الوكالة العقارية للسكنى توجه نداء هام للمواطنين..وهذه التفاصيل..    تونس تستقبل أكثر من 2.3 مليون سائح إلى غاية 20 أفريل 2025    عاجل/ مسؤول يؤكد تراجع أسعار الأضاحي ب200 و300 دينار..ما القصة..؟!    عاجل/ جريمة أكودة: الادراة العامة للامن الوطني تكشف تفاصيل جديدة..    مختصون في الطب الفيزيائي يقترحون خلال مؤتمر علمي وطني إدخال تقنية العلاج بالتبريد إلى تونس    البرلمان : مقترح لتنقيح وإتمام فصلين من قانون آداء الخدمة الوطنية في إطار التعيينات الفردية    الانطلاق في إعداد مشاريع أوامر لاستكمال تطبيق أحكام القانون عدد 1 لسنة 2025 المتعلق بتنقيح وإتمام مرسوم مؤسسة فداء    حزب "البديل من أجل ألمانيا" يرد على تصنيفه ك"يميني متطرف"    في مظاهرة أمام منزله.. دروز إسرائيل يتهمون نتنياهو ب"الخيانة"    جندوبة: سكان منطقة التوايتية عبد الجبار يستغيثون    فترة ماي جوان جويلية 2025 ستشهد درجات حرارة اعلى من المعدلات الموسمية    جندوبة: انطلاق فعاليات الملتقى الوطني للمسرح المدرسي    فيلم "ميما" للتونسية الشابة درة صفر ينافس على جوائز المهرجان الدولي لسينما الواقع بطنجة    عاجل/ هذه البلدية تصدر بلاغ هام وتدعو المواطنين الى الحذر..    عاجل/ قضية التسفير..تطورات جديدة…    استقرار نسبة الفائدة في السوق النقدية عند 7.5 %..    الرابطة المحترفة الاولى: صافرة مغربية لمباراة الملعب التونسي والاتحاد المنستيري    بطولة افريقيا للمصارعة بالمغرب: النخبة التونسية تحرز ذهبيتين في مسابقة الاواسط والوسطيات    الإفريقي: الزمزمي يغيب واليفرني يعود لحراسة المرمى ضد النادي البنزرتي    خطر صحي محتمل: لا ترتدوا ملابس ''الفريب'' قبل غسلها!    إلى الأمهات الجدد... إليكِ أبرز أسباب بكاء الرضيع    صيف 2025: بلدية قربص تفتح باب الترشح لخطة سباح منقذ    ارتفاع تكلفة الترفيه للتونسيين بنسبة 30%    القضية الفلسطينية تتصدر مظاهرات عيد الشغل في باريس    في سابقة خطيرة/ ينتحلون صفة أمنيين ويقومون بعملية سرقة..وهذه التفاصيل..    إيراني يقتل 6 من أفراد أسرته وينتحر    عاجل/ هلاك ستيني في حريق بمنزل..    سعر ''بلاطو العظم'' بين 6000 و 7000 مليم    عيد الاضحى 2025: الأضاحي متوفرة للتونسيين والأسعار تُحدد قريبًا    أبرز ما جاء في زيارة رئيس الدولة لولاية الكاف..#خبر_عاجل    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    الرابطة المحترفة الأولى (الجولة 28): العثرة ممنوعة لثلاثي المقدمة .. والنقاط باهظة في معركة البقاء    الرابطة المحترفة الثانية : تعيينات حكام مقابلات الجولة الثالثة والعشرين    الأشهر الحرم: فضائلها وأحكامها في ضوء القرآن والسنة    نهائيات ماي: مواجهات نارية وأول نهائي لمرموش في مانشستر سيتى    الصين تدرس عرضا أميركيا لمحادثات الرسوم وتحذر من "الابتزاز"    لي جو هو يتولى منصب الرئيس المؤقت لكوريا الجنوبية    سقوط طائرة هليكوبتر في المياه ونجاة ركابها بأعجوبة    رئيس الجمهورية: تونس تزخر بالوطنيين القادرين على خلق الثّروة والتّوزيع العادل لثمارها    