مع عودة التحكيم الأجنبي.. تعيينات حكام الجولة 5 "بلاي أوف" الرابطة الاولى    استقالة متحدثة من الخارجية الأميركية احتجاجا على حرب غزة    الرابطة الأولى.. تعيينات حكام مباريات الجولة الأولى إياب لمرحلة "بلاي آوت"    ماذا في لقاء سعيد برئيسة اللجنة الوطنية الصلح الجزائي..؟    أخبار المال والأعمال    سليانة .. رئس الاتحاد الجهوي للفلاحة ...الثروة الغابية تقضي على البطالة وتجلب العملة الصعبة    وزير السّياحة: تشجيع الاستثمار و دفع نسق إحداث المشاريع الكبرى في المجال السّياحي    «الشروق» ترصد فاجعة قُبالة سواحل المنستير والمهدية انتشال 5 جُثث، إنقاذ 5 بحّارة والبحث عن مفقود    تنزانيا.. مقتل 155 شخصا في فيضانات ناتجة عن ظاهرة "إل نينيو"    زيتونة.. لهذه الاسباب تم التحري مع الممثل القانوني لإذاعة ومقدمة برنامج    لدى لقائه فتحي النوري.. سعيد يؤكد ان معاملاتنا مع المؤسسات المالية العالمية لابد ان يتنزل في اختياراتنا الوطنية    اليابان تُجْهِزُ على حلم قطر في بلوغ أولمبياد باريس    سوسة.. دعوة المتضررين من عمليات "براكاجات" الى التوجه لإقليم الأمن للتعرّف على المعتدين    إثر الضجة التي أثارها توزيع كتيّب «سين وجيم الجنسانية» .. المنظمات الدولية همّها المثلية الجنسية لا القضايا الإنسانية    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    حركة النهضة تصدر بيان هام..    بالثقافة والفن والرياضة والجامعة...التطبيع... استعمار ناعم    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    تراجع الاستثمارات المصرح بها في القطاع الصناعي    جندوبة.. المجلس الجهوي للسياحة يقر جملة من الإجراءات    منوبة.. الإطاحة بمجرم خطير حَوّلَ وجهة انثى بالقوة    برنامج الجولة الأولى إياب لبطولة الرابطة الاولى لمحموعة التتويج    اقتحام منزل وإطلاق النار على سكّانه في زرمدين: القبض على الفاعل الرئيسي    قبلي: السيطرة على حريق نشب بمقر مؤسسة لتكييف وتعليب التمور    الفنان رشيد الرحموني ضيف الملتقى الثاني للكاريكاتير بالقلعة الكبرى    من بينهم أجنبي: تفكيك شبكتين لترويج المخدرات وايقاف 11 شخص في هذه الجهة    البطلة التونسية أميمة البديوي تحرز الذهب في مصر    مارث: افتتاح ملتقى مارث الدولي للفنون التشكيلية    تحذير من هذه المادة الخطيرة التي تستخدم في صناعة المشروبات الغازية    وزيرة التربية : يجب وضع إستراتيجية ناجعة لتأمين الامتحانات الوطنية    وزارة التعليم العالي: تونس تحتل المرتبة الثانية عربيًّا من حيث عدد الباحثين    سليانة: أسعار الأضاحي بين 800 دينار إلى 1100 دينار    الرئيس الفرنسي : '' أوروبا اليوم فانية و قد تموت ''    تتويج السينما التونسية في 3 مناسبات في مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة    جريمة شنيعة: يختطف طفلة ال10 أشهر ويغتصبها ثم يقتلها..تفاصيل صادمة!!    