مدنين: قروض بقيمة 20 ألف دينار لتشجيع الشباب على الاستثمار في السياحة    ترامب يجدد رغبته في لقاء الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ    مصر: زلزال بقوة 5.8 درجات يضرب محافظة "مرسى مطروح"    جلسة حول تنفيذ الميزانية    عاجل/ تعليق نشاط المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية لمدة شهر..    إعطاء إشارة انطلاق المبادرة الوطنية التشاركية للوقاية من السلوكيات المحفوفة بالمخاطر    البطولة العربية للكرة الطائرة للسيدات: النادي النسائي بقرطاج يواصل التألق ويفوز على نادي سلوى الصباح الكويتي بثلاثية نظيفة    جبنيانة ..يستدرجون ضحاياهم ل «الحرقة» ثمّ يفتكّون أموالهم    المهدية .. بمشاركة أكثر من 550 مُمرّضا من تونس والخارج ..اختتام الأيام الوطنيّة ال19 للإطارات شبه الطبيّة    اليوم وتحت شعار «روح دار الثقافة في نواديها» ...دار الثقافة سبيطلة تفتتح موسمها الثقافي الجديد    ملتقى حول الشيخ الطاهر بن عاشور    أولا وأخيرا: خلاص الفاتورة في الدورة    40 دينار للعلوش و32 للبقري... منظمة الدفاع عن المستهلك تدق ناقوس الخطر    الوسلاتية: ضبط شاحنة محمّلة ب21 رأس غنم مسروقة من ولاية منوبة    البطولة العربية للكرة الطائرة للسيدات: الترجي الرياضي يحقق فوزاً مثيراً على ناصرية بجاية الجزائري    جندوبة: افتتاح الدورة الأولى للمهرجان الدولي للأثر البيئي بجامعة جندوبة    ترامب حول صاروخ "Bourevestnik" الروسي: هم لا يلعبون معنا ونحن لا نلعب معهم    المنظمة التونسية لارشاد المستهلك تؤكد ضرورة احترام الالتزامات القانونية لمسدي خدمات العمرة    دراسة علمية صادمة : العمل لساعات طويلة يؤثر على دماغك وعلى صحتك النفسية    صدور مجلة "جيو" الفرنسية في عدد خاص بالتراث التونسي    صادم: 25% من التوانسة بش يمرضوا بالسكّري    لتحسين النوم.. هذه الفترة اللازمة لتناول المغنيزيوم    "غزة في عيون تونس" مبادرة فنية تشكيلية لتفعيل دور الفن كوسيلة للمقاومة    للتوانسة: الأفوكادو والمنڨا صاروا في نابل!    قضية التآمر1: عميد المحامين يرفض المحاكمة عن بعد ويطالب بعلنية الجلسة    عاجل/ حالة إحتقان بهذه الجهة بعد حادث مرور قاتل    قبلي: حجز واتلاف كمية من الاعلاف الحيوانية وتنظيف خزانات ومحطات تحلية المياه    تونس تحتضن النسخة الخامسة من رالي فينيكس الدولي    بطولة العالم للتايكوندو: إنسحاب فراس القطوسي وعائشة الزغبي من المسابقة    درة ميلاد: قطاع النقل الجوي فوّت على السياحة فرصا كبرى وخاصة في الجنوب التونسي    عاجل في تونس: تخصيص ألف مسكن لمنظومة ''الكراء المملّك'' في 2026    تنشط بين ليبيا وتونس.. تفكيك شبكة إجرامية دولية في مجال ترويج المخدرات    عاجل/ زبيّر بيّة يستقيل من رئاسة النجم الساحلي    خطير: نصف الأرصفة في العاصمة "مُحتلّة"!!    