وجبة غداء ب"ثعبان ميت".. إصابة 100 تلميذ بتسمم في الهند    صفاقس ؛افتتاح متميز لمهرجان ربيع الاسرة بعد انطلاقة واعدة من معتمدية الصخيرة    توتنهام يضع قدما في نهائي الدوري الأوروبي بالفوز 3-1 على بودو/جليمت    "نحن نغرق".. نداء استغاثة من سفينة "أسطول الحرية" المتجهة لغزة بعد تعرضها لهجوم بمسيرة    بقيادة بوجلبان.. المصري البورسعيدي يتعادل مع الزمالك    خطبة الجمعة .. العمل عبادة في الإسلام    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    أولا وأخيرا: أم القضايا    الوضع الثقافي بالحوض المنجمي يستحق الدعم السخي    بنزرت: إيقاف شبان من بينهم 3 قصّر نفذوا 'براكاج' لحافلة نقل مدرسي    الليلة: سحب عابرة والحرارة تتراوح بين 15 و26 درجة    انتخاب رئيس المجلس الوطني لهيئة الصيادلة رئيسا للاتحاد الافريقي للصيادلة    ارتفاع طفيف في رقم معاملات الخطوط التونسية خلال الثلاثي الأول من 2025    وزير الصحة: لا يوجد نقص في الأدوية... بل هناك اضطراب في التوزيع    يوم دراسي حول 'الموسيقى الاندلسية ... ذاكرة ثقافية وابداع' بمنتزه بئر بلحسن بأريانة    نحو توقيع اتفاقية شراكة بين تونس والصين في مجال الترجمة    توقيع عدد من الإصدارات الشعرية الجديدة ضمن فعاليات معرض تونس الدولي للكتاب    محمد علي كمون ل"الشروق" : الجمهور على مع العرض الحدث في أواخر شهر جوان    أذكار المساء وفضائلها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في تونس:اغتصاب الزّوجة.. جريمة بلا عقاب؟
نشر في التونسية يوم 03 - 02 - 2016


شهادات نساء عشن بين جحيم الوقائع ونار الفضيحة
كيف يتحوّل السّكوت إلى رضًى رغم الاكراه؟
ماذا يقول فقه القضاء والدّين وعلم الاجتماع وعلم النّفس؟
تحقيق أسماء وهاجر
تظلّ خصوصية قانون العائلة النقطة الأبرز التي تطبع عقد الزواج وتجعله مميزا عن عقود النمط. ذلك أن مرجع الالتزامات بين طرفيه لا تحددها متون القوانين ومبدإ «اقبله كما هو أو اتركه كما هو» Take it-or Leave it بقدر ما تحددها الرحمة والمودة وأخلاقيات وأدبيات التعامل عند إبرامه أو عند تنفيذه. وبناء على ذلك فإن كلّ نيل من هذه المفاهيم التي تعدّ المرجعية الرمزية للعلاقة بين الزوجين يكون في اطار العنف الزوجي بكل صيغها بقي أن أدهاه ما اصطلح على تسميته بالعنف الصامت وهو وقوع جريمة اغتصاب في حضور عقد زواج شرعي جوهر تنفيذه العلاقة الجنسية. والمسألة لا تخلو من التعقيد ففضلا عن ندرة القضايا المطروحة أمام القضاء في هذه المادة لأنه غالبا ما يتم طمس هذا العنف وراء ستار الطلاق إنشاء أو العنف المادي العادي يظلّ هاجس الحياء حائلا أمام الكشف عنه وتبعات الإفصاح عن هذا المحظور الاجتماعي وهو ما عبرت عنه منظمة العفو الدولية بالعنف الجنسي القائم على النوع الاجتماعي الذي لن ينال ضحاياه سوى الاعتداء ثم الاتهام. وهذا ما رصدته «التونسية» من خلال شهادات حية تكشف اغتصاب زوجات على فراش الزوجية ومن خلال أمثلة للتطبيق القضائي وتطوره كقرينة قوية على أن مثل هذا العنف ينخر مؤسسة الزواج وإن بقي عصيا عن تحديد نسبه.
