار «التونسية» مع الدكتور جمال العويديدي الخبير الاقتصادي والصناعي الذي اكد أن القوى السياسية «الكبرى» التي فازت بانتخابات 2011 وكذلك تلك التي فازت في انتخابات 2014 منخرطة تماما مثلها مثل النظام السابق في هذا التوجه الليبرالي وأنه لابد من التفكير بجدية في منوال تنمية جديد يكرس استقلال وسيادة البلاد وتحقيق العيش الكريم لشعبها ولكن ليس بمزيد الخصخصة والتفويت في ثروات البلاد ومؤسساتها كما يطالب بذلك البنك الدولي.
تفاصيل الحوار في السطور التالية:
ما هي الكواليس الحقيقية لما يسمّى بالإجراءات الموجعة؟
منذ اندلاع الأزمة الاقتصادية التي هزت العالم بصفة عامة والبلدان الغربية بصفة خاصة في سنة 2007 - 2008 أصبحنا نسمع كلاما كثيرا عما يسمّى بالإجراءات الموجعة وهي وصفة البنك العالمي وصندوق النقد الدولي لتحميل الشعوب تداعيات هذه الأزمة طبقا لما يسمى ببرامج الإصلاحات الهيكلية التي أجمعت عدة جهات مختصة مثل وكالة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية على أنها فشلت في تحقيق أهدافها وأضرت بكل البلدان التي طُبقت فيها ولنا في تونس مثالا حيا في برنامج الإصلاحات الهيكلية الذي نُفّذ في سنة 1986 والذي أدى إلى اندلاع الثورة بمطالب اقتصادية واجتماعية بحتة.
وتتمثل هذه الوصفة بالأساس في المضي نحو تعميم الخصخصة في كل الميادين وتعليق مسؤوليات القطاع العام في كل القطاعات المناطة بعهدته كالصحة والتعليم والبنية التحتية ودعم المواد والخدمات الأساسية والثقافة وذلك لضرب عصفورين بحجر واحد : الأول هو الضغط على الميزانيات العامة حتى يتسنى دفع مستحقات الدين وخدمة الدين لصالح الجهات الدائنة بالأولوية والثاني السعي لمزيد الخصخصة طبقا للنظرية الليبرالية الموغلة لتسهيل انتشار وتمركز الشركات العالمية في البلدان المعنية.
من هذا المنطلق يمكن ان نجزم ما غفلت عنه غالبية الشعب التونسي منذ الثورة إلى اليوم هو أن القوى السياسية «الكبرى» التي فازت بانتخابات 2011 وكذلك تلك التي فازت في انتخابات 2014 منخرطة تماما مثلها مثل النظام السابق في هذا التوجه الليبرالي لطبيعة برامجها أولا ولطبيعة من ساهم في تمويل حملاتها الانتخابية ثانيا وغالبيتها مقرّبة من النظام السابق وكذلك سعيا لإرضاء القوى الخارجية التي تقف وراء هذا المشروع وبالذات الاتحاد الأوروبي والبنك العالمي وصندوق النقد الدولي وهي ما تسميه القوى الوطنية في اليونان ب«الترويكا العالمية».
على هذا الأساس نعتقد أن كل القطاعات الحساسة والإستراتيجية في البلاد موضوعة تحت المجهر منها ما تبقى من البنوك العمومية وكذلك قطاع النقل جوا وبرا وبحرا وقطاع الطاقة والطاقات المتجددة والصحة والتعليم حيث نشهد تهافت القطاع الخاص على كل هذه القطاعات السيادية وقد أعدوا إطارا خاصا بهذا البرنامج سُمّي بالشراكة بين القطاع العام والخاص لتسهيل تمرير هذا المشروع.