عاجل : النادي الإفريقي يعلن عن تعليق فوري لعضوية محمد الشافعي بسبب بهذه التجاوزات    أحدهم كان في طريقه للجزائر.. القبض على اثنين من عصابة متحف اللوفر    نابل: توقعات أولية بإنتاج القوارص في حدود 270 ألف طن ودعوة لاتخاذ إجراءات لتيسير عملية ترويج المنتوج    سليانة: تلقيح أكثر من 50 ألف رأس من الأبقار ضد الحمى القلاعية والجلد العقدي    كأس الكاف: قائمة الفرق المتأهلة إلى دور المجموعات    بالفيديو : صوت ملائكي للطفل محمد عامر يؤذن ويقرأ الفاتحة ويأسر قلوب التونسيين...من هو؟    عاجل/ الإطاحة بمروّع النساء في جبل الجلود    رسالة من صاحبة "أكبر شفاه في العالم"    زواج إليسا ووائل كفوري: إشاعة أم حقيقة؟    شوفوا أحوال الطقس : تقلبات جوية بداية من ليلة الخميس    فيروس ''ألفا'' ينتشر في تونس: أعراض تشبه ل''القريب'' وماتنفعش معاه المضادات الحيوية!    صحة التوانسة في خطر: حجز عُلب طماطم ''منفوخة''    برنامج "The Voice" يعود من جديد.. ومفاجأة في تشكيلة لجنة التحكيم    البطولة العربية للأندية النسائية لكرة اليد - اربعة اندية تونسية في الموعد من 1 الى 9 نوفمبر المقبل بالحمامات    تحطم طائرتين تابعتين للبحرية الأمريكية وسقوطهما في بحر الصين    كيف سيكون طقس الاثنين 27 أكتوبر؟    هيئة أسطول الصمود تكشف عن مصير تبرّعات التونسيين.. #خبر_عاجل    هجمات بمسيّرات تستهدف العاصمة الروسية.. وإغلاق مطارين    ابتداء من اليوم: الصيدليات الخاصة توقف العمل بصيغة "الطرف الدافع" للأمراض العادية    ترامب يغادر ماليزيا إلى اليابان بعد مراسم وداع مميزة في مطار كوالالمبور    حجز أكثر من 7.6 طن من المواد الغذائية الفاسدة وغير الصالحة للإستهلاك..    نهار الأحد: سخانة خفيفة والنهار يتقلّب آخر العشية    مصر.. تعطل الدراسة في 38 مدرسة حرصا على سلامة التلاميذ    زحل المهيب: أمسية فلكية لا تفوت بتونس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إضراب المعلمين :طفح الكيل
نشر في التونسية يوم 13 - 05 - 2015

احتلت الإضرابات في قطاع التربية والتعليم طيلة المدة المنقضية العناوين الرئيسية للنشرات الإخبارية والعناوين الأولى للصحف المكتوبة، لتصنع جدلا بين مختلف الأطراف المتدخلة في الموضوع .
و قد دخل أمس أكثر من 60 ألف معلم في أكثر من 4 آلاف مدرسة ابتدائية بكامل تراب الجمهورية في إضراب عن العمل لمدة يومين.
«التونسية» جابت عددا من شوارع العاصمة وتنقلت إلى بطحاء محمد علي لرصد الآراء و المواقف وعادت بالنقل التالي.
الطريق إلى ساحة محمد علي مليء بالتلاميذ الذين يحملون الحقائب ويتراشقون بالماء، بعضهم اختار أن يجلس في مداخل العمارات الباردة اتقاء للقيظ وبعضهم كانت المنازل مقصده جماعات وفرادى.
مرح الطفولة
لم تكن الفرحة البادية على وجوه التلاميذ خافية عن الأعين ، وكنت تستطيع أن تميز زخم الطاقة الكبير المنبعث منهم وهم يقطعون الطرقات مسرعين يطارد أحدهم الآخر ويجبرون السيارات على التوقف عنوة ، صوت المنبهات كان بمثابة نشاز وفاصل مقيت يحرمهم فرحتهم ويقتص منها .
أحلام الطفولة البريئة ترافقهم وهم عائدون إلى منازلهم ، دخان سيارة كثيف و أسود شكل غيمة أخفت مجموعة تلاميذ بأكملها ، سرعان ما انقشع وظهرت ملامح حقيبة كبيرة من بعده تبدو لناظرها من بعيد وكأنها لرائد فضاء أو كشاف ينوي الذهاب إلى التخييم في أحد الجبال البعيدة .
