يصر السيد عزالدين باش شاوش وزير الثقافة في لقاءاته الصحافية المحببة إلى قلبه على التذكير بأنه اجتهد، وبأن التاريخ سيبين إن كانت اجتهاداته مصيبة أو لا ، ومع تقديرنا للنوايا الحسنة للسيد الوزير الذي تجاوز السبعين من العمر ببضع سنوات صاحب التجربة الإدارية الطويلة، إذ لايعلم الكثيرون أنه تولى إدارة المعهد الوطني للتراث من سنة 1973 إلى غاية سنة 1982 كما حمل صفة مساعد رئيس بلدية قرطاج (التي يرأس حاليا نيابتها الخصوصية منذ 21 جوان الماضي) طيلة خمسة عشر عاما بين عهدي بورقيبة وبن علي(1975-1990) قلت، مع تقديرنا للنوايا الحسنة للسيد الوزير وحرصه على ترشيد المال العام وتسخيره لوقت طويل من عمله الوزاري للاستماع إلى كل من يطلب مقابلته من داخل الوزارة وخاصة من خارجها، فليسمح لنا بأن نختلف معه في مسألة حكم التاريخ له أو عليه، ذلك أن بعض القرارات قد تكون ظالمة للبعض وهؤلاء لن يشفع لهم إنصاف التاريخ المتأخر ولن يفيدهم في شيء ، أما باقي القرارات من نوع حل وحدة التصرف حسب الأهداف لمدينة الثقافة بعد تعطيل عملها - وهو ما دفع مديرها العام محمد زين العابدين إلى الاستقالة في خطوة غير مسبوقة- و الإبقاء على جل المندوبين الجهويين للثقافة الذين كرسوا ثقافة التبعية للنظام السابق برغبتهم أو دونها (وهذا لا يعفيهم من المسؤولية) أو جعل مراكز الفنون الدرامية برأسين بعد تعيين مدير فني وآخر إداري جعل البعض يختصم على أحقية استغلال السيارة الإدارية، وتغيير تسمية المركز الثقافي الدولي بالحمامات إلى دار المتوسط للثقافة والفنون قبل أسابيع قليلة (وهذا المقترح نادى به رجاء فرحات منذ سنوات دون أن ينصت إليه أحد وها هو يجد القبول عند الوزير المؤقت )... مثل هذه القرارات سيحكم عليها التاريخ كما يردد السيد الوزير وقد ينقلب عليها الوزير القادم قريبا ، ولكن ما لا يمكن أن ينتظر حكم التاريخ هو قطع أرزاق الناس واللعب بمصائرهم ويتعلق الأمر بالمسرحي الأسعد بن عبد الله الذي يعتبر أحد أبناء وزارة الثقافة، فقد درس في المعهد العالي للفن المسرحي - الذي كان تحت لواء هذه الوزارة- وبمنحة جامعية من وزارة الثقافة لا من ديوان الخدمات الجامعية والتحق بن عبد الله إثر تخرجه بوزارة الثقافة من سنة 1988 إلى سنة 1994 تاريخ التحاقه بسلك أساتذة المسرح بوزارة التربية ثم عاد الأسعد بن عبد الله إلى وزارة الثقافة إثر تعيينه على رأس مركز الفنون الدرامية بالكاف سنة 2000 و طيلة سبع سنوات ترك الأسعد بن عبد الله بصماته بتظاهرات نوعية وضع تصوراتها وسهر على تنفيذها أبرزها 24 ساعة مسرح دون انقطاع بمناسبة العيد العالمي للمسرح كما نظم تظاهرة "المسرح يحتفل بالسينما" لثلاث دورات ، أما عن الإنتاجات فقد قدم بن عبد الله"المنسيات" التي كانت عملا إبداعيا غير مسبوق ولقيت رواجا استثنائيا فضلا عن قرابة العشرين مسرحية من إنتاج المركز لم يتجاوز نصيبه منها مخرجا الأربع ليفسح المجال لمختلف الطاقات المبدعة... وفي سبتمبر 2007 عين الأسعد بن عبد الله مديرا للمركز الثقافي الدولي بالحمامات وهي الخطة التي شغلها حتى حل السيد باش شاوش في حكومة الغنوشي ثم حكومة قائد السبسي . لم تكن بين الرجلين سابق معرفة ولم يظهر الوزير أي عدائية نحو منظوره بل هاتفه ليلا ليطلب منه إعداد برمجة مهرجان الحمامات وهو ما استجاب له الأسعد بن عبد الله في 30أفريل 2011 وبقي ينتظر رد الوزير الذي جاء مفاجئا إذ أرسل إليه لجنة تفقد قدمت له وثيقة تتضمن تخليه عن مهامه كمدير للمركز وهي وثيقة إمتنع بن عبد الله عن إمضائها وبادر بمكاتبة السيد الوزير بتاريخ 6ماي 2011 مستفسرا عما يحدث... رد الوزير لم يتأخر هذه المرة إذ جاء من الغد بإنهاء مهام الأسعد بن عبد الله على رأس المركز الثقافي الدولي بالحمامات. وبانتهاء عمليات التفقد دون وجود أي شبهة في عمله طيلة سنوات إشرافه على المركز، طلب الأسعد بن عبد الله مقابلة السيد الوزير في 3 جوان 2011، طلب لم يجد له السيد الوزير - الذي كثيرا ما فاخر بأنه يستمع لكل من يطلب مقابلته- الوقت للرد عليه لا سلبا ولا إيجابا... مرت الشهور ثقيلة والأسعد بن عبد الله - الذي هو في وضعية إلحاق بوزارة الثقافة إلى غاية سنة 2015 - دون أي عمل فعلي حتى تم إعلامه من طرف وزارة التربية بتاريخ 2 نوفمبر الجاري بضرورة الالتحاق بالعمل مدرسا للمسرح بمعاهد التعليم الثانوي، وذلك يعني أن السيد وزير الثقافة قرر إنهاء إلحاقه بوزارة الثقافة فجأة وبعد انطلاق السنة الدراسية بأكثر من شهر ونصف؟؟؟ بعد كل هذه الوقائع، يظل السؤال ملحا، لماذا استهدف وزير الثقافة المؤقت رجل المسرح الأسعد بن عبد الله؟ولماذا كل هذه الإجراءات العقابية دون أي موجب؟فهل يكافأ المتميزون بهذه الطريقة؟ هل كان الأسعد بن عبد الله مناشدا؟ أو وزيرا؟ أو حتى مساعد رئيس بلدية في عهد بن علي كشأن السيد الوزير نفسه؟ أسأل السيد الوزير حتى لا أكون شيطانا أخرس ساكتا عن الحق...وحتى أسد الباب أمام المتملقين والمتزلفين وشراح خطب السيد الوزير ومستشاري السيد الوزير وملحقيه ممن يستهجنون قراراته في مجالسهم ويمدحون عبقريته في حضرته، نذكرهم بأننا طالما نقدنا الأسعد بن عبد الله مخرجا مسرحيا ومديرا في الكاف و الحمامات ولكننا نجد أنفسنا اليوم مدافعين عنه لأنه بكل بساطة يتعرض لمظلمة تمر في صمت فالكل منشغل بوليمة المجلس التأسيسي وعيب أن يجازى المجتهدون بالجحود والنكران...