رغم وعود رئيس الحكومة الحبيب الصيد بوضع خطة لمقاومة التهرّب الجبائي والقيام بإصلاحات فإنه لا توجد حتى الآن أيّة بوادر عمليّة من أجل محاربة التهرب الضريبي وإرساء منظومة جديدة تضمن العدالة الجبائية. في اعتقادكم لماذا؟
من الواضح أن تقييم الوضع الاقتصادي والاجتماعي في البلاد لم يعد محل اختلاف على الأقل على مستوى تداعياته على البلاد وعلى العباد: اختلال في الموازنات المالية الداخلية والخارجية، غلاء المعيشة، تدهور قيمة العملة الوطنية، تفاقم المديونية تفشي البطالة علاوة على التهميش الذي تعيشه الجهات الداخلية، تفاقم ظاهرة التجارة الموازية وهي المصدر الأساسي للتهرب الضريبي وهنا يكمن الجواب على سؤالكم. حيث نلاحظ أن كل الحكومات التي تداولت على السلطة منذ 14 جانفي 2011 إلى اليوم لم تغير شيئا من هذا الواقع المؤلم رغم كل الوعود. لذا يبدو أن هناك تداخلا كبيرا بين القطاع المنظم والقطاع الموازي وما جرى مؤخرا في جهة صفاقس في ملامحه الأولى على الأقل يعلل هذا التحليل. يبدو أن هناك جهات متخفية داخليا وخارجيا تريد المزيد من تفاقم للوضع لتنفيذ خطط جاهزة من بينها مثلا مشروع الاتحاد الأوروبي لإحداث منطقة التبادل الحر والمعمق الذي سيشمل قطاع الخدمات والمنتوجات الفلاحية.
من يحمي رجال الأعمال الفاسدين والمتهرّبين من الضرائب؟
هذه مسألة مهمة جدا ومصيرية بالنسبة لمستقبل البلاد. عندما يطرح هذا السؤال يجب أن نعلم أن الحماية تعني التملص من العدالة ومن تطبيق القانون. وهذا المرفق هو بيد السلطة وعنوانها واضح. لا توجد إرادة سياسية في هذا الموضوع وما طُرح حاليا حول طيّ صفحة الماضي وطرحته الأحزاب الحاكمة السابقة وفي مقدمتها حركة «النهضة» منذ سنة 2012 هو محل مزايدات بين السياسيين.
لماذا انزعجت كثيرا منظمة الاعراف من تصريح حسين العباسي؟ هل رجال الاعمال فوق النقد؟
كنت شخصيا من بين مناضلي منظمة الأعراف الأوائل الذين طالبوا بضرورة إصلاح هذه المنظمة حتى تقطع مع ممارسات سابقة وفي مقدمتها اعتبار البعض المنظمة أداة للحصول على امتيازات مَشبوهة أساءت لصورتها على مدى أكثر من عقدين حتى تتمكن من القيام بنقلة نوعية وحضارية لتصبح أداة اقتراح لمنوال تنمية وطني يكرس استقلال وسيادة البلاد ويحقق الكرامة والحرية لكل أبناء الوطن وفي كل الجهات. طالبت بضرورة التقارب العميق والاستراتيجي وليس الظرفي مع الاتحاد العام التونسي للشغل لما له من تاريخ مجيد في النضال الوطني ويكفي أن نذكّر ببرنامج «آفاق» في بداية الاستقلال الذي خرج من رحم الاتحاد العام التونسي للشغل في مؤتمره سنة 1956 والذي كرس مبدأ القطع مع الاستعمار ورد الاعتبار لكرامة المواطن التونسي وذلك عبر برنامج لبعث أقطاب صناعية محلية كبرى وموزعة بطريقة جغرافية شملت تقريبا كل الجهات نذكر من بينها مصنع الفولاذ بمنزل بورقية وتكرير النفط ببنزرت ومصنع الورق بالقصرين ومصنع السكر بباجة ومصانع مواد البناء في كل من طبرقة وجندوبة والحامة والمجمع الكيمائي بقابس ومصانع النسيج بكل من بئر القصعة بتونس والمكنين والمنستير ومصنع تركيب السيارات بسوسة علاوة على تنمية السياحة التي كانت المبادرة الأولى فيها للدولة. هذه القوة الخلاقة لابد أن تتفاعل معها منظمة الأعراف بتعديل الأهداف المشتركة في إطار المصلحة العليا للبلاد. أردت أن أُذكّر بهذا التاريخ حتى أبين أن ما يُقّرب بين المنظمتين أهم من بؤر الاختلاف بينهما. ولمزيد التوضيح أدعو منظمة الأعراف إلى الإعراب عن موقفها من تداعيات اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي خاصة على مستوى المؤسسات الصغرى والمتوسطة وعلى مستوى التشغيل بعد مرور عشرين سنة من توقيعه وأن تعلن أيضا موقفها من مشروع منطقة التبادل الحر الذي سيفتح الباب على مصراعيه لقطاع الخدمات لمواطني الاتحاد الأوروبي وبدون تأشيرة بينما يبقى المواطن التونسي يتسوّل التأشيرات أمام السفارات الأوروبية إذا لم يلق بنفسه للتهلكة في البحر كما ستفتح المواد الفلاحية للمنافسة مع بلدان الاتحاد الأوروبي وهي خطوة أعتبرها انتحارية بكل المقاييس خاصة في ظل انعدام وجود تقييم لاتفاق الشراكة وفي ظل تعتيم تام حول هذا الموضوع الخطير.