إحصائيات شبه منعدمة
لا تتوفّر في تونس إحصائيات جدية عن حالات «الاغتصاب الزوجي» باستثناء نتائج تحقيق كان أجراها الديوان الوطني للأسرة والعمران البشري سنة 2010 أظهرت أن ٪14٫2 من النساء يعترفن بأنهن تعرضن للعنف الجنسي من قبل شركائهن مرة على الأقل. وتصدّر إجبار الزوجة على الجماع أنواع العنف الجنسي بنسبة ٪10٫9 مقابل ٪5٫5 من النساء يجبرن على وضعيات جنسية لا ترضيهنّ في حين بلغت نسبة النساء اللائي يقع تعنيفهن ثم إجبارهن على الجماع ٪3٫9 ولعل محتوى هذه الشهادات دليل قوي على ذلك.
خروج عن دائرة الصمت
محدّتثنا الأولى امرأة تعمل اطارا ساميا بإحدى الشركات تدعى «هبة» قرّرت كسر الاغلال ومواجهة المجتمع وعدم الصمت على الانتهاكات الجسدية التي تتعرض لها من قبل زوجها الذي عاشت معه تجربة مريرة ظلت رغم مرور سنتين عالقة بذهنها لأنها لم تكن تتصور أن من اختارته شريكا لحياتها على قدر من البشاعة إذ أنه بعد زواجها بأشهر عمد إلى تعنيفها وتولى اتيان تصرفات شاذة في حقها باستعمال العنف. وقد ظنت في البداية أنه خطأ عابر ولن يتكرر إلاّ أنه عمد الى اتيان نفس التصرف مرة ثانية فوجدت نفسها في موقف لا تحسد عليه: إما السكوت والاذعان إلى رغباته أو الطلاق وبطبيعة الحال عليها ايجاد ذريعة لتبريره أمام أسرتها لأنه لم يمض على زواجها طويلا فضلا عن أنها هي من اختارته زوجا ودافعت عنه رغم وجود فارق اجتماعي بين العائلتين. وتضيف «هبة» أنها حاولت أن تتفاهم معه وديا على الطلاق بالتراضي وطي صفحة الموضوع نهائيا غير أنه رفض التحاور معها نهائيا وانهال عليها ضربا مما دفعها الى تقديم شكاية جزائية ضدّه واضطرّت حينها الى كشف المستور وخضعت الى الفحص الطبي الذي بيّن وجود عمليات ايلاج كاملة بدُبرها ووجود كدمات بفخذها الايسر غير أن الاشكال الذي واجهها هو اثبات انعدام رضاها خاصة مع ثبوت تكرار العملية. لذلك لم تجد من خيار أمام حيائها ورفضها الخوض في مسائل حميمية ودقيقة إلاّ طلب الطلاق وتقديم قضية جزائية ضدّ زوجها بسبب العنف لكنها تراجعت لاحقا لأنها وجدت ان العقوبة ستكون أقل بكثير من الضرر النفسي الذي تعرضت له والذي جعلها تضطر الى اللجوء الى طبيب نفساني ليساعدها على الخروج من عقدة نفسية أصيبت بها مضيفة أنه من الصعب عليها أن تسترجع ثقتها في نفسها وتتصالح مع الآخر..
من جهتها روت «م» تجربتها المريرة التي حولتها من إنسانة مليئة بالحيوية والنشاط الى النقيض تماما قائلة إنّها أصيبت بانهيار عصبي وأصبحت لا تستطيع العيش بدون مهدئات وقضت أكثر من شهرين بمستشفى الرازي جراء فظاعة ما عاشته مع زوجها الذي قالت إنّه حوّل حياتها في فترة قصيرة لم تتعدّ سنتين الى كابوس لا ولن يمحى من ذاكرتها. وأضافت «م» أنّها أرادت أن تتكتّم عن الأمر لصعوبة الخوض في الموضوع مع اسرتها لكنها استجمعت قواها بعد ان عيل صبرها حيث تحول زوجها بعد ما يناهز الشهرين من زواجهما الى وحش كاسر اذ عمد الى مواقعتها غصبا وحرقها بعقب السيجارة في جسدها ولم يكتف بذلك بل عمد الى اتيان كل التصرفات الشاذة معها إلى جانب إرغامها على هذه الممارسات أمام ابنها الصغير ومع ذلك لم تتجرّأ على فضح ذلك واكتفت بالتقدم بقضية من أجل الطلاق انشاء مع التنازل عن كل حقوقها.
جحيم الفضيحة أهون..