قبلي : اختتام الدورة الأولى لمهرجان المسرحي الصغير    باجة: تهاطل الامطار وانخفاض درجات الحرارة سيحسن وضع 30 بالمائة من مساحات الحبوب    وزير الشباب والرياضة يستقبل اعضاء فريق مولدية بوسالم    الڨصرين: حجز كمية من المخدرات والإحتفاظ ب 4 أشخاص    قيس سعيّد يتسلّم أوراق اعتماد عبد العزيز محمد عبد الله العيد، سفير البحرين    الحمامات: وفاة شخص في اصطدام سيّارة بدرّاجة ناريّة    التونسي يُبذّر يوميا 12بالمئة من ميزانية غذائه..خبير يوضح    أبرز اهتمامات الصحف التونسية ليوم الخميس 25 أفريل 2024    سفينة حربية يونانية تعترض سبيل طائرتين مسيرتين للحوثيين في البحر الأحمر..#خبر_عاجل    بطولة مدريد للماسترز: اليابانية أوساكا تحقق فوزها الأول على الملاعب الترابية منذ 2022    كاس رابطة ابطال افريقيا (اياب نصف النهائي- صان داونز -الترجي الرياضي) : الترجي على مرمى 90 دقيقة من النهائي    هام/ بشرى سارة للمواطنين..    لا ترميه ... فوائد مدهشة ''لقشور'' البيض    أكثر من نصف سكان العالم معرضون لأمراض ينقلها البعوض    الجزائر: هزة أرضية في تيزي وزو    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    تونس: نحو إدراج تلاقيح جديدة    هوليوود للفيلم العربي : ظافر العابدين يتحصل على جائزتيْن عن فيلمه '' إلى ابني''    في أول مقابلة لها بعد تشخيص إصابتها به: سيلين ديون تتحدث عن مرضها    دراسة تكشف عن خطر يسمم مدينة بيروت    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    خالد الرجبي مؤسس tunisie booking في ذمة الله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأستاذ محمود داوود يعقوب ل«التونسية»:هيبة الدولة في احترامها القانون وقوّة القانون في تطبيقه
نشر في التونسية يوم 09 - 06 - 2015


معركة القضاة والمحامين أجهضت استقلالية القضاء
حوار: أسماء وهاجر
هل عادت الثروات العربية بالوبال على اصحابها؟ لماذا انقلب الربيع العربي الى فوضى في عديد البلدان واصبحت الدول تخشاه؟ ما حكاية ما يسمى «الفوضى الخلاقة»؟ وهل هي في علاقة غير معلنة مع الاضرابات العشوائية؟ هل هدف محاولات تعطيل السير العادي للمؤسسات اليوم في تونس باسم الاحتجاجات افراغ هيبة الدولة من محتواها؟ هل من علاقة بين حملة «وينو البترول؟» وإدارة التوحش للتنظيمات الإرهابية؟ ما حقيقة الصراع بين جناحي العدالة؟
حول هذه الإشكالات وغيرها، تمحور حوار «التونسية» مع الدكتور محمود داوود يعقوب – أستاذ جامعي ومحام وصاحب العديد من المقالات القانونية .
بعد موسم تمجيد الثورات العربية تتوجّس بعض البلدان منها وتخشى أن تطالها ألسنة لهيبها.كيف يمكن أن يفسر ذلك؟
- مبدئيا خلق فشل الثورات في الدول التي بدات فيها ونتائجها الدموية في سوريا ومصر وكذلك ليبيا حالة من الرعب في الشارع وبالتالي ردة فعل عكسية .يفترض أن المواطن بطبيعته يميل إلى الاستقرار والاغلبية غير متحزبة وغير متسيسة لا يعنيها أن يكون الاستقرار في ظل نظام ديمقراطي أو غير ديمقراطي لهذا ظهر الحنين إلى حالة الاستقرار الوهمي الذي كان موجودا في عهد الدكتاتورية ونفور من حالة الفوضى التي انجرت عن الثورات .بطبيعة الحال بعض الدول غير معنية بالديمقراطية قدمت كل المساعدة لإفشال الثورات ومنع وصولها إلى اراضيها حتى لو ادى الأمر إلى اشعال حروب أهلية في الدول التي ظهرت فيها .