أريد أن أضيف نقطة هامة في موضوع منظمة الأعراف التي مع الأسف عّودتنا منذ الثورة بفّزاعة الوضع الأمني وهروب الشركات والمستثمرين الأجانب لنقول لها متى ستُقلعين عن هذه المغالطات إذ نذكرها
أن الوضع الأمني في عهد بن علي كان على أفضل ما يكون ولكنّنا لم نشهد تزايدا للاستثمار لا الأجنبي ولا الوطني واستفحلت البطالة والهجرة السرية منذ عشرات السنين والدليل أن الإحصائيات الرسمية لوكالة الاستثمار الخارجي «الفيبا» تؤكد أن عدد المؤسسات الأجنبية مازال مستقرا في حدود 3162 مؤسسة في أفريل 2015 وهو نفس الرقم الذي ذكرته سفيرة الاتحاد الأوروبي في مجلة اقتصادية تونسية صدرت بتاريخ غرة أفريل 2015. وهناك مع الأسف أشباه مختصين ذكروا مؤخرا أن أكثر من 2600 شركة غادرت البلاد وهذه مغالطات تهدف كما ذكرنا سابقا لشيطنة كل طرف يطالب باستحقاقات مشروعة. مع التذكير أيضا أن 3162 شركة لا تدفع الضرائب وتتحصل على منح جد عالية فكيف لها أن تترك هذا الفردوس الذي لا يوجد مثله في كل بلدان العالم؟
أصدر البنك الدولي في 2014 تقريرا حول تونس أعلن فيه عن موت الأنموذج التنموي السابق الذي أدى إلى الثورة وضرورة إيجاد أنموذج بديل لكن اليوم دار لقمان على حالها. كيف تُفسر ذلك؟
يجب الحذر في هذا الموضوع لأن تقرير البنك الدولي الذي عنونه ب«الثورة غير المكتملة» هو في الحقيقة كلمة حق أريد بها باطلا. ذلك أن البنك الدولي كان بالأمس القريب يمجد ويمدح منوال التنمية التونسي والذي كان يعتبره التلميذ النجيب وهو يعلم أن الحقيقة كانت مغايرة. غير أنه في إطار خطة محكمة، قام بخطوة نقدية سعيا للتكفير عما صدمه من ردة فعل الشعب التونسي بين 17 ديسمبر 2010 و14 جانفي 2011. حيث أقر في هذا التقرير بأن التعويل على الشركات الأجنبية الغير مقيمة في إطار الاستثمار الخارجي الذي طالما لهثت وراءه الحكومات السابقة والحالية لن يمكّن تونس من تحقيق التنمية بل كرس الفوارق بين الجهات الساحلية والجهات الداخلية نتيجة اختيار تلك المؤسسات الانتصاب في المناطق الساحلية علاوة على القيمة المضافة الضئيلة التي يقدمها. ناهيك أنه يتمتع بإعفاءات ضريبية كاملة والأغرب أنه يتمتع أيضا بمنح عالية جدا تصرف من ميزانية الدولة التونسية قدّرها البنك الدولي في تقريره الأخير بمليار دولار أمريكي سنويا أي ما يعادل ملياري دينار (ألفي مليون دينار) ممّا يمثل تقريبا 40 بالمائة من مبلغ صندوق الدعم. لذلك لابد لنا من التفكير بجدية في منوال تنمية جديد يكرس استقلال وسيادة البلاد وتحقيق العيش الكريم لشعبه ولكن ليس بمزيد الخصخصة والتفويت في ثروات البلاد ومؤسساته كما يطالب بذلك البنك الدولي.
