بقلم: فؤاد العجرودي حدود مغلقة بين الجزائر والمغرب.. هوّة سحيقة في ليبيا.. وأوضاع في تونس لم تتخلّص بعد من صنم الضبابية.. ماذا بقي من الحلم المغاربي؟ نحو ٪2 إضافية في نسبة النمو - بما يعني نحو 40 ألف موطن شغل إضافي في تونس فحسب تتبخّر كلّ عام بفعل تأجيل الاندماج الاقتصادي المغاربي بما يقلص من قدرة دول المنطقة على تقوية مقوّمات الازدهار داخليا.. وتصدير الرخاء حولها وفي ذلك أوّل صمام أمان إزاء المخاطر المستجدة والمتعاظمة التي تتهدّد استقرار البلدان المغاربية وفي مقدمتها ظاهرة الإرهاب. حزام مخترق لقد بدا جليّا منذ نحو عقدين من الزمن أن تعطّل القطار المغاربي قد يُلقي بأنظمة المنطقة وشعوبها في أتون المجهول لجهة بؤر التوتّر والتطرّف التي نبتت كالفطر في مناطق متفرّقة وأجّجت مخاطر الاختراق وذلك في إطار رؤى جيوستراتيجية جديدة لم تخرج عن دائرة تداعيات الأحادية القطبية التي بدأت تتعمّق آنذاك. والواضح أنّ تأييد انتظارات شعوب المنطقة لاندماج مغاربي حقيقي قد أسهم في انتقال تلك المخاطر الخارجية إلى عمق البيت المغاربي الذي تسكنه اليوم مخاوف جسيمة جرّاء تفاقم الظاهرة الإرهابية والانحصار الاقتصادي الذي يهدّد بتوسيع رقعة الإحساس بالتهميش والإحباط لاسيما في أوساط الشباب الذي يعدّ عماد التنمية في بلدان المنطقة ورأس مالها الأوّل. سلاح ذو حدّين لطالما اعتبرت أنّ الشباب في تونس وسائر الأقطار المغاربية هو «سلاح ذو حدّين» فإما أن يكون أداة لطفرة غير مسبوقة في النموّ الاقتصادي والاجتماعي.. أو عنصر عدم استقرار.. وذلك بحسب قدرة دول المنطقة على فتح أرحب الآفاق أمامه وإنعاش الأمل داخله وانتشاله من الإحساس باليأس وانسداد الأفق بكلّ ما يعنيه من احتمالات الوقوع بين براثن التطرّف أو الإدمان على شتّى أشكال الهروب من الواقع. أعني بذلك إنّ فتح الآفاق أمام شريحة الشباب وتمكينه من أدوات العمر يُشكّل صمام الأمان الأولى لبلدان المنطقة التي تعيش اليوم على إيقاع محاولات استنساخ أوضاع الشرق داخل الكيان المغاربي أي «لبننة» تونس وتحويل ليبيا إلى «العراق 2» ونقل الأجواء السورية إلى الجزائر. الأزمة الليبية وفيما تتعاظم حدة تلك المخاطر يبدو جليا أن المنطقة المغاربية قد خسرت الكثير من عناصر الاستقرار خلال الرباعية الأخيرة بفعل تعمّق الأزمة الليبية وحالة الارتخاء العامة التي أصابت تونس بفعل وقوع كيان الدولة وثوابت تماسك المجتمع تحت تأثير محاولات تغيير جيني. وقد أدت تلك العوامل المستجدة إلى خسارة حيز مهمّ من مكاسب تشبيك المصالح على الصعيد الثنائي والذي ظلّ على مدى عقدين الممر الوحيد لتعزيز التعاون بين الأقطار المغاربية في خضم تعطّل مسار الاندماج الاقتصادي الجماعي.. وبالتالي غياب العناصر التي تجعل من البلدان المغاربية «كتلة» قادرة على التعامل بندية مع سائر الكتل ولاسيما الاتحاد الأوروبي والاستفادة من تدفّق أكبر للاستثمار الأجنبي. تراجع التعاون وعقب تراجع جذوة التعاون بين تونس وليبيا الذي شكّل خلال العشرية الأولى من هذا القرن نموذجا جيّدا للتعاون البَيْني المغاربي والعربي.. اهتزّت مؤخرا العلاقات الاقتصادية لتونس مع الجزائر بشكل يهدّد بتراجع إجمالي المبادلات الثنائية هذا العام وذلك بفعل تداعيات حملة «وينو البترول؟» التي يبدو جليّا أنّها عمّقت هواجس الجزائر ممّا يحدث في تونس وما قد يؤول إليه. مخاوف أمنية والواضح أنّ تلك التطوّرات تصنع اليوم صراعا بين مقاربتين الأولى تدفع باتجاه انغلاق كلّ بلد على ذاته.. وأساسا الجزائروتونس تحت وقع تعاظم المخاوف الأمنية.. فيما تتعاطى الثانية مع الاستقرار كمعطى جماعي لا يتجزّأ يحتاج إلى دعم وتيرة الانفتاح الاقتصادي بينها باعتباره من شروط تدعيم المناعة الذاتية لكل بلد وعلى خلفية أن تحسن مستوى الاستقرار هنا سيلقي بظلاله حتما على أوضاع الجوار. وفي خضم هذه المقاربة يبدو اليوم احتشام الحضور التونسي في ليبيا ومواصلة تأجيل منطقة التبادل الحر بين تونسوالجزائر بمثابة المواقف التي تسير في الاتجاه المعاكس وتقلّص من نجاعة الفعل المغاربي إزاء المخاطر المتعاظمة المستجدّة والرؤى الاستعمارية الجديدة التي تهدف إلى إفقاده أركان المناعة والتقدّم وتحويله إلى مجرّد سوق لكلّ شيء؟ نظرة إيجابية بالمحصلة إن الأوضاع الحرجة والدقيقة التي تمرّ بها المنطقة المغاربية اليوم تحتاج إلى نظرة إيجابية تتوجه رأسا إلى تثمين مكامن القوة وتتأسّس على تفعيل الإيمان بوحدة المصير وتلج إلى عمق الأشياء غير عابئة بسائر محاولات التهميش والتشويش القادمة من الداخل والخارج. لقد عرفت المنطقة المغاربية في بداية التسعينات أوضاعا مماثلة نسبيا لما يحصل اليوم عقب الحصار الغاشم على ليبيا وما يعرف بسنوات الجمر في الجزائر.. وهي أوضاع ساهمت فيها أطراف خارجية وبدت بمثابة ردّة فعل على «لقاء زيرالدا» الذي أنعش الحلم في إمكانية قيام كتلة مغاربية قويّة.. وقد يُؤدّي استحضار تلك الأوضاع الساخنة إلى تعزيز الاعتقاد بأنّ «مفتاح» الأوضاع الراهنة سيكون تونسيا فقط لو استفاق العقل.