(تونس) بدا جليّا أنّ الأزمة الليبية كانت أوّل الملفّات السّاخنة على طاولة المحادثات بين الرئيسين الباجي قائد السبسي وعبد الفتاح السيسي هناك في القاهرة.. المحروسة. كما بدا واضحا أنّ تلك المحادثات لم تولد من رحم الفراغ بل شكّلت امتدادا لما يعتمل اليوم في المنطقة برمّتها حول ليبيا الجريحة وأساسا بوادر التّسابق بين أجندا غربيّة تدفع باتجاه تحرّك مماثل لهجمة «الناتو» في ربيع 2011 من أجل مزيد تعميق «الهوّة» الحاصلة وأخرى عربيّة تسعى إلى تدخّل حاسم ل«تطهير» ليبيا من الجماعات الإرهابيّة وهو خيار تلتقي حوله وبدرجات متفاوتة عواصم مؤثّرة أهمّها القاهرة والجزائر والرياض. رسائل مباشرة تلك القراءة قد تكون وراء الكلمات التي أصدح بها الباجي قائد السبسي والتي ولئن بدت مشفّرة فقد كانت «مباشرة» ومنها تأكيده أنّه لمس تفهّما من الجانب المصري لأوضاع دول الجوار و«عدم تمسّك برأي واحد» وكذلك تعبيره عن الأمل في حصول توافق عربي. بل إنّ السّبسي قد يكون لامس الصّراحة في مداها الأعمق عندما أكّد أنّ الالتقاء حول مبدإ عدم التدخّل في الشأن الداخلي للدول في إشارة إلى ليبيا سيكون سببا لمزيد الارتقاء بالعلاقات الثنائية التونسية المصرية. بمعنى آخر قد يكون الرئيس السبسي نقل الصّورة واضحة بشأن طبيعة الموقف التونسي الذي يؤمن بوجود «خيار ثالث» يقوم على فهمها الخاص للتداخل الحاصل في ليبيا وينأى عن «الحلول الجذريّة» لينتصر لمقاربة «الحكمة والصّبر» التي قد تستغرق وقتا أطول لكنّها تقي من خسائر جانبيّة قد لا يمكن التكهّن بمداها في حال اللجوء إلى خيارات أخرى. حقل من الأشواك وقد يكون هذا الخيار الثالث وراء تأكيد السبسي على أهمية تكثيف التعاون بين الجانبين خاصة على صعيد المعلومات للوصول إلى فهم مشترك لحقيقة الأوضاع في ليبيا مستنسخا تلك العبارة التي قام عليها حزب «نداء تونس» كحالة تعبئة لإنقاذ المشروع الوطني الحداثي «آش يخلص الحرير من الشوك».. وهي رسالة يبدو جليا أنها تأسّست على قناعة تونسية بأنّ ليبيا في الوقت الرّاهن هي «حقل من الأشواك». تلك القراءة قد تكون أعادت المشهد التونسي المصري إلى ستّينات القرن الماضي أي ذاك الخلاف بين الزعيمين بورقيبة وعبد الناصر بشأن الحرب العربية ضد الكيان الصهيوني والتي أثبتت الأحداث لاحقا أنّه كان خلافا بين مقاربة غاصت في «التاريخ» وأساسا العوامل والأطراف التي خلقت إسرائيل ومقاربة ثانية اكتفت ب«الجغرافيا» أي الفوارق في العدد بين العرب والإسرائيليين والتي تعطي ظاهريا أسبقية مريحة للعرب. حميميّة لكن استنساخ هذا المشهد التاريخي الذي ألقى بظلاله على العلاقات الثنائية لسنوات طويلة ولم يخل من تداعيات صراع «الزعاماتيّة» العربية آنذاك بدا هذه المرّة مختلفا من حيث الشّكل حيث استبدل «الصّدام» بكثير من «الحميميّة» التي قد تكون بدورها أبرقت برسائل أخرى لا تقل أهميّة إلى الداخل.. أي إلى تونس. وقوف الرئيس الباجي قائد السبسي إلى جانب نظيره المصري في هذا الظّرف بالذات الذي تعيش فيه تونس حالة مخاض قد يكون وضع نقطة نهاية لحالة «العدائية» التي وسمت علاقة بعض الأطراف التونسية بشخص الرئيس عبد الفتاح السّيسي. بالمحصلة إنّ تونس تبدو ماضية باتجاه الانتصار إلى سياسة «المرحلية» التي أرساها الزّعيم بورقيبة.. لكن الرئيس الباجي قائد السبسي وبقدر ما أزال كثيرا من الأدران التي علقت ب«العقلانية» العربيّة.. قد يضطر إلى الالتقاء في وسط الطريق مع نظيره المصري في التعاطي مع الملفّين الداخلي والليبي.. خصوصا وأنّ بين السبسي والسّيسي... مجرّد نقطة واحدة؟