معاناة اخرى من هذا العالم المسكوت عنه لامرأة ذكرت انها متزوجة منذ خمس سنوات ومع ذلك فهي عذراء لأن زوجها يرفض معاشرتها حسب ما يقتضيه الشرع والقانون رغم انه لا يعاني من عجز جنسي بل إنه يأتيها بطريقة غير طبيعية وعندما ترفض ينهال عليها ضربا ويكرهها على الاستجابة لنزواته كما يجبرها على مشاهدة لقطات اباحية من خلال بعض الأقراص المضغوطة ويطلب منها تطبيق ما تشاهده بالضرب وأضافت محدّثتنا أنها ظلّت تعيش هذه المعاناة في صمت خوفا من الفضيحة ومن نظرات المجتمع حتّى باتت عاجزة عن التحمل وطلبت منه في احدى المرات ان يقلع عن رغباته الشاذة واعلمته انها ترغب في انجاب طفل فقام بمواقعتها بطريقة غير طبيعية – نترفع عن الخوض في تفاصيلها الحرجة - ثم انهال عليها بهراوة حتى شج رأسها اثر ذلك ومنعها نهائيا من الخروج وكرّر العملية أياما إلى أن نجحت في الفرار من المنزل ومغادرة هذا الجحيم نهائيا... وأضافت أنّها طوال السنوات التي قضتها مع جلادها لم تفقه معنى المحبة وحسن المعاشرة لأنها لم تعرف الا الضرب والأوامر ولم تشعر إلاّ بمجرّد أنّها جارية تلبّي رغبات ونواهي سيّدها..
أمّا «ل» فقد أكّدت أنها عجزت عن التخلّص من جبروت زوجها ليس حبا في شخصه ولكن خوفا على ابنائها من ناحية ولعدم رغبتها في العودة مجددا الى منزل أهلها من ناحية أخرى مؤكّدة أنه رغم الضرب الذي تتعرّض إليه يوميّا واجبارها على ممارسات غريبة - فإنها لم تتمكن من التخلص من الخوف الذي يسكن بداخلها والتحرر من اغلاله وقيوده وظلت مذعنة لزوجها الذي تقول إنّه تفنن في الاعتداء على حرمتها الجسدية - ذلك أنه عمد الى الاعتداء عليها بمفك براغي في مكان حساس من جسدها واحدث لها جرحا غائرا ترك لها تشويهات وتضيف محدّثتنا والدموع تنهمر من مقلتيها أنها لا تعرف حتّى الآن كيف تحملت ذلك؟ حتى إنها في بعض الأحيان كانت تتصور أنها قد تكون تحت مفعول السحر اذ انها كلما تتقدم بشكاية ضده سرعان ما تسحبها خوفا من ردة فعله وخيرت تحمل وضعها علّ الأيام تغير زوجها ويعود الى الطريق الجادة قائلة بمرارة «ربي يهديه» ملاحظة أنّها لا تملك الاّ الصبر وكتمان ألمها مشيرة إلى أنها وان كانت تعلم أن القضاء قادر على حمايتها وانصافها فإنّ شبح الفضيحة يقف حائلا دون اتّخاذ هذه الخطوة.