اليوم تتحدّث أطراف عن «فوضى خلاقة» هل الحق في الإضراب جزء من هذا المخطط؟
- الإضراب حق يراد به باطل. والغريب أنّ من كان يعترض على الإضرابات عندما كان في السلطة أصبح يساندها عندما خرج منها. فالتكريس الصريح لحق الإضراب في الدستور دون أي ضابط فتح الباب أمام الاستخدام العشوائي لهذا الحق مع تجاهل تام في اغلب الحالات لما يشترطه القانون من إجراءات تسبق الإضراب .الاضراب لا يمكن أن يمارس في بعض المجالات بصفة بديهية ولو لم ينص الدستور على منع الإضراب فيها فإضراب القضاة مثلا هو في الحقيقة اضراب سلطة من السلطات الثلاث اي أنه تعطيل للدولة وكان من المفترض أن السلطة تتخذ قرارات ولا تمتنع عن العمل فإضراب القضاة يعادل إضراب رئيس الدولة أو الحكومة أو مجلس نواب الشعب وربما اقتناع القضاة بأن الإضراب غير جائز من طرف السلطة جعلهم في المرة الأخيرة يصفونه بتعليق العمل. مع الإشارة إلى أن قانون 1967 الذي يمنع بصريح النص على القضاة الإضراب مازال ساري المفعول ولم يقع إلغاؤه. وحتى اضراب الطلبة في الجامعات يُفترض ألاّ يكون له وجود لأن الإضراب مرتبط عادة بالعمل النقابي والطلبة لهم الحق في العمل الطلابي والخلط الذي كان حاصلا في السابق نتيجة تقييد الحريات السياسية واللجوء إلى الجامعات كمتنفس للقيام بالعمل السياسي يفترض أن ينتهي مع تكريس حرية تأسيس الاحزاب ووجود هذا الكم الهائل منها.وفي كل الأحوال فإن إضراب «ليّ الذراع» الذي يمارس الآن في بعض القطاعات كالتربية والفسفاط هو اضراب غير أخلاقي لان اختيار موعد الامتحانات هو من قبيل اتخاذ الأطفال كرهائن ووسيلة ضغط على الوزارة وكان يفترض أن تكون اوقات الإضراب خارج موعد الامتحان. وفي جميع الأحوال فإنّ عجز الحكومة يتحمل مسؤولية هذا الانفلات في ممارسة حق الإضراب حيث كان عليها أن تفعّل أحكام القانون لا أن تهدد بها وكان عليها كلّما كان هناك اضراب غير شرعي إحالة المعنيين بالأمر إلى وكيل الجمهورية وممارسة حقّها في اقتطاع الاجور على عدد الساعات غير المنجزة واخطر ما في الأمر أن الحكومة تماطل ثم تستسلم مما يشجع قطاعات أخرى على سلوك نفس المنهج .
هل انعدام هيبة الدولة أحد مآسي تونس اليوم ؟
- هيبة الدولة ليست في الاشخاص وإنما في أفعالهم .فعندما يصرح رئيس جمهورية بأن القانون الفلاني لا يلزمه لأنه قانون بن علي فهذا يمثل أخطر انتهاك لهيبة الدولة وعندما يقف رئيس جمهورية ويقول «لا تثقوا في الدولة» فأيّة هيبة ستبقى للدولة؟ الأمر لا يتعلق بأخطاء بروتوكولية أو لباس أو مظهر خارجي هيبة الدولة تأتي من قوة القانون واحترامه. حتى وان كان هذا القانون جائرا لأنه يجب أن يبقى محترما طالما انه ساري المفعول. ويفترض في من يحترم هيبة الدولة أن يسعى إلى تنقيح أو الغاء هذا القانون لا أن يصرح انه غير ملزم به .هناك تصريحات صدرت عن الرئيس المؤقت بهذا المعنى وحتى الرئيس الحالي عندما يصرح بان هيئة الحقيقة والكرامة لا تلزمه وان رئيستها هي أول من يجب أن يحاسب فان مثل هذه التصريحات تخلق لدى الشعب ثقافة عدم احترام القانون الذي هو اخطر مساس بهيبة الدولة وكذلك الأمر عندما تصرح هياكل تمثل القضاة بأنها لن تطبق أي قانون هي غير راضية عنه فان هذه رسالة سلبية للمتقاضين مفادها أن القانون ملزم لك ان كان في صالحك أو على هواك وغير ملزم ان تعارض مع مصالحك واهوائك وعندها لا يمكن أن تلام العامة على عدم احترام القانون طالما وان السلط العمومية تصرح بان هناك قوانين لا تلزمها .فهيبة الدولة في احترام القانون وقوة القانون في تطبيقه .