زاد كبير من الكتب أثقل خطى أغلبهم وقرب جدار غطته «أفيشات» الأفلام و الحفلات استراح تلميذان يخطان بعض العبارات ويدونان بعض ما يجول برأسيهما.
كنا نقطع شارع «مرسيليا» عندما لمحنا ابتدائية المكان فقررنا الدخول من أجل التقاط صورة ولكن عبثا حاولنا .
لم نجد غير سراب متراقص مثل أفعى مجلجلة يطغى على الساحة ورجع صدى مخيف ومنفر لقطرات ماء تصطدم بالأرض رويدا. وكأن المكان يدعونا إلى الرحيل ويقول لنا : لقد امتزجت قفرا وفقرا فلا داعي للوقوف .
غادرنا مسرعين صوب البطحاء من جهة شارع «روما»، وكلما اقتربنا أكثر اعترضنا صوت هتاف مدو قوي :جمع كبير من المعلمين يصرخون صرخة رجل واحد، جدران المكان تهتز على وقع أصواتهم الشبيهة بزئير الأسود.
حبيبات عرق تتصبب من وجوهم، ولافتات ملونة عديدة تحملها أياديهم، حوارات ثنائية و جماعية شكلت ضوضاء تقاطعت مع صوت الحناجر الهاتفة : «لا دراسة لا معلومة حتى ترضخ الحكومة، التصعيد التصعيد الإضراب من جديد... ».
أمراض وتاريخ نضالي
تسللنا حذو ثلاث معلمات نسترق السمع إلى موضوع الحديث وننتظر فرصة ملائمة للدخول في الموضوع، التفتت إحداهن تنظر إلينا نظرة غريبة فبادرناها بالسؤال عن الغاية من هذه الإضرابات المتكررة ، آمال شقرون مدرّسة بابتدائية « السمران» تزاول مهنة التعليم منذ ثلاثة عقود كاملة ، تحدثت بغضب و إصرار كبيرين عن « مهنة نبيلة تعاني الأمرين بسبب تردي البنية التحتية للقاعات التي تقطر ماء كل شتاء و تمتلئ بشظايا بلور الشبابيك و الأبواب المترهلة» .
انتقدت آمال البرامج الرسمية التي يتلقاها التلاميذ والتي لا تتلاءم مع واقعهم حسب تعبيرها ، واعتبرت أن إضراب المعلمين يتنزل في إطار جملة من المطالب المعقولة والتي تتمحور أساسا حول تغيير المنظومة التربوية بأكملها و توفير الإحاطة للتلاميذ وإعادة توزيع الزمن المدرسي و تمتيع المربين بحصص رسكلة وتكوين جديدة .
أما كلثوم صفر معلمة تزاول المهنة منذ 32 سنة وتدّرس بابتدائية « السمران» ، فقد عرجت على التاريخ النضالي لنقابة التعليم الأساسي و المعلمين في العهد القديم وقالت « الظروف حكمت علينا ، وزارة التربية تراجعت في عدد من المطالب مثل(الارتقاء الآلي... ) التي وافقت عليها في الجلسات التفاوضية مع نقابتنا ونحن لن نسلّم في أبسط حقوقنا ، لقد أصبنا بأمراض مزمنة جراء هذه المهنة، منا من قضى نحبه قبل أن يتقاعد بسببها وقد انهارت قدرتنا الشرائية و لم نعد نقوى على مجابهة غلاء المعيشة و ارتفاع المصاريف اليومية ، كفانا شيطنة للمعلمين وتحريضا عليهم».