اين وصلت «النجدة» التي وعدت بها قمة الثماني؟
من كان يعتقد في تلك الأوهام لا يمكن أن يكون إلا ساذجا أو متواطئا لأن الذي يعوّل على هذه المجموعة التي تتخبط أغلبيتها في أزمة مالية عالية الخطورة لم يحصل لها مثيل منذ 1929 غير ملم بمجريات واقع الاقتصاد العالمي. ما يجري لليونان وإيرلندا والبرتغال دليل مهم على ما نقول. دعني أقول في هذا الموضوع أنه كان من الأجدى عوض الترويج لسياسة التسوّل والاستجداء تربية الشعب التونسي على التعويل على الذات عبر المحافظة على ثرواته الوطنية وصونها من النهب والفساد.
وما سيروج له عن قريب في اجتماع السبع القادم بألمانيا هو نفس سيناريو «دوفيل» بفرنسا في سنة 2011 والذي لم يسفر عن أيّة نتيجة. علينا أن نقول بكل وضوح أن هذه البلدان ليست مؤسسات خيرية بل بلدان تريد الكسب والربح الوافر واستغلال الظروف المتاحة للإنقضاض على كل الفرص والبلدان الغارقة في الديون مثل تونس هي فرص سانحة لهم وهذا واقع المعاملات بين الدول لذلك كفانا سذاجة وتعويما ومراوغة.
احد المحلّلين السياسيين اعتبر أن ازمة الاقتصاد التونسي انطلقت منذ 1986 لانه وضع تحت رعاية صندوق النقد الدولي على سكة النظام الراسمالي (ما يعرف بالرأسمالية الطفيلية) ما رأيك؟
أعتقد أن ذلك صحيحا وصائبا ولديّ بعض الدراسات حول هذا الموضوع تم نشر البعض منها في الصحف الوطنية تبين بالوثائق الرسمية أن مردّ الوضع الاقتصادي الأساسي الذي تعيشه البلاد هو تطبيق برنامج الإصلاح الهيكلي الذي تم فرضه من طرف صندوق النقد الدولي في سنة 1986 وكذلك اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي الذي أضر بنسيجنا الصناعي الوطني بنسبة 55 بالمائة مما جعل البلاد تتجه نحو التوريد واللجوء للنشاط التجاري وهذا ما يفسر تنامي الفضاءات التجارية الكبرى. هذا زيادة على تنامي التجارة الموازية والتي انتشرت، خلافا لما يروّج له غالبا، عبر الشركات الغير مقيمة التي سمحت لها الدولة بترويج 30 بالمائة من إنتاجها داخل السوق المحلية والتي مرت إلى نسبة 50 بالمائة في قانون المالية لسنة 2015 في خرق صارخ لقانون المنافسة وبلا مراقبة جدية وصارمة. ومن أكبر القطاعات المتضررة من هذا التوجه الخاطئ نذكر قطاعي النسيج والملابس والجلد والأحذية اللَذْين تعطّل نشاط أغلبهما وكذلك صناعة الخشب والموبيليا وصناعة مواد البناء وصناعة البلاستيك وغيرها. مع العلم أن أغلب الشركات الحكومية التي تمت خصخصتها تم إغلاقها وتحويل الكثير منها إلى مشاريع عقارية مربحة في خرق صارخ للقانون ولكراس الشروط الذي تم تطويعه عبر بوابة الفساد.
الدولة التونسية نحو الخصخصة التامة.. من المستفيد الحقيقي؟
بالتأكيد لن يكون المستفيد الفئات الكبرى من الشعب التونسي. الخصخصة هي البوابة الكبرى لتمركز الشركات العالمية ولمن يقوم بالمناولة الداخلية لها.