القضاء يجرّم هذه الممارسات
جرّم فقه القضاء بصفة مبدئية اغتصاب الزوجة مما يمكن معه القول بان الزوج الذي يجبر زوجته على تمكينه من نفسها سواء كان ذلك بصفة طبيعية أو غير طبيعية يؤاخذ جزائيا ويعاقب بحسب الفعل الجنسي المرتكب من اجل الاغتصاب او الاعتداء بالفاحشة على معنى الفصلين 227 من المجلة الجزائية أو الفصل 228 من نفس المجلة والمتعلق بالاعتداء بالفاحشة. وقد تبنّى فقه القضاء التونسي هذا الاتجاه وذلك في قرار تعقيبي تتمثل وقائعه في ان زوجة رفعت شكاية على زوجها اتّهمته فيها بأنّه ناولها قرصا مخدرا وقام بالاعتداء عليها بالفاحشة ولما أفاقت صدته عن فعلته الا أنه أتمّها غصبا وتكرّرت اعتداءاته عليها بالفاحشة الى ان أصيبت بعدوى مرض الثالول الجنسي فانطلقت الأبحاث أمام عميد قضاة التحقيق بالمحكمة الابتدائية بتونس الذي ختم ابحاثه بالحفظ. فاستأنفت الزوجة بوصفها قائمة بالحق الشخصي هذا القرار وأصدرت دائرة الاتهام بمحكمة الاستئناف بتونس قرارها بنقض قرار ختم البحث وتوجيه تهمة الاعتداء بالفاحشة على انثى بدون رضاها طبق الفصل 228 م.ج على الزوج واحالته على الدائرة الجنائية لمقاضاته من أجل ذلك. فقام الزوج بتعقيب هذا القرار ناعيا عليه خرق احكام الفصل 228 م.ج بما أن عقد الزواج يبيح جسد الزوجة لزوجها ولا يشكل فعل الفاحشة غصبا سوى عنفا شديدا. الا أن محكمة التعقيب رفضت هذا المطعن واعتبرت ان ً جريمة الفصل 228 من المجلة الجزائية لا تمّحي بوجود عقد زواج بين الفاعل والمتضررة باعتبار أنّ عقد الزواج يضفي شرعية على العلاقات الجنسية الطبيعية بين الزوجين دون سواها ولا يؤطر قانونا الشذوذ الجنسي كما انه لا يمكن اعتبار عقد الزواج يمنح الزوج السلطة المادية والادبية على جسد زوجته خارج علاقتهما الطبيعية كزوجين.
نفس الاشكال طرح على انظار الدائرة الجنائية بالمحكمة الابتدائية بصفاقس في اطار القضية التي احيل فيها زوج لمقاضاته من أجل الاعتداء بفعل الفاحشة طبقا لأحكام الفصل 228 م.ج بناء على شكاية رفعتها عليه زوجته متّهمة إيّاه بإساءة معاملتها منذ الاشهر الاولى للزواج وبأنّه أصبح يطالبها بتمكينه من الاتصال بها جنسيا من دبرها وأمام الرفض الذي جُوبه به، لم يجد الزوج من حل لإشباع حيوانيته سوى تعنيفها واكراهها على الاستسلام له. وقد تكررت الاعتداءات على مدى سنتين وكانت الزوجة في كل مرة يعمد فيها زوجها الى ارتكاب تصرفه الشاذ تلتحق بمحل والديها لكن دون ان تعلمهما بالأمر حياء منها وأملا في امكانية رجوع زوجها لما أحلّه الله.
هل يحقّ للزّوج الاعتداء على جسد زوجته؟
وقد اعتبرت المحكمة بالرغم من وقوف الطبيب الشرعي على حصول عمليات ايلاج كاملة بدبر الزوجة ووجود كدمات بفخذها الايسر أن الجريمة موضوع نص الاحالة لا تقوم في حق الزوج لا لعدم قبول المحكمة تجريم مثل هذه التصرفات، وإنّما لعدم وجود ما يثبت انعدام الرضا اذ لا شيء يؤكد عدم رضى الشاكية بما اتاه المظنون فيه من افعال بل على خلاف ذلك توجد قرائن قوية ومتضافرة تبين الرضا لدى الشاكية وتمثل في سكوتها لمدة سنتين وعدم اعلام عائلتها فضلا عن ثبوت التعوّد وتكرار العملية عدة مرات. وما يؤخذ من تعليل المحكمة هو أن الأفعال الجنسية الشاذة التي يمارسها الزوجان لا تنقلب على الرغم من بشاعتها وخروجها عن النمط الطبيعي، الى جرم يعاقب عنه جزائيا الا اذا تمّت دون رضى أحدهما. ولعل هذا الاتجاه القضائي يتطابق مع رأي أغلب شراح القانون الذين يعتبرون أن الحقوق الناشئة عن عقد الزواج ليست بغير حدود ولا يمكن ان يعترف للزوج بالحق في ان يأتي على زوجته أي فعل يرى انه يجلب له اشباعا جنسيا، فإذا تجاوز الفعل حدود ما يسمح به للزوج على زوجته في اطار الغاية التي يرمي اليها الزواج فإنه يعتبر اعتداء بالفاحشة اذا اجبر الزوج زوجته على ذلك. في نفس السياق قضت احدى الدوائر الجنائية بالمحكمة الابتدائية بتونس بالسجن المؤبد على زوج اغتصب زوجته بكل وحشية ليلة زفافها وأحدث لها جروحا بليغة ونزيفا حادا كما اعتدى عليها بالعنف وعضّها من أماكن مختلفة من جسدها وحرقها بعقب سيجارة واعتدى عليها أيضا بالفاحشة بالقوة والتقط لها صورا وهي عارية وحاول حرقها ببقايا سيجارة ولكمها وضربها وهددها بالذبح. واعتبرت المحكمة أن إدانة الزوج ثابتة بسبب مواقعة أنثى غصبا باستعمال العنف وكذلك بسبب الاعتداء بالفاحشة على معنى الفصل 228 من المجلة الجزائية في غياب نص خاص يجرم ذلك.
