لا يزال مشروع قانون المصالحة الاقتصادية الذي تقدمت به رئاسة الجمهورية يثير جدلا واسعا، حيث تراوحت المواقف بين رافض ومؤيد له، خصوصا من قبل هيئة الحقيقة والكرامة التي رأت في المشروع والمبادرة عموما تعديا على صلاحيات الهيئة، ومحاولة لتضليل مسار العدالة الانتقالية وتحويل المسار المقرر لها القائم على المساءلة ثم المحاسبة واخيرا المصالحة. هذا الجدل دفع برئيسة هيئة الحقيقة والكرامة سهام بن سدرين الى الاستنجاد برأي طرف خارجي ان صح التعبير، والاستنارة بتوصياته، وهذا الطرف هو لجنة البندقية التابعة لمجلس اوروبا، والتي تشارك فيها تونس كعضو منذ التسعينات، حيث تقدمت هيئة الكرامة للجنة بطلب استشارة قانونية لمعرفة مدى تلاؤم المبادرة التشريعية التي تقدم بها رئيس الجمهورية مع المعايير الدولية القانونية في مجال العدالة الانتقالية وملاءمتها لمقتضيات الدستور. ومثلما كان متوقعا، اصدرت اللجنة نهاية الاسبوع الماضي عقب جلستها العامة جملة من التوصيات حول هذا الموضوع في انتظار اصدار التقرير الختامي نهاية الاسبوع الجاري، وقد قالت رئاسة الجمهورية عبر ممثليها إن اللجنة أقرت في توصياتها بأن مشروع قانون المصالحة فى المجالين الاقتصادى والمالي لا يتعارض مع الدستور استنادا الى أن الدستور لا يفرض اعتماد شكل أو هيكل معين لتحقيق العدالة الانتقالية ولا يمنع وضع نظام خاص لمعالجة الانتهاكات الاقتصادية والمالية . كما ذكرت ذات المصادر أن اللجنة اعتبرت أنّ من شأن المهام والصلاحيات الواسعة المسندة الى هيئة الحقيقة والكرامة إثقال كاهلها واعاقة انجاز الوظيفة الاصلية، مشيرة الى أن لجنة البندقية دعمت في توصياتها احداث هيكل خاص يرمي الى التسريع بمعالجة ملفات الانتهاكات المتعلقة بالفساد المالي والاعتداء على المال العام مع التوصية بضرورة تدعيم اجراءات المصالحة وتركيبة اللجنة المكلفة بها لضمان تحقيق أهداف العدالة الانتقالية . وفي الدفة المقابلة قال ممثلو هيئة الحقيقة والكرامة إنّ التقرير النهائي لم يصدر بعد دون ان يشككوا في التصريحات الرسمية لرئاسة الجمهورية حول تاكيد اللجنة على ان مشروع قانون المصالحة لا يتعارض مع الدستور، حيث ابرز المكلف الاعلامي في الهيئة أنور معلى ان هذا التقرير ليس ملزما للدولة التونسية ولا يفرض إملاءات خارجية عليها وان هيئة الحقيقة والكرامة ستصدر موقفها الرسمي بناء على التقرير النهائي للجنة. وفي سياق متصل قالت مصادر من داخل الهيئة إنّ تصريحات رئاسة الجمهورية استندت الى عدة فقرات من التوصيات دون فقرات أخرى، كما ابرزت ذات المصادر أنّ لجنة البندقية رأت أن مشروع قانون المصالحة الاقتصادية يتطلّب تعديلات قانونية يشرف عليها خبراء في القانون نظرا لما تحتويه النسخة الاصلية من نقائص قد تضرب العدالة الانتقالية بعرض الحائط اضافة الى اعتبار تشكيل لجنة مصالحة تنضوي تحت لواء الحكومة قد لا يضمن استقلالها والكشف عن الحقائق وان مشروع المصالحة الحالي لا يلبي انتظارات مسارات العدالة الانتقالية .كما كشفت ذات المصادر ان لجنة البندقية دعت الى عدم تغيير الأرضية القانونية لهيئة الحقيقة والكرامة منبهة من عدم انتهاج المسار المزدوج بإنشاء لجنة موازية لهيئة الحقيقة والكرامة . وقد أثار الاستنجاد باستشارات لجنة البندقية، حول مشروع المصالحة الاقتصادية عدة نقاط خلاف واختلاف حول هذا المشروع. ولمعرفة رأي القانون التونسي مجددا اتصلنا بالاستاذ الصادق بلعيد الذي عبر عن أسفه عن التجاء مؤسسة تونسية الى الخارج للاستنجاد بها ضدّ أعلى مؤسسة دستورية في تونس وهي رئاسة الجمهورية قصد افشال مشروع قانون كان من الطبيعي والمنطقي ان تقع مناقشته بين احضان مؤسسات دستورية تونسية ومع مجتمع مدني واطراف سياسية، وتابع قائلا: «أتصور أن هذه المبادرة التي فشلت قلصت من مصداقية التركيبة الحالية لهيئة الحقيقة والكرامة، واظن ان هناك مسائل جوهرية حلها يكمن في اعادة النظر في تركيبتها وتحديد صلاحياتها في نطاق الدستور والقانون والديمقراطية». من جهته ابرز الاستاذ رافع بن عاشور في تصريحات اعلامية ان مشروع القانون يخفف من عبء عمل هيئة الحقيقة والكرامة، نظرا لكثرة عدد الملفات المالية والإقتصادية التي تنتظرها، وأنّه لا يهدف الى تبيض الفساد.