أثارت التصريحات الأخيرة لوزير أملاك الدولة بخصوص قرب إخلاء مبان راجعة لأملاك الأجانب بغاية تجديدها مخاوف العديد من سكّان هذه المباني التي تحتل قلب العاصمة. ويبدي سكّان هذه المباني الذين يدفعون معاليم إيجار زهيدة أو يشغلون المباني بالحوز مخاوف من أن يقع إخراجهم من مساكنهم والتفويت فيها في ما بعد خاصة وأن أغلبهم لا يملكون أيّة سندات قانونية تثبت التحوز بأي شكل من الأشكال . واعتبر العديد من شاغلي هذه المساكن أن وعود وزير أملاك الدولة حاتم العشي بأن يقع التفويت في هذه العقارات لهم بعد إعادة بنائها غير جدّية ناهيك أنّ الوضعية العقارية المعقدة لجل هذه العقارات قد تجعل عملية «السمسرة» فيها سهلة وفق ما أكده سكّان البنايات القديمة . وكان وزير أملاك الدولة والشؤون العقارية حاتم العشي قد أكد في تصريح إذاعي الأسبوع الماضي أن الوزارة فتحت ملف أملاك الأجانب الذي اعتبره ملفا قديما جديدا وقدمته لرئاسة الحكومة وأنه يتضمّن العقارات القابلة للسقوط والتي انتهى عمرها الافتراضي والتي باتت في حاجة لإعادة البناء، موضحا أنه توجد صعوبة في عدم قبول المواطنين ترك منازلهم فترة ترميمها مضيفا أن الوزارة ستقوم بإسكانهم في عمارات أخرى بصفة مؤقتة. وأوضح العشي أن الوزارة قامت بمعاينة كلّ الشقق بالتعاون مع الشركة الوطنية العقارية للبلاد التونسية وأنّه ستُخصص هيئة رقابة عامة لأملاك الدولة وهي التي ستقوم بعملية مراقبة معمقة وتتبع المخالفين والمديونين للدولة. وأكد العشي أن عمارتي «الكوليزي» و«الناسيونال» تحت تصرف الخواص، مشيرا إلى أن شققا شاغرة وأخرى بيعت بطريقة غير قانونية وأنّ الشركة الوطنية العقارية التونسية «السنيت» لم تحرك ساكنا. وأكد الوزير أنه قانونيا لا يتم كراء عمارتي «الكوليزي» و«الناسيونال» إلا بالمزاد العلني متسائلا هل أن الدولة تحصل على أجر الكراء من هذه الأملاك أم يوجد ناس مخفيين وراء «السنيت»؟. من جهتها قالت مصادر مطلعة من الشركة الوطنية العقارية التونسية، إن أكثر من خمسة آلاف عقار على الأقل من أملاك الأجانب لم تجد طريقها بعد للتسوية النهائية بعد أن ظلت لسنوات متروكة جانبا دون حل. ولاحظت نفس المصادر أن ملف أملاك الأجانب يشكو من تعدد المتدخلين خاصة منهم الخواص حيث يتدخل في هذا الباعثون العقاريون، والمحامون، والدولة. ورغم أن المسح شمل الكثير من أملاك الأجانب، فإن الغالبية العظمى ، لم يشملها المسح وهي موزعة بين عدد من الولاياتالتونسية من تونس العاصمة، إلى نابل وجندوبة والقيروان وقابس وصفاقس والكاف، فأينما حل المعمرون، يمكن الحديث عن أملاك الأجانب. وترجع ملكية العقارات إلى جنسيات مختلفة من فرنسيين وإيطاليين وبلجيكيين ومالطيين كذلك. بنزرت في المرتبة الأولى ويوجد أكبر نصيب من العقارات التي تم التفويت فيها في ولاية بنزرت وهي آخر معاقل الاستعمار الفرنسي التي عرفت معركة الجلاء سنة 1964 من القرن الماضي وقدر عدد تلك العقارات ب1686 عقارا. وتوجد بقية العقارات في تونس العاصمة وقد تم التفويت في 918 عقارا. وتعتبر وفاة المالكين الأصليين الأجانب للعقارات، من أبرز الصعوبات التي تحول دون تسوية وضعية أملاك الأجانب لغياب المخاطب القانوني ومالك العقار وحتى في صورة وجود مالكين للعقار المراد تسوية ملفه، فإن تعدد الورثة وعدم القدرة على الوصول إلى عناوينهم في الخارج، يثبت الصعوبات الموجودة في فض مثل هذا الملف الشائك. وتقسم وزارة أملاك الدولة والشؤون العقارية أملاك الأجانب إلى قسمين ، قسم أول يضم العقارات المبنية أو المكتسبة قبل سنة 1956 وهي تمثل النصيب الأكبر من تلك العقارات وقد اشترتها الدولة التونسية من مالكيها الفرنسيين وبذلك انتقلت ملكيتها إلى الدولة. وقسم ثان يشمل العقارات التي ما تزال على ذمة الأجانب من مختلف الجنسيات وهي مرسمة بأسمائهم في دفاتر الملكية العقارية وغالبا ما يكون هؤلاء قد فوضوا أمرها إلى محامين تونسيين يتصرفون فيها في انتظار تسوية وضعياتها العقارية. وكانت الدولة قد عهدت إلى الشركة الوطنية العقارية التونسية بالتصرف في العقارات الراجعة بالنظر للدولة وذلك بغية إعداد ملفات التفويت فيها وعرضها على وزارة أملاك الدولة للبت فيها في إطار لجنة وطنية للتفويت. ويشترط في التونسيين الذي يرغبون في التمتع بحق امتلاك تلك العقارات أن يكونوا من بين الشاغلين لتلك العقارات وأن تكون لهم الأولوية في حق الشراء ولا يملكون محلا سكنيا آخر في دائرة شعاعها لا يتعدى 30 كلم حول العقار المزمع التمتع به. وكانت جمعية الدفاع عن حقوق الشاغلين قد أكدت أن هذه الشركات التي تستغل الأملاك تتعمد إهمال العقارات التي بحوزتها رغم حصولها شهريا على معاليم الصيانة من عند المتسوّغين في حين أن وزارة أملاك الدولة والشؤون العقارية تقر بأنها خصصت 86 مليارا من ميزانية الدولة لتغطية نفقات الصيانة والترميم ويتساءل رئيس الجمعية أين صرفت معاليم الصيانة إذا كان 1700 عقار موضوعا للهدم الفوري لأنه متداع للسقوط مائة بالمائة؟ وقدمت الجمعية مقترح مشروع قانون لتأمين جميع العقارات ذات الصبغة السكنية والتجارية وبقيّة الأراضي الفلاحية المكتسبة التي لا تزال على ملك الأجانب منذ الاستقلال والمطالبة بضرورة تكوين لجنة من وزارة املاك الدولة و وزارة الفلاحة وتكون جمعية الدفاع عن شاغلي أملاك الأجانب طرفا فعالا صلب اللجنة للنظر في عمليات التفويت في هذه العقارات إلى شاغليها.