لا يوجد نص خاص
أمام هذا الفراغ التشريعي ذهب بعض الشراح في تونس الى انه لا يمكن الجمع في القانون التونسي بين صفتي الزوج والمرتكب لجريمة الفصل 227 م.ج وهذا بالرغم من استعمال المشرع عبارة مطلقة «كل من واقع أنثى» وذلك انطلاقا من المفهوم الذي تبناه المشرع التونسي لجريمة مواقعة أنثى بدون رضاها اذ هي بالاساس جريمة ضد الشرف وليست مبنية على حماية رضى الأنثى بما ان أهمية عدم الرّضى لا تبرز الاّ للحد من الحالات التي يقبل فيها قيام الجريمة. كما ان عبارة أنثى تعني امرأة نكرة لا تربطها بالجاني أيّة صلة شرعية اذ يوجد فرق بين مواقعة الرجل زوجته ومضاجعته امرأة أخرى فليس من المنطق ان نسوي بين الحالتين لتباينهما لان الزوج الذي يتصل جنسيا بزوجته يمارس حقا مشروعا منحه اياه القانون والمشرّع السماوي فإذا كان الزوج يعاقب على اتصاله الجنسي بغير قرينه فمن غير المنطقي أن نعاقبه بعقاب صارم قد يصل الى الاعدام من أجل اتصاله بقرينه. ومن ناحية ثانية فإن قبول تجريم الاغتصاب بين الزوجين ومعاقبة زوج اغتصب زوجته يعني فتح الباب لمختلف أنواع الخزعبلات والاتهامات الباطلة وسوء النية وكيد بعض الزوجات اللاّتي قد لا يترددن في اتهام ازواجهن بالاغتصاب ليتخلّص منهم وهو ما يؤدي الى الدخول في دوامة من الايهام والاتهام والاخراج المسرحي لا حاجة لنا فيه.
في المقابل، اعتبر جانب آخر من الفقهاء أن هذا الموقف ينمّ عن نظرة تقليدية ان لم نقل سلفية للمرأة ، فجريمة الاغتصاب تكون متوفرة كلما اجبرت المرأة على الوقاع بغير رضاها لان في ذلك انتهاكا لا فقط لعرضها وهو ما قد لا يتوفر في صورة العلاقة الزوجية وانما ايضا لجسدها وحرمته، فحرمة الجسد واجبة الاحترام من طرف كل الناس بما في ذلك الزوج، ومن هذا المنظار وجب فهم المقصود بالحرية الجنسية فهذه الحرية لا تعني بالضرورة وكما يحاول البعض تأويلها السماح للزوجة بالاستسلام لمن تريد وفي أي وقت تريد والحال أنها في عصمة زوجها فهذا ما لا يرضاه أحد ولكنها تعني أنه من حقها الامتناع عن ممارسة الجنس مع زوجها سواء بمبرر شرعي أو دونه، ولا يجوز لهذا الاخير رغم الحقوق التي منحها له القانون أن يرغمها بالقوة على الانصياع لأن ممارسة الحقوق يجب أن تتم في اطار احترام القانون،- والقانون خول للزوج المتضرر من عدم قيام زوجته بواجباتها نحوه انتهاج سبل اخرى لجبر الضرر اللاحق به. فالحرية تمارس في اطار العلاقة الزوجية لا خارجها.
