بقلم محمد بوغلاب أخبرنا أحد الثقاة بوزارة الثقافة أن السيد الوزير لم يستلطف تدخلي في الندوة الصحافية التي عقدها سيادته (مع التنويه إلى أن هذه المفردة كانت خاصة بالرئيس دون غيره قبل أن يجد نفسه في السعودية على غفلة منه كما تقول آخر روايات ثورة 14 جانفي) للإعلان عن برمجة مهرجاني قرطاج والحمامات، وأعترف بأني حمدت الله على أن الثورة قد وقعت وإلا فإن بركات السيد الوزير كانت حلت على رأسي تباعا فهاتف من سيادته كان كفيلا بتعكير صفو مزاجي وإفساده تماما وأنا أتأهب لقضاء أيام صيفية على شواطئ سوسة جوهرة الساحل ... والحكاية ببساطة- حتى لا يذهب بظن أحدكم أني معارض شديد المراس أو صاحب نظرية أو رئيس جمعية أو نقابة معاذ الله- أني حضرت ندوة الوزير دون أن أكون أحد الذين إتصلت بهم صبايا المكتب الصحفي للوزارة ،وأعترف للسيد الوزير بقدرته على الأخذ من كل شيء بطرف دون أن يحتاج إلى مهمهة أو تردد ... تحدث الوزير كما أراد وإشتهى عن تقشفه في المال العام ومنحه الأولوية للفنانين التونسيين قبل غيرهم لأن الصدقة لا تجوز إلا بعد إشباع أهل الحي كما قالها الوزير بالدارجة التونسية ورددها شراح خطابه الأخير في الصحف والإذاعة والتلفزيون... بصراحة كل ذلك لا يعنيني كثيرا كما لا يزعجني ان يكون مهرجان قرطاج دون مدير وكذلك الشأن بالنسبة إلى الحمامات فربما كان ذلك تأكيدا على أن وجود المسؤولين كعدمه في بعض الأحيان ... ما فاق طاقة صبري وجعلني أتخلى عن حيادي الذي أشبه فيه الحاضرين من ممثلي وسائل الإعلام، هو ما قاله الوزير بخصوص فيلم"لا الله لا سيدي"لنادية الفاني(التي أدعو الله أن يشفيها من المرض الخبيث) الذي تهشمت من أجله قاعة الأفريكار وكادت تتهشم معها رؤوسنا لولا ألطاف الله وعنايته(على الرغم من كون المخرجة ملحدة والفيلم متهما بمعاداة الإسلام) وتدخل قوات الأمن التي حازت على حبي في تلك العشية التي فضلت فيها مشاهدة الفيلم على مقابلة الدربي ...فالسيد الوزير الذي ترأس بيت الحكمة والمكتبة الوطنية والمعهد الوطني للتراث زمن بورقيبة ثم إنتقل إلى عاصمة الجن والملائكة حيث شغل خطة رئيس لجنة التراث العالمي باليونسكو ومدير بقطاع الثقافة وامين عام اللجنة الدولية للمحافظة على موقع"انيكور" بكمبوديا كما حاز عضوية الأكاديمية الفرنسية للتاريخ والاثار... تفتقت قريحته على فكرة عرض فيلم نادية الفاني على المجلس الإسلامي الأعلى ليفتي أعضاؤه الأربعة والعشرون الذين سهر على تعيينهم بكل عناية "صانع التحول" وباعث قناة الزيتونة للقرآن الكريم، في شأنه هل يعرض أو لا؟ في تلك اللحظة نسيت إحدى وصايا أمي وهي "ما يكونش الحاكم خصيمك " وتذكرت أن الساكت عن الحق شيطان أخرس ...وبدا لي أن صمتي جريمة في حق إبنتي التي أسهر على تربيتها على أنها تونسية حرة فخورة بعائلتها ووطنها ودينها...فمنحت الكلمة لنفسي مادام السيد الوزير مستأثرا بالخطاب منذ بداية الندوة حتى مغادرته القاعة لمقابلة رئيس الدولة وقلت لسيادته إنه لا يقبل من وزير مؤتمن على الثقافة أن يفتح علينا أبواب الجحيم بإقحام سلطة دينية في تحريم الإبداع أو تجريمه أو إباحته ... بطبيعة الحال هب شراح سيادة الوزير لبيان صواب سياسته وإختياراته المهرجانية التي سرعان ما طالها التغيير في قرطاج والحمامات يومين بعد الندوة الصحافية أي قبل أن يجف حبر كتابتها...ومضى أحد شراح سيادته ممن يفترض انه يمثل السلطة الرابعة لا العجلة الخامسة يلمح إلى أن البعض لا يعجبه العجب حتى في رجب ... ومن قلة فهمي بدا لي أني مقصود بمفردة البعض هذه... وبصراحة أقول لوزير الثقافة إني إحترمت موقفه... فعلى الرغم من إنزعاجه من حديثي لتلفزيون حنبعل فإنه قال لبعض من حوله أنه يقدر حرية الرأي ويدافع عن حرية التعبير... ومع إمتناني لسيادته بهذا الموقف أقول له إن الذين يقدمون أنفسهم على أنهم في خدمتك ما هم إلا سدنة كل العهود تتغير مواقعهم ولكن ضالتهم واحدة هي إلتقاط فتات المائدة من مهرجان أو سفرة مجانية أو تنشيط حفلة أو أمسية أو إعداد نشرية... ولذلك لا تطمئن إلى مديحهم كثيرا ... سيادة الوزير لست نقابيا مطرودا من الوظيفة لأسباب غير نقابية وألتمس منكم إرجاعي إلى العمل ولست عضوا في إحدى لجانكم الإستشارية لأغتنم فرصة ملاقاتكم لأطلب منكم في غفلة من زملائي تكليفي بإدارة إحدى دور الثقافة في العاصمة ...لست أحد هؤلاء ولن أكون ولكني فقط قلت لكم كلمة حق ...وآمل أن تدافعوا مادمتم في الوزارة- أو خارجها- عن حق كل تونسي في حرية الإبداع كما أعلنتم دفاعكم عن حرية الرأي والتعبير... أرجو أن لا تقيموا إبداع المبدعين بحجم تكلفته لأن الثقافة ليست سوق البركة ... شكرا سيادة الوزير ...مع الإعتذار لشراحكم ...الذين ينطقون بإسم الوزارة ويتحدثون بلسانكم وينسون مهنتهم الأصلية ...لأنهم غير جديرين بها أصلا...