تونس : موسم الهجرة إلى الجنوب هذا العنوان أردت اقتباسه من عنوان مؤلف الكاتب والأديب العربي الكبير وصاحب جائزة نوبل للآداب الراحل الطيب صالح "موسم الهجرة إلى الشمال " . وأردت أن أنطلق من الشمال إلى الجنوب وبالتحديد من مدينة تونس العاصمة لنودع المبزع وقائد السبسي وفريقها الذين قادوا المرحلة الانتقالية الصعبة ووصلوا بالبلاد تقريبا إلى "بر الأمان" على عكس ما تشهده ثورة مصر الشقيقة هذه الأيام من انتكاسة قبل أقل من أسبوع من انطلاق الحملة الانتخابية البرلمانية ولا يمكن أن أمر وأواصل رحلتي نحو الجنوب التونسي دون أن أتوقف قليلا في سوسة مسقط رأس حمادي الجبالي رئيس الحكومة الجديدة المنتظر الذي فجر منذ أيام في خطاب في هذه المدينة قنبلة عنقودية "الخلافة الراشدة السادسة" التي مازالت تثير الكثير من الجدل والانتقاد في الأوساط السياسية والحزبية وفي الرأي العام الوطني الذي لم يفق بعد من تأثير الصدمة . وعلى أية حال فبعد بضعة أشهر من ترأس "بلدي" في شخص السبسي للحكومة بعد أن ظل منصب الوزير الأول منذ أوائل السبعينات حكرا على أبناء الساحل (الهادي نويرة ثم محمد مزالي – فرشيد صفر والهادي البكوش وحامد القروي وأخيرا محمد الغنوشي) . - تعود رئاسة الحكومة لقيادي نهضوي ساحلي .لكن في حكومة سياسية وطنية مشعة على كل الجهات ومتعددة الألوان "نوار ربيع " بعدما كانت لأكثر من نصف قرن من لون واحد وحزب واحد ولا مكان في كل الحكومات المتعاقبة وبنسبة 99 بالمائة لغير المنتمين لحزب التجمع الدستوري الديمقراطي المنحل ووريثه الحزب الاشتراكي الدستوري الذي أنبنى بدوره على أنقاض الحزب الحر الدستوري حزب المرحوم عبد العزيز الثعالبي ثم حزب الزعيم الحبيب بورقيبة بداية من 2 مارس 1934 . إذن اودع سوسة الجميلة في اتجاه الجنوب التونسي من قابس إلى برج الخضراء ومنه إلى قفصة بعد مدنين وتطاوين وقبلي وتوزر . هذا الجنوب الذي أنجب العظماء والمصلحين والزعماء وظل كما كل أنحاء البلاد التونسية وفيا لعروبته ومتمسكا بهويته وقيمه الوطنية. فبعد تهميش هذا الجنوب الشامخ على الدوام تدور الأيام لنرى عددا من أبناء الجنوب يستعدون لقيادة تونس . واستحضر هنا وأملي أن لا تخونني الذاكرة وإلا أن تكون معلوماتي خاطئة – زعيم النهضة راشد الغنوشي وزعيم الحزب الحاكم وكذلك الدكتور المنصف المرزوقي الذي ستؤول له مسؤولية رئاسة الجمهورية وهل هناك أفضل من أن تتداول كل أبناء تونس من شمالها إلى جنوبها ومن وسطها وشمالها على السلطة وعلى تحمل المسؤوليات القيادية العليا في البلاد بدل أن نبقى ونظل حكرا على جهة واحدة وكأن هذه الجهة هي وحدها التي تنجب رؤساء الدولة ورؤساء الحكومة والوزراء . وفي هذا الإطار تأمل أن تكون الحكومة الجديدة تضم أعضاء من كل الجهات وألا تكون على أساس المحاصصة الحزبية .فكل جهات بلادنا تزخر بالكفاءات العالية والخبرات الرفيعة المستوى العلمي وبالتالي لا يمكن أن نحصر تعيين أعضاء الحكومة الجديدة على أساس انتمائهم الحزبي وخاصة من الترويكا (النهضة والتكتل وحزب المؤتمر من أجل الجمهورية ) بل لا بد من توسيع دائرة الاختيار حتى تكون الحكومة بحق حكومة وطنية ائتلافية متجانسة ومتماسكة وقادرة على تحقيق أهداف الثورة وتطلعات الشعب بكل فئاته بقيادة شخصيات وطنية ذات مستوى علمي رفيع دكتوران في الطب في شخص المرزوقي وبن جعفر ومهندس (الجبالي ) . وهذا يحدث لأول مرة في تونس الثورة . ولا يسعنا كتونسيين إلا أن نهنأ أنفسنا بهذا الحدث الممتاز بعدما كان يحكمنا رئيس "مافيوزي" محدود المستوى الثقافي لكنه متحصل على أكبر شهادة من أشهر جامعة مختصة في اللصوصية والفساد ...وأنا في الجنوب انتعش بنسماته وأتنعم بها على عكس أم كلثوم التي تغار من نسمة الجنوب " استحضرت ما تعيشه بلدان الجنوب وشعوبها من تخلف وفقر مدقع وتسلط وفوضى وتمنيت ألا تكون تونس "بلدا جنوبيا" لأن ما تعيشه هذه الأيام لا يرتقي إلى تطلعات أي تونسي ينشد الحرية والكرامة فكثرة الاعتصامات والإضرابات والاحتجاجات والتجاوزات والفقر على القانون والطلبات المجحفة أمور تخيفنا فنحن شعب مثقف وواع ومتحضر أنجز أول ثورة حضيت بإعجاب وتقدير واحترام العالم بأسره وأثرت إيجابا في محيطها القريب والبعيد . فلا تشوه هذه الثورة المجيدة يمثل هذه الأفعال والتصرفات المشينة واللاوطنية في عديد الجهات والحالات . خاصة في هذه المرحلة الصعبة التي تحتاج فيه تونس إلى جهود كل ابنائها .