كما أن الصيغة العامة التي جاء بها الفصل 227 م.ج لم تستثن الزوجة وبذلك يمكن اعتبار ان صفة زوجة لا يمكن ان تحرم الزوجة من الاستناد على نص الفصل 227 م.ج بسبب اجبارها على الاتصال الجنسي . فقرينة قبول الزوجة للعلاقات الجنسية لا تعني مطلقا حرية الزوج في التصرف في جسد زوجته كما يشاء وأن يتّصل بها متى شاء . هذا فضلا عن ان اكراه الزوج زوجته بغاية الاتصال بها غصبا دون رضى يخرج عن الواجب المحمول على الزوج والمتمثل في معاملتها بالمعروف وحسن معاشرتها تطبيقا للفصل 23 من مجلة الاحوال الشخصية اضافة إلى أنه يعتبر اخلالا بواجب الاتصال الجنسي. فالإخلال بهذا الواجب لا يقتصر على عدم القيام به فحسب، بل يتمثل كذلك في القيام به بطريقة تضر باحد الزوجين سواء كان هذا الضرر ماديا أو نفسيا.
وما يلاحظ أن مثل هذه الاعتداءات تتميز باعتبارها ظاهرة اجرامية تدخل في اطار جرائم الرقم الاسود Chiffre noir de Criminalité لان ما قد ينشر منها لا يمثل في الواقع الا جانبا من هذه الظاهرة في حين تبقى نسبة كبيرة دون تتبّع. ولعل أهم سبب في ذلك هو تحاشي الضحايا وعائلاتهنّ رفع الدعاوى في المسائل التي تمسّ بالشرف نظرا لما يتبع هذه الدعاوى من علانية بل وما تثيره أحيانا من شكوك. ويجمع أغلب فقهاء وأساتذة القانون على أنه «من الضروري تطوير المنظومة القانونية باتجاه التّنصيص صراحة على تجريم الاغتصاب الزوجي وفق ما نص عليه الدستور الجديد في الفصل 64 القاضي بأن على الدولة اتخاذ كافة الإجراءات من أجل حماية المرأة من العنف». لكن لسائل أن يتساءل ما هي دواعي الاغتصاب والحال أن المغتصبة زوجة؟
عقدة الذكورة وراء المعضلة
حسب علماء الاجتماع مرد هذه العملية –أي اغتصاب الزوج زوجته يعود الى عقدة القوة (منطق القوة) عند الزوج لفرض كلمته وسلطته في الزواج، كما أنها تثبيت لقوته بأن يكون له ما يريد ومتى شاء. تأتي عملية الاغتصاب الزوجي لتؤكد كل ذلك، فهي تدل على ثقة متدنية بنفسه يحاول رفعها بواسطة الاغتصاب فضلا عن أنّه لدى الرجال الذين يغتصبون زوجاتهم عقدة الذكورية والرجولة، وتعبر عن ذلك مقولة: «أنا رجل امكاناتي الجنسية ورغباتي لا تسمح لي أن أتريّث كي تصبح زوجتي في مزاج حميم معين كي تتقبلني جنسياً.» إن الرجل الذي يغتصب هو شخص غير واعٍ لدوره في عملية المداعبة التي تهيء زوجته لتتقبّله. ويضيف الأخصائيون ان الاغتصاب الزوجي هو تعدّ على كرامة الزوجة وحقوقها الزوجية والانسانية، بالاضافة الى أنه حالة مرضية تمَّوه تحت شعار حقوق الرجل على زوجته إضافة إلى أن المغتصب (حتى ولو كان الزوج) هو شخص ناقص الرجولة لأن الرجولة صفة انسانية والاغتصاب فعل لا انساني».
رأي الدين وعلم النفس
اعتبر حمدة سعيد مفتي الجمهورية التونسية سابقا إن «الإسلام حرّم الإكراه على الجماع بين الأزواج»، مشيرا إلى أن الإجبار لا يوجد في العلاقة الزوجية، وإلى أن الإسلام حثّ على المودة بين الرجل والمرأة، وساوى بينهما وخلقهما من نفس واحدة وأضاف أن الإسلام لا يبيح «إجبار المرأة على إتيانها وهي كارهة»، معتبرًا أنّ ذلك من باب الجهل بالدين، وأن الإسلام لا يعطي الحق للرجل دون المرأة لمباشرة العلاقة الجنسية. وتابع المفتي أن العلاقة الحميمية بين الزوجين تعدّ «عبادة»، مستندًا إلى قول لرسول الإسلام جاء فيه «يأتي أحدكم بضعه ويكون له بذلك صدقة»، مشيرًا إلى أن الإسلام فرض على الزوجين «آداب المعاشرة الزوجية»، وأن الرسول أوصى أن تكون لهذه العلاقة مقدّمات تحبّب فيها، وبالتالي فلا يمكن أن تقام على الإكراه.