هل في هذا اشارة ضمنية إلى وجود هنّات في دستور 2014؟
- ما أقوله عن دستور 2014 ان التطور الوحيد فيه هو الحريات .وهو أمر طبيعي في إطار تطور مفاهيم حقوق الانسان .بقية احكام الدستور لا تختلف إطلاقا عن دستور 59 والعبرة في التطبيق. باعتبار وأنه لا قيمة للقانون إذا بقي حبرا على ورق فلا قيمة له مهما كانت المبادئ السامية التي يتضمنها اضافة إلى أن دستور 2014 يشكو من عدة نقائص شكلية واصلية ببعض الحقوق الأساسية جاءت في باب السلطة القضائية كان من المفترض أن تكون في باب الحقوق والحريات. وكان من المفترض تحصين العدالة الانتقالية بالكامل في باب خاص من الدستور لكن يبدو أن سوء فهم مصطلح العدالة الانتقالية جعل واضعي الدستور يشيرون إليها بصفة جزئية في باب الأحكام الانتقالية .
هل تعتقد إذن أن هيئة الحقيقة والكرامة غير قادرة على تحقيق مقصد العدالة الانتقالية؟
- للأسف هيئة الحقيقة اصبحت مشخصة في شخص رئيستها التي يبدو أنها تهيمن على أغلبية أعضائها والدليل أنها عندما تتخذ أي موقف يساندها بقية الأعضاء رغم أنهم منتخبين مثلها تماما ويفترض أنهم مستقلين عنها. فجميع اعضاء الهيئة ورئيستها تم انتخابهم من طرف المجلس التأسيسي. وإلى حد الآن اكتفت الهيئة بإصدار نظامها الداخلي لكن القانون يفرض عليها أن تسن ادلة إجراءات تبين للمتعاملين معها كيفية القيام وكيفية الدفاع عن حقوقهم. وهذه الأدلة على حدّ علمي لم تصدر إلى الآن والغريب أن تعلن الهيئة عن بداية الاستماع إلى المتضررين قبل أن تصدر أدلة الإجراءات. وفي جميع الأحوال فالهيئة تأخرت كثيرا عن العمل ويبدو أن أعضاءها يعتبرون أن اجل الاربع سنوات طويل وتناسوا أنهم تجاوزوا حتى الآن ثلث هذه المدة ولم يبق لهم ما يكفي للقيام بكافة الأعمال التي كلفهم بها القانون. الهيئة مطالبة في ظرف اربع سنوات قابلة للتمديد سنة واحدة بالنظر في انتهاكات وتجاوزات حصلت ما بين 1956 حتى تاريخ 5جانفي 2014 أي ما يعادل 58 سنة كاملة وبالتالي فهي مطالبة أن تنتظر في كل سنة عمل في انتهاكات حصلت في ظرف 14سنة وهذا أمر مستحيل ماديا ومنطقيا خاصة إذا اخذنا بعين الاعتبار أن الهيئة بدات عملها منذ سنة ونصف وربما يؤدي هذا إلى أن تعتمد الهيئة منطق الانتقاء فتحدد لنفسها محطات كبرى ستبحث فيها وتتجاهل جزءا هاما من ماضي الانتهاكات. لان المحطات الكبرى غالبا ما تكون مرتبطة بأحداث سياسية لان ما يفترض في العدالة الانتقالية أنها تهدف إلى تحديد الانتهاكات الاقتصادية والاجتماعية كذلك وهذه الأمور أكثر تعقيدا من الانتهاكات السياسية اذ أن الهيئة مطالبة بتحديد حالات التهميش المتعمدة ببعض الجهات وهذه مسألة تتطلب الاطلاع على مخططات التنمية وقوانين المالية في المحاضر والمجالس الوزارية والمجالس الجهوية وارشيف الولايات حتى تتمكن من القول بان هناك فعلا تهميشا متعمدا وفي بعض الحالات كان التهميش ناتجا عن عجز الدولة ماليا وماديا وليس عن سياسة تعتمدها الدولة. وبالنسبة لانتهاك حقوق الانسان يفترض في الهيئة أن تراعي تطور مفهوم حقوق الانسان على مدى 58 سنة التي هي فترة نظر الهيئة .فكثيرا من الحقوق التي نعرفها اليوم لم يكن لها وجود كالحق في البيئة وحتى الحقوق السياسية مفهومها تغير .