حملة مأجورة
ويرى طارق الخوفي معلم شاب يزاول التدريس منذ سنة 2006 بمدرسة الحنايا (صنهاجة وادي الليل ) أن وزارة التربية تعتبر المعلمين مجرد أعوان تنفيذ لسياسات فوقية مسقطة حيث «لم يقع تشريكهم في إصلاح المنظومة التربوية ، وفي ظل التضحيات الجسام التي قدموها لم تتوان الوزارة عن شيطنة إضرابنا ، مطالبنا مهنية وليست مادية بالأساس فنحن لم نطالب بأية زيادة منذ 14 جانفي وتفهمنا ظروف الحكومات المتعاقبة في تلك الفترة العصيبة و العسيرة ولكن طفح الكيل وفاض الكأس أمام كل هذه الشتائم التي تكال لنا مجانا ودون موجب يذكر» .
وطالب طارق وزارة التربية بتفعيل الاتفاقيات المبرمة مع الطرف النقابي مثل تنظير أساتذة المدارس الابتدائية بزملائهم في الثانوي ، و مراجعة بعض المنح على غرار منحة العودة المدرسية وإدماج نسبة من المعلمين النواب وانتدابهم انتدابا مباشرا مؤكدا أن المربين مستعدون للتصعيد وصولا إلى الإضراب الإداري ومقاطعة الامتحانات .
واستغرب طارق من تصريح رئيس الجمهورية الذي قال أمس «إنه لم يستسغ إضراب المعلمين» مؤكدا أنه « لم يستسغ عدم استساغة الرئيس إضراب المعلمين الذي يتزامن مع إضراب القضاة وعدد من القطاعات الأخرى» وفق تعبيره .
وغير بعيد عن طارق وقف إيهاب الحاجي معلم منذ 11 سنة وعضو النقابة الأساسية للتعليم الابتدائي بالمحمدية ، إيهاب يعتقد أن هناك حملة مأجورة تقودها أطراف سياسية و إعلامية معروفة ضد المعلم، وطالب إيهاب الإعلاميين الشرفاء و المناضلين بعدم الانخراط في هذه الحملة القذرة على حد تعبيره ، وردا على سؤال حول صمت المعلمين طيلة الفترة الماضية و تحركهم بعد تحرك الأساتذة قال إن ذلك لا يعد صمتا بل وطنية و لا يمكن لأحد أن يزايد على المعلمين في وطنيتهم وحبهم لكل شبر من تراب تونس الخضراء ، داعيا الأولياء إلى مساندة المربين الذين هم في نهاية الأمر أولياء ومواطنون مثلهم .
إضراب في غير وقته
«تعاركوا الكبار جات في روس الصغار» هكذا استهلت سميرة ماضي -البالغة من العمر 35 سنة- ولية كانت تصطحب ابنها في طريق العودة إلى البيت حديثها إلينا ، وانتقدت سميرة إضراب المعلمين قائلة «أولادنا لم يدرسوا خلال هذه السنة الدراسية التي كانت بامتياز سنة الإضرابات المنعكسة سلبيا على مردودهم « .و تساءلت : متى يكف المعلمون عن إقحام أبنائنا في معركة لا ناقة لهم فيها ولاجمل ، إنهم لن يكونوا حتما شماعات يركب المعلمون على ظهورها ويعلقون عليها أخطاءهم ، و هم ليسوا ورقة ضغط يستعملونها متى أرادوا ، أبناؤنا وقود لمطلبية المعلمين المفرطة .
«موش معقول» ذاك هو رأي فهيمة الخميري ولية ، في إضراب مدرّسي المرحلة الأولى من التعليم الأساسي وقالت فهيمة إن الثورة نادت بالمساواة و المعلمون يتمتعون بدخل وأجر شهري محترم لذلك يجب ألا يفكروا في أنفسهم فقط بل في مئات آلاف المعطلين عن العمل الذين لم يحصلوا على شغل .
وختمت حديثها « إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم»، يجب تغيير عقلية المنفعة و المطلبية المفرطة ومراعاة مصلحة مختلف الأطراف وأولها التلاميذ الذين يستعدون لتوديع سنة دراسية و استقبال أخرى جديدة».
و يذكر أن النسبة العامة للإضراب تجاوزت في اليوم الأول 96 بالمائة وفق ما أعلنت عنه النقابة العامة للتعليم الأساسي.
غازي الدريدي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.