خلال زيارة زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي الى معهد واشنطن للدراسات ,الاسبوع الفارط ,في إطار مائدة مستديرة تحدث فيها عن مستقبل البلدان العربية والعلاقة مع واشنطن ,اعتبر الغنوشي ان الموقف الأميركي من الثورات العربية كان إيجابياً وقال “إنه واحد من العوامل التي يمكن أن تسهّل العلاقة بين الإسلام والغرب بعد كل التشويه الذي تعرّضت له صورة الإسلام على أيدي الإرهابيين ". وصرح الغنوشي انه كان ممنوعا من زيارة الولاياتالمتحدة طوال سنوات مفيدا ".. مع أنني أنا شخصياً، وحركة النهضة، لم نوصَم بتهمة الإرهاب، وبفضل الثورات العربية فإنني الآن أجلس بينكم وأتمتّع بانفتاحكم على الحوار، وأنا مدين بذلك لشهداء الثورات وللمواقف الأميركية الإيجابية تجاه الثورات العربية. وعبر عن امتنانه للجهات الأميركية التي دعته إلى واشنطن بعد أن كان ممنوعا من زيارة الولاياتالمتحدة. أما في ما يتعلق بموقف الولاياتالمتحدة تجاه نظام الرئيس زين العابدين بن علي فقال الغنوشي "كان أفضل قليلاً من مواقف حلفائها الأوروبيين، فوزارة الخارجية الأميركية أصدرت عدة تقارير كشفت فيها عن حالات خرق لحقوق الإنسان وحالات تعذيب في تونس. مع ذلك، فالسياسة الأميركية ظلّت في حدود الإدانة اللفظية، ولم تصل إلى مستوى الضغوط السياسية أو الاقتصادية". وطرحت على الغنّوشي مجموعة من التساؤلات مثل أسباب منعه من دخول الولاياتالمتحدة و مواقفه المعلنة آنذاك ، و ترديده جملة الخميني الذي أطلق تسمية "الشيطان الأكبر" على أمريكا، وتأييده المعلن للرئيس العراقي الراحل صدام حسين حول مسوغات ضمّ الكويت للعراق، والجهر علناً بدعم العمليات الانتحارية ضد إسرائيل. وما إذا كانت مواقفه قد تغيرت بعد وصوله إلى الحكم منذ الإعلان عن تأسيس النهضة كحركة سياسية في 1981؟ وكان من ضمن اجابات الغنوشي انه لم يكن مؤيداً للإرهاب مضيفا "نحن ندعو للتعددية ونقيم علاقات مع كل جماعات المعارضة. وفي ما يتعلّق بالنزاع الإسرائيلي- الفلسطيني، فتلك مسألة معقدة لم تجد حلاّ بعد لا مع عرفات، ولا مع أبو مازن، ولا مع حماس , مع أن أغلبية الفلسطينيين قبلت بفكرة الحل على أساس دولتين. وهذه المسألة تخص الآن الفلسطينيين والإسرائيليين أكثر مما تخصّ أي فريق آخر. أنا معني بتونس، وأنا أركّز على نموذجي وعلى تجربتي و أريد لهما أن ينجحا، في حين يهتمّ آخرون بقضية فلسطين أو ليبيا, كل واحد يهتم بما يمس مصالحه، ومصلحتي أنا هي تونس". ولم ينكر الغنوشي تغير موقفه من جملة القضايا المعلنة، وعبر عن افتخاره بتطوّر موقفه وسوغ ذلك بقوله "لأنني بشر ". وقال "لدي وثائق تثبت أنني رفضت إطلاق صفة الشيطان الأكبر على الولاياتالمتحدة وبالأحرى، فقد اعتبرت الولاياتالمتحدة أمة مثل غيرها من الأمم التي تأخذ قراراتها الخاصة، وبعضها قرارات جيدة وبعضها قرارات سيئة مضيفا " لقد رفضت مراراً اللغة التي استخدمها الإمام الخميني لتشبيه أميركا بالشيطان, أنا لا أؤمن بلغة الخميني." و إجابة عن سؤال احد الحاضرين حول "تأسيس الخلافة السادسة التي أعلنها حمادي الجبالي – امين عام حركة النهضة - قال الغنوشي "الجبالي , لم يكن يتحدث عن النظام السياسي الذي يريد أن تتبنّاه تونس، لأن مواقفنا من النظام السياسي في تونس معروضة بوضوح في برنامجنا الانتخابي. وهو بالتأكيد يعرف أنه يريد أن يصبح رئيس وزراء تونس وليس رئيس وزراء الإمبراطورية العثمانية. وحتى أردوغان ليس خليفة المسلمين. مستندا الى نماذج الخلفاء الخمسة الذين حكموا العالم الإسلامي في عصره الذهبي. أما في ما يتعلق بالعلاقة مع إسرائيل فقال الغنّوشي "برنامجنا