هل يمكن أن تكون الحصانة عائقا أمام المحاسبة وتحقيق العدالة باعتبارها حالة افلات من العقاب والمساءلة؟
- بالنسبة لحصانة النواب هناك الحصانة المطلقة المتعلقة بمباشرة النائب مهامه داخل المجلس أو بمناسبة مباشرة مهامه وهي حصانة وظيفية والغاية منها اعطاء حرية مطلقة للنواب في ابداء آرائهم والدفاع عن حقوق ناخبيهم وهناك حصانة اجرائية تتعلق بالحياة العامة للنائب وما يمكن أن يصدر عنه من جرائم وتحديدا جنح وجنايات. صياغة الفصل 69 لا تميز بين الجرائم المرتكبة قبل اكتساب صفة النائب أو أثناء ممارسته لنيابته وبالتالي أيّ نائب ارتكب جرائم سابقة لعضويته في المجلس سيبقى طيلة هذه العضوية محميا بالدستور الا إذا ارتأى المجلس أن يرفع عنه الحصانة وهذا الرفع غالبا ما يكون مرتبط بمعطيات سياسية وحجم الكتلة التي ينتمي إليها النائب.و في كل الأحوال يفترض من الناحية الأخلاقية ألّا يتمسك النائب بحصانته الا عندما يتبين له أن الأمر يتعلق بتصفية سياسية.
الحصانة ليست سبب اباحة وليست مانعا من المسؤولية وإنما فقط تعلق إجراءات التتبع والمحاكمة إلى حين زوالها واذا وقع تجديد للنائب أكثر من دورة نيابية فقد تبلغ حد الافلات من العقاب. يبقى امل الشعب في محاسبة بعض الوزراء السابقين معلقا على كرم أخلاقهم.
هل الحريات التي تم اقرارها في الدستور اقوى من حيث الفاعلية الواقعية والسياسية من الاعتراف بالهوية الإسلامية للبلاد التونسية صلب الدستور؟
- يفترض في الدستور عندما يتضمن مبادئ مماثلة بأن المبدأ المكرس بصفة صريحة ومتكررة يغلب المبادئ المكرسة ضمنيا عند التعارض بينهما. والهوية العربية الإسلامية في الدستور مكرسة في التوطئة التي هي جزء لا يتجزأ منه وكذلك في الفصل الأول وفي عدة فصول أخرى خاصة فيما يتعلق بشروط الترشح لرئاسة الجمهورية يشترط أن يكون مسلما وهذا تأكيدا للهوية العربية الإسلامية .منطقيا ليس هناك تفوق لكن واقعيا الأمر مرتبط بمفهوم الحرية والمرجعية الإسلامية .
ما رأيك في عريضة بعض المثقفين في تأييد المثليين باسم مبادئ الثورة التونسية ؟
- هذه العريضة هي مثال صارخ على عدم احترام القانون بغض النظر عن الموقف من المثليين ان كان لهم حقوق من عدمه. هناك نص قانوني ساري المفعول يعتبر المثلية جريمة سواء اللواط أو السحاق والفصل 230 من المجلة الجزائية يفترض في الحقوقيين الذين يتحدثون عن دولة قانون أن يحصروا مطالبهم في البداية بالغاء هذا النص باعتبار وأنّ الأمر يتعلق بحرية شخصية وهذا النص لم يطبق في تونس الا في حالات محدودة باعتبار أن مثل هذه الأمور تتم في اماكن مغلقة ويصعب اثباتها بصفة مطلقة في حالة السحاق وبدون اختبار طبي في حالة اللواط. والى حد الان لا يوجد في تونس ما يلزم بعرض الاشخاص على اختبار طبي لإثبات الممارسات الجنسية الشاذة كما هو الحال في بلدان أخرى. وبالتالي يجب أن يبقى الفصل 230 محترما طالما انه ساري المفعول وعندما يلغى أو ينقح هذا النص يمكن لنا أن نناقش موضوع المثلية الجنسية وفي كل الأحوال فان أي ممارسة جنسية علنية ولو كانت مباحة في اصلها ستعتبر جريمة تجاهر بما ينافي الحياء. فلا يحق للزوج أن يتصل بزوجته في مكان عام .