في نفس السياق أحاط المشرّع الإسلامي العلاقة الجنسية بين الزوجين بالتنظيم نظرا لأهمية التقارب الروحي والجسدي بين الزوجين. فقد شجع الإسلام وحث على الزواج باعتباره الإطار الشرعي الذي يحل فيه إشباع الغريزة الجنسية. قال تعالى: «ومن آياته أن خلق من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة، إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون» وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء» ولم يكتف الشّرع الاسلامي بتحديد أهمية العلاقة الجنسية في اطار الزواج ، بل اعتنى بتنظيم هذه العلاقة ، فلا يعتبر الاتصال الجنسي شرعيا الا عند احترام شروط معينة تتعلق بزمن الاتصال وبطريقة الاتصال وبشروط الاتصال.
فبالنسبة لزمن الاتصال، أجاز الفقه الإسلامي حصول الاتصال الجنسي اثناء فترة الارضاع لأن ليس في ذلك مساس بصحة الرضيع. وفي المقابل فقد حرم الاتصال الجنسي وقت الصيام، واثناء موسم الحج وكذلك اثناء الحيض. وبالنسبة لطريق الاتصال، فإنه يجب أن يتمّ من الموضع الطبيعي للمرأة لقوله تعالى : نساؤكم حرث لكم (الآية 223 صورة البقرة) لأن ذلك يمكّن بالاضافة الى اشباع الغريزة الجنسية من انجاب الأبناء.أما بالنسبة لشروط الاتصال، فعلى الزوجين مراعاة فيزيولوجية الطرف الآخر. والبحث عن اشباع الرغبات الجنسية للطرف الاخر. والزوج مطالب باشباع الرغبة الجنسية لزوجته، ولا يمكنه ان يتأخر عن الاتصال بها لأكثر من أربعة أشهر، والا حق لها طلب الطلاق كما انه على الزوجة ألاّ تمتنع.
الاغتصاب الزوجي يرسّب لدى الطرف المغصوب مشاعر القهر والألم
من المؤكد حسب الأخصائيين النفسيين ان الاغتصاب الزوجي يرسب في نفس الطرف المغصوب والمقهور مشاعر ألم وغضب واشمئزاز ، وهذا ما تعبر عنه الزوجة المغتصبة بانها تشعر بعد الاغتصاب بالرغبة في القيء وأنها تكره نفسها وتكره زوجها وتشعر بأن دنسا قد اصاب جسدها ولهذا تحتاج للاغتسال مرات عديدة لعلها تزيل ما لحقها من تلوث بالضبط كما تشعر المغتصبة غير المتزوجة فضلا عن أنه هناك تأثيرات النفسية: كالصدمة والاكتئاب والانعزال والشعور بالوحدة وعدم الثقة في الرجال وعدم الاعتبار بالذات وقد تصل الأمور إلى محاولة الانتحار. وهناك التأثيرات السلوكية: كحدوث مشاكل جنسية والخوف من ممارسة الجنس والبرود الجنسي والأكل بإفراط شديد والتدخين بشراهة وشرب الكحول وتعاطي المهدئات، وهناك التأثيرات الجسدية: كالأوجاع المزمنة وغير المبرّرة طبيّاً والألم في الرأس والظهر.. كل هذه المسائل تدفع الزوجة لرفض إقامة علاقة جنسية مع زوجها، لأنها تربط بين العلاقة والشعور بالخوف والانزعاج والألم وعدم الشعور باللذّة. كما ان هناك بعض الاثار الجسدية التي من الممكن أن تحدث ويمكن ان يستدل بها الطبيب الشرعي في حالة لجوء الزوجة الي القضاء ومنها الكدمات وتمزق خارجي أو داخلي بالمهبل، أو آثار للأظافر على العنق مثلا، اواصابع يد على الوجه، ناهيك عن الالتهابات الجنسية المتكررة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.