لم تمنع الزيادات والمنح التي تحصل عليها الموظفون على امتداد السنوات الأربع الماضية من تدحرج جزء هام منهم نحو خانة الفقراء بسبب الارتفاع الصاروخي لكلفة المعيشة. وقد كشف بحث علمي أنجزته جامعة تونس أن القدرة الشرائية للتونسيين تتآكل سنويا بنسبة 10 بالمائة وان ذلك أدى إلى فقدانهم أكثر من 40 ٪ من امكاناتهم بسبب ارتفاع الأسعار ونسب التضخّم. وأبرزت الدراسة أن الطبقة المتوسطة هي الأكثر تضرّرا من هذا التراجع الأمر الذي تسبب في تراجع تصنيف هذه الطبقة ضمن تركيبة المجتمع التونسي من 80 إلى 67 بالمائة وفق الدراسة ذاتها . وقد شكلت الطبقة الوسطى إلى حدود السنوات العشر الأخيرة القسم الأكبر من تركيبة المجتمع التونسي وتضم أساسا موظفي الدولة والإطارات الوسطى ( خريجو الجامعات) بالإضافة إلى متوسطي التجار والصناعيين . وعرف الهرم المجتمعي في السنوات الخمس الأخيرة نوعا من الإنخرام نتيجة ظهور طبقات جديدة من الأغنياء ممن قفزوا فجأة إلى مرتبة أصحاب الحسابات المتضخمة مقابل ارتفاع غير مسبوق أيضا في نسبة الفقراء حيث تجاوزت نسبة الفقر21 ٪ وفق احصائيات رسمية . وكشفت إحصائيات حديثة قامت بها مؤسسة «سيقما كونساي» أن من يحصلون على أجر في حدود الألف دينار باتوا يعانون من ضغوطات مادية كبيرة بسبب ارتفاع كلفة المعيشة ونفقات السكن بدرجة أولى لافتة إلى أن هذا الراتب كان في السنوات الأخيرة يعد من الرواتب المرتفعة نسبيا . من جانبه أوضح المدير العام للمعهد الوطني للاستهلاك، طارق بن جازية أن «شريحة واسعة من الطبقة الوسطى التحقت بالطبقة الاكثر خصاصة فيما باتت شريحة اخرى منها تنتمي الى طبقة الاثرياء الجدد والذين يصفهم العديد من المختصين ب «أثرياء الثورة». وقد سعت الحكومات بعد الثورة إلى محاصرة تدهور المقدرة الشرائية للمواطنين عبر صرف زيادات ومنح جديدة في الرواتب غير أن هذه الحلول أدت حسب الخبراء الإقتصاديين إلى مفعول عكسي باعتبار وان الترفيع في الأجور ساهم في التشجيع على الاستهلاك ورفع نسب التضخم . في المقابل يفسر المهتمون بالشأن الإقتصادي ظهور طبقة جديدة من الأثرياء بتفاقم الأنشطة الإقتصادية الموازية والتحاق عدد كبير من التجار ممّن كانوا يعملون في المسالك المنظمة بشبكات التهريب ولا سيما تهريب المواد الإلكترونية والسجائر والسلاح بدرجة أقل . وشهد الإقتصاد الموازي منذ ثورة جانفي 2011 توسعا غير مسبوق حيث بات يستأثر بأكثر من 52 بالمائة من النشاط الإقتصادي .