وبالنسبة لجمعية المثليين مبدئيا هم تراجعوا وانكروا هذه الصفة وحسب قانونهم الاساسي الذي اعلنت عنه رئاسة الحكومة فهي جمعية ترمي إلى حماية الاقليات. ومع اني لست خبيرا في الاقليات فان أصحاب الميولات الجنسية المثلية لا يمكن أن يوصفوا بكونهم اقلية إلا إذا اعتبرناهم جنسا ثالثا من البشر. وعندها إذا استطاعوا اثبات وجود هذا الجنس فنحن مطالبون بإعادة صياغة كامل المنظومة القانونية المبنية على ثنائية الذكر والانثى وحتى مفهوم الخنث في الاسلام هو مفهوم بيولوجي وليس نفسي وهو ناتج عن تشوه خلقي وليس عن ميولات جنسية لا نعلم أن كانت مرضية أم أنها جينية. وبغض النظر عن موقف الدين تواجه المثلية أوّلا الرفض الاجتماعي قبل مناقشة موقف الدين فالأمر لا يقتصر على الدول الإسلامية وإنما هو موجود في كثير من الدول ذات الأغلبية المسيحية أو البوذية أو الهندوسية وحتى عندما عرض الأمر على الجمعية العامة للأمم المتحدة لم يتحصل سوى على 57 صوتا من اصل قرابة 200 دولة مختلفة الأديان والانتماءات السياسية والاجتماعية. وفي كل الأحوال فان مناقشة المثلية الجنسية تتجاوز نطاق الحرية الشخصية باعتبارها حالة اجتماعية ستكون لها انعكاسات على الأجيال القادمة في اباحة هذا النوع من الزواج وستكون لها نتائج خطيرة على النمو الديمغرافي والاخطر من هذا أن يصل الأمر إلى ما قبلت به بعض الدول من تمكينهم من حق تبني الأطفال اذ أن الطفل سيجد نفسه بين شخصين من نفس الجنس ولكن بادوار مختلفة ولا يستطيع أن يميز بين أمه وأبيه.
الحق في تكوين الجمعيات هل كان في صالح تونس في ظل المال السياسي المشبوه وما يدور حولها؟
- الحق في تكوين الجمعيات كأي حق يجب أن يمارس بمسؤولية.لكن ما أقوله أن أي حق يمنح بعد فترة حرمان في البداية يكون هناك إفراط وتعسف في استعماله لتعويض حالة الحرمان. من شأن مرور الوقت أن يحسن الاوضاع. أما مسألة التمويل فهذه مرتبطة بسياسة الدولة اذ من الثابت بعد الثورة أن كل حكومة تغض النظر عن الجمعيات التي تساير سياستها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية وفي صورة عدم بعث نظام رقابي فان بعض الجمعيات يمكن أن تصبح خطرا على الأمن الاجتماعي وتستخدم كغطاء للأنشطة السياسية .
البعض يرى أن حملة «وينو البترول» جزء من خطة ادارة التوحش للتنظيمات الإرهابية ما رأيك؟
- حملة «وينو البترول» فيها شبهة كبيرة لان مساندي الحملة كانوا في السلطة مدة ثلاث سنوات ولم ينطقوا بكلمة واحدة في هذا الموضوع بل على العكس كان لهم دور داخل المجلس التأسيسي في عدم وضع نص صريح في الدستور يسمح للشعب بأن يراقب التصرف في ثرواته ولم يقدم اي مشروع قانون يتعلق بإعادة مراجعة عقود الثروات الطبيعية لهذا فمن سكت عن الحق وهو يملك السلطة لا حق له أن يطالب به وهو خارج السلطة لأنه سيضع نفسه موضع الشبهة ويلمح إلى أنّ الأمر ليس بغاية كشف الحقيقة وحماية الثروات بقدر ما هو وسيلة للضغط السياسي على الحكومة الحالية. وبصفة عامة فإنّ في قطاع الثروات الطبيعية في تونس الذي يتجاوز البترول إلى ما هو اخطر وأهم كالأورانيوم والذهب والفسفاط وغيره الكثير من التجاوزات وهناك انعدام تام للشفافية بما يستدعي فتح حوار وطني حول هذا الموضوع وإعادة تنظيم الإطار القانوني قبل النزول إلى الشارع واحداث الفوضى. فالطريقة التي اديرت بها حملة «وينو البترول» تتشابه للأسف مع ما جاء في كتاب «إدارة التوحش» الذي هو برنامج عمل التنظيمات الإرهابية وتحديدا الباب السادس من هذا الكتاب .