الانتخابي لا يتضمن أية إشارة إلى قطع العلاقات مع إسرائيل، وما حدث في لجنة بن عاشور الانتقالية بعد الثورة التونسية هو صدور وثيقة سياسية وقّعتها أحزاب المعارضة بما فيها النهضة. لكن المفروض هو ألا يتعرّض الدستور سوى للسياسات طويلة الأمد التي تؤثّر في تونس، والنزاع العربي الإسرائيلي ليس واحداً منها. واليوم، لا ينوي أي حزب، سواء حزب النهضة أو أي حزب آخر، أن يقترح إدخال مثل هذا الطلب (أي قطع العلاقات مع إسرائيل) في الدستور الجديد. إن الدستور لم يُحرّر بعد، وفي أي حال فالبلد الوحيد الذي سيتم ذكرُهُ في الدستور المقبل هو تونس . وانطلاقا من تجربة النهضة في تونس تحدث الغنّوشي عن تجارب الحكم في الأنظمة العربية الأخرى حيث أشار إلى أن ثورات عربية أخرى تتّجه نحو الانتصار، وقال "الأرجح أن ذلك يؤشر إلى انتهاء عهد الجمهوريات العربية القديمة". وتوقع الغنوشي أن يكون العام المقبل عام انتهاء النُظم الملكية العربية كما لم ينس العربية السعودية وشبابها الذي دعاه إلى الاستفاقة شانه شان أنداده في تونس وسوريا معتبرا إياه ليس اقل جدارة من رفاقه " وقال : "الثورات تفرض على الملكيات العربية إتخاذ قرارات صعبة، فإما أن تعترف بأن وقت التغيير قد حان، أو أن الموجة لن تتوقّف عند حدودها لمجرّد أنها نُظم ملكية. الجيل الشاب في السعودية لا يعتقد أنه أقل جدارة بالتغيير من رفاقه في تونس أو سوريا" وتطرق إلى الواقع السياسي الجديد في المغرب بعد نجاح الاستفتاء على الدستور وتفوق حزب التنمية والعدالة الإسلامي برئاسة عبد الإله بنكيران في الانتخابات قائلا "العالم العربي أمة واحدة، والشعب العربي يملك ثقافة مشتركة، ما يحصل في المغرب يعطي الأمل بأن بعض الملكيات قد فهمت رسالة اليوم الحاضر، وهي وجوب إعادة السلطة إلى الشعب". بعض المواقف السياسية التي رصدها موقع" ميدل ايست اون لاين " قال عبد الستار الشعبوني - القطب الديمقراطي الحداثي - إن زيارة الغنوشي في مثل هذه الظرف الذي تمر به تونس هي رسالة واضحة ومفضوحة تؤكد أن حركة النهضة ترتب مستقبل تونس بالتنسيق مع واشنطن. وأضاف "علينا أن نتذكر أن أول بلد يزوره الغنوشي بعد الانتخابات هو دولة قطر الذراع السياسية في الخليج وحاضنة مشروع الإسلاميين والمدافعة عنه. وأشارت أسماء العبيدي الناشطة في حزب العمال الشيوعي التونسي “لقد سقط نقاب النهضة أو هو يتساقط بمرور الأيام، نحن في الحزب على يقين بأن حركة النهضة تريد أن تنفذ مشروعها الظلامي برعاية أميركية، لقد بات واضحا أن النهضة هي ذراع الأجندة الأميركية في تونس." وتابعت قائلة "لكننا كقوى ديمقراطية ويسارية مناضلة سندافع عن بناء تونس الديمقراطية، سندافع عن دولة مواطنة مدنية علمانية وسندافع عن مشروع مجتمعي حداثي، وسنتصدى لكل المحاولات اليائسة التي تريد نسف مكاسب التونسيين وفي مقدمتها حرية المرأة. " ومن جهته قال أستاذ العلوم السياسية والقانونية بالجامعة التونسية هشام الرقيق "على النهضة أن تكون على وعي بأن مستقبل تونس لا يصاغ خارج حدودها، إن مستقبل تونس يبنى هنا لا بالترتيب مع واشنطن العدو الأول للعرب الذي دمر العراق". ولاحظ الرقيق "ان زيارة الغنوشي لواشنطن إذا ما نزلنا في إطارها السياسي هي زيارة غير بريئة إنها مؤشر واضح على أن النهضة تسعى لكسب أكثر ما يمكن من الدعم من أميركا في محاولة لتوفير التأييد الدولي لتمرير مشروعها المجتمعي السلفي"” وبرأي محللين سياسيين فإن زيارة الغنوشي لواشنطن هي زيارة "رسمية لإبرام عقد زواج بين البيت الأبيض وحركة النهضة بعد أن تأكد للجميع أن الربيع العربي سطت عليه الحركات السلفية بمساعدة أميركية".