معالجة الديون بالديون.. هل صحيح أن تونس مقبلة على إفلاس حقيقي؟
ينبغي التذكير أن خلاص الديون بالديون هو أمر ممنوع في القانون الداخلي لصندوق النقد الدولي وهو الفصل الذي لجأت إليه دولة الأكواتور في خلافها مع تلك المنظمة وقد خرجت منتصرة من هذا الخلاف وقلصت ديونها بصفة عالية جدا. اليوم نلاحظ أن تونس تعاني من عجز تجاري حقيقي فاق 22 مليار دينار في سنة 2014 أي ما يعادل 68 بالمائة من ميزانية الدولة لسنة 2015 وعندما نعلم أن مصادر العملة الخارجية لدينا لا تتعدى الستة أو السبعة مليارات دينار في السنة (تقريبا 3,5 من السياحة والخدمات و3 مليارات دينار من تحويلات عمالنا بالخارج) فلا يمكن تغطية المبلغ المتبقي (بين 14 و15 مليار دينار) إلا بالديون الخارجية. وهذا يفرض تساؤلا عمّا إذا كان هناك مخطط يهدف لتركيع البلاد لتسهيل تمرير الاتفاقيات المبرمج لها وإنّ اتفاق منطقة التبادل الحر الشامل والمعمق الذي يقترحه الاتحاد الأوروبي هو أحد أبرز هذه البرامج.
أوضح البنك الدولي في تقريره «الثورة غير المكتملة»، أن نهب الدولة لم ينته مع خروج بن علي، وأن التجاوزات تواصلت وربّما تسارعت مع ظهور «فكر الغنيمة» بعد الثورة. ما تعليقك؟
بعبارة واضحة الفساد الذي كان السمة الكبرى لنظام بن علي لم ينته بل استفحل منذ 14 جانفي 2011 إلى هذا اليوم ولا توجد إرادة سياسية للقضاء على هذه الظاهرة الخطيرة التي تنخر البلاد.
يرى البعض أن السيناريو الذي ينتظر تونس بعد تخلّي الدولة عن سيطرتها باسم حرية التجارة هو أنها ستصبح لقمة في يد الشركات العملاقة وتتحول شركات القطاع العام والخاص إلى ملكية لهذه الشركات العملاقة؟
أعتقد بكل وضوح أن السيناريو الذي ينتظر تونس هو أصعب وأشنع من السيناريو الذي ضرب اليونان وإيرلندا والبرتغال. ديون اليونان كانت في حدود 120 مليار أورو في سنة 2010. فرض عليه برنامج إصلاحات هيكلية من الترويكا العالمية (الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي) بدعوى إخراجه من هذه الأزمة فقبل حكومة وشعبا الإصلاحات الموجعة حيث تنازل الموظفون عن 30 بالمائة من الأجور وتم إغلاق مؤسسات الإذاعة والتلفزة الوطنية لعدم توفّر المال اللازم ثم اضطروا إلى التفويت في ممتلكات البلاد السياحية والأثرية والموانئ والشركات الصناعية وكانت النتيجة أن ارتفعت الديون إلى 320 مليار أورو في سنة 2014 وعم الفقر والاحتياج عامة الناس ولم يتعاف اقتصاد البلاد بل زاد سوءا. هذا في اليونان الذي هو عضو كامل الشروط في الاتحاد الأوروبي فما بالك بتونس التي هي مجرّد شريك؟
فنحن إذا نقترب بل على قاب قوسين أو أدنى من السيناريو اليوناني. والرد لا يمكن أن يكون إلا على شاكلة رد الشعب اليوناني الذي أعلن عن رفضه لهيمنة الترويكا العالمية عبر اختياره لحزب طرح مسألة رد الاعتبار لكرامة المواطن اليوناني فوق كل اعتبار ويرفض مصادرة حقه في تقرير مصيره ويطالب بإعادة النظر في تلك المديونية وهو ما فعله الفريق الشاب لحزب سيريزا الذي انتخب يوم الأحد 25 جانفي الماضي وكوّن حكومته يوم الاثنين 26 جانفي واستلم السلطة يوم الثلاثاء 27 ثم انطلق مباشرة في نفس اليوم بفتح المفاوضات حول مستقبل بلاده وشعبه وهو إلى اليوم يصارع ويناور بكل إمكانياته لنيل مبتغاه وما ذلك بالسهل واليسير. وهذا ما نفتقد إليه حاليا في تونس، لي ثقة في قدرة شعبنا وخاصة شباب تونس على الاستفاقة للذود عن سيادة الوطن وعن حريته وكرامته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.