ماذا بين جناحي العدالة المحامين والقضاة ؟
- كل خير ومحبة. باعتبار أنهم زملاء الدراسة واغلبهم كانوا طلاب وأساتذة لبعضهم البعض. وما يحدث الان هو زوبعة في فنجان أحدثتها بعض الإطراف نتيجة عدم استيعاب الوضع الدستوري الجديد في قطاع العدالة فهناك في القضاة من يرون في المحاماة خصما لهم بينما يفترض أن المحاماة سند القضاء في كل المحطات التي تعرض فيها القضاء لهجمة من النظام السابق. كانت المحاماة حليفه الرئيسي وساندته ووقفت إلى جانبه حتى عندما بدأ القضاة حملة استقلال القضاء ساندتهم المحاماة وعندما وقفوا أمام المجلس التأسيسي كانوا جنبا إلى جنب مع المحامين والكل يعلم أن الهيئة الوطنية للمحامين كانت الداعم الرئيسي لاستقلال القضاء والقت بثقلها في هذا الاتجاه. وكل ما وقع اقراره في الدستور هو نتيجة نضال القضاة بمساندة المحامين. للأسف أن سوء فهم بعض الأحكام الواردة في مرسوم المحاماة وتعمد تضخيمه والتصريح العلني بأنها لا تلزم القضاة من قبل بعض ممثلي القضاة خلق التوتر بين القطاعين وزاد في عمقه ما جاء في مشروع القانون الأساسي للمجلس الأعلى للقضاء الذي أقر بوجود محامين في تركيبة المجلس ورغم أن هذا الوجود له سند دستوري فإنّه لم يرق لبعض القضاة. الدستور يشير صراحة في الفصل 112 إلى أن هياكل المجلس الاعلى للقضاء الاربعة تحتوي على ثلث من غير القضاة وينص الدستور صراحة على أنّ هذا الثلث يجب أن يكون من ذوي الاختصاص المستقلين وكلمة مستقلّون تفرض بطبيعتها استبعاد كل مساعدي القضاء لانهم بشكل أو بآخر تحت سلطة وكيل الجمهورية وليس لهم استقلالية. وبالتالي فإنها لا تنطبق مبدئيا الا على المحاماة واساتذة التعليم العالي حتى عندما ارادوا التخفيف من وجود المحامين وادخال عدول التنفيذ في التركيبة قاموا بتغيير تعريف الاستقلالية الوارد في القانون اذ وقع حذف عبارة غير خاضع لسلطة وظيفية حتى يكون بالإمكان اضافة عدول التنفيذ وحسب الفصل 2 من قانون المجلس الاعلى للقضاء فان المستقلّين من ذوي الاختصاص كل شخص ليس له أي انتماء حزبي وغير خاضع لسلطة وظيفية ويكون مختصا في المجال القانوني أو المالي أو الجبائي أو المحاسبي بحسب المجلس القضائي الذي ينتمي إليه.
وبصفة عامة يمكن القول أن القانون الاساسي للمجلس الاعلى للقضاء هو خطوة في الاتجاه الصحيح وان لم تكن خطوة ثابتة فهذا القانون يتضمن بعض النقائص التي لم تظهر للعموم نتيجة التركيز المبالغ فيه على وجود المحامين في تركيبتهم من عدمه .كان يفترض أن يتضامن القضاة والمحامين ويتجاوزوا هذا المشكل وهم كانوا قادرين على ذلك بسهولة من اجل أن يفرضوا قانونا يحقق كل الضمانات المعترف بها دوليا لاستقلال القضاء. وتهميش المعركة وحصرها بصفة اساسية في تركيبة المجلس سمح بمرور قانون فيه تجاوزات أو فيه مس بالاستقلالية المنشودة للقضاء. وفي كل الأحوال فان هذا القانون أصبح أمرا واقعا والان هو محل طعن في دستوريته ويجب انتظار نتيجة هذا الطعن شكلا وأصلا. وحتى إذا تمّ إقرار هذا القانون فان فرصة التدارك مستقبلة موجودة عندما تحدث المحكمة الدستورية التي سيكون لها حق الرقابة عن طريق الدفع بعدم الدستورية ومرجع نظر هذه المحكمة يشمل حتى القوانين النافذة. لهذا فان التصريح بان هذا القانون لا يلزم القضاة في غير محله ويجب على الجميع أن يقبل القانون ويعمل على تنقيحه أو تعديله بالطرق القانونية المتاحة حتى نخلق ثقافة احترام القانون وفي نفس الاتجاه فان رفض تطبيق احكام الفصلين 46 و47 من مرسوم المحاماة هو من قبيل خرق القانون .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.