لئن مثل تاريخ 14 جانفي منعرجا حاسما في تاريخ بلادنا إلا أن ما تمر به البلاد اليوم من مسؤوليات لإنجاح المسار الانتقالي الديمقراطي و إرساء رؤية مستقبلية جديدة يعتبر أكثر حسما و قد أعدت بلادنا لذلك برنامجا اقتصاديا و اجتماعيا لتهيئة أفضل الظروف المؤدية إلى تحسين ظروف العيش في كل الجهات وتركيز أسس الديمقراطية الناشئة.و يرتكز هذا البرنامج على ثلاثة محاور أساسية هي إدارة الأزمات في مرحلة ما بعد الثورة والإصلاح السياسي و تنفيذ عملية الانتقال نحو الديمقراطية و توفير الظروف الملائمة لاستدامة التنمية الاجتماعية والاقتصادية على المدى المتوسط. وخلال هذه الفترة الانتقالية أي مرحلة 2012-2013 فان بلادنا تتطلع إلى استعادة نسق نموها بتحقيق نسب نمو عالية بحوالي 5% سنويا والشروع في الإصلاحات السياسية الضرورية والإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية اللاّزمة لتحسين الظروف الاجتماعية والاقتصادية في البلاد. أما في المرحلة الموالية 2013-2016 فستسعى إلى تحقيق معدلات نموّ تناهز 7% كما أنها ستسرع في عمليات التقارب مع الاتحاد الأوروبي ومع البلدان الأخرى الشريكة. ويتكون البرنامج الاقتصادي والاجتماعي على المدى المتوسط من عشرة أهداف إستراتيجية، تتمحور حول النقاط التالية : - بناء الثقة من خلال الشفافية والمشاركة المدنية والمسؤولية الاجتماعية. - تأمين التوزيع العادل للتنمية على جميع شرائح المجتمع. - النهوض باقتصاد المعرفة بتعزيز الدور المحوري للعلوم والتكنولوجيا. - توفير الظروف الملائمة للرفع في الإنتاجية و حرية المبادرة والاستثمار. - تعزيز الاندماج في الاقتصاد العالمي. - التشجيع على الاستثمار في الموارد البشرية من خلال التعليم والتدريب وتعزيز المهارات المهنية في جميع المجالات. - تعزيز العدالة الاجتماعية وبرامج تكافُؤ الفرص. - ضمان التمويل الملائم والسليم والمتوازن للاقتصاد. - إعادة تأهيل الخدمات العامة والعمل المدني. - تحسين كفاءة استخدام الموارد المتاحة والمحافظة على البيئة. و بالنسبة للفترة 2012-2016 فيراهن البرنامج على إنجاز استثمارات ضخمة وغير مسبوقة ب 125 مليار دينار أي ما يعادل 100 مليار دولار من أجل بلوغ معدل نمو سنوي لهذه الاستثمارات في حدود 15٪ بالأسعار الجارية لتصل نِسْبتُها من الناتج المحلي الإجمالي إلى 28٪ خلال هذه الفترة. ومن ناحية أُخرى، تقدر الاستثمارات العمومية بنحو 50 مليار دينار أي ما يعادل 40 مليار دولار منها 44 مليار دينار سيتم توفيرها مباشرة من ميزانية الدولة، أما البقية فستوفّرها الشركات العمومية. وسيبلغ الاستثمار الخاص 75 مليار دينار، منها 22 مليارا استثمار أجنبي مباشر. ومن أجل تسريع عملية الاستثمار في البلاد، قامت الحكومة الانتقالية بإنشاء أداتين رئيسيتين يتوقع أن تكونا جاهزتين بحلول نهاية العام الحالي هما "صندوق الودائع والأمانات" و "صندوق الأجيال". فبخصوص هذا الأخير فإن الحكومة الانتقالية ستوفر له مبالغ هامة من مختلف مصادر التمويل، وسيوكل له الاستثمار في المشاريع المجدية والمربحة والتي تتوافق مع المعايير والمقاييس المعتمدة من قبل المستثمرين الخواص. وسيسعى هذا الصندوق إلى تمويل المشاريع الكبرى ذات البعد الإستراتيجي، مع التفويت فيها بعد ذلك للخواص بعد ضمان مردودية مقبولة. كما سيساهم هذا الصندوق في ظهور جيل جديد من رجال الأعمال الذين يتمتعون بأفضل الممارسات والمقاييس العالمية في ميادين الأعمال والإدارة. ويهدف الصندوق إلى استقطاب 5 مليارات دينار أي ما يعادل4 مليارات دولار في غضون سنتين من إنشائه. وهو ما سيمكن من مضاعفة تلك الإمكانيات لإنجاز حجم استثمارات جملية تزيد عن 35 مليار ديناراي ما يعادل 30 مليار دولار خلال الخمس سنوات القادمة، مما سيساهم في خلق أكثر من مليون موطن شغل بصورة مباشرة وغير مباشرة خلال تلك الفترة. أما بالنسبة ل"صندوق الودائع والأمانات" فسيكون في شكل مؤسسة عمومية لا تكتسي صبغة إدارية وسيعهد له بتمويل مشاريع البنية التحتية في المناطق الداخلية، والمساهمة في تمويل المؤسسات الصغرى والمتوسطة خاصة في الجهات الأقل نموا بالبلاد. وينتظر أن يساهم في امتصاص البطالة من خلال الاستغلال الأمثل للموارد المتوفرة وتوجيهها للنهوض بالاستثمارات خاصة بالمناطق الداخلية. وستتأتى موارد الصندوق من الادخار البريدي وأنظمة الادخار التي تتمتع بامتيازات جبائية ومن موارد الودائع والأمانات... . ومن المنتظر أن تتجاوز الاستثمارات التي سينجزها الصندوق في المدى القريب 5 مليارات دينار. وسيساهم في تحسين شبكات البنية التحتية والنهوض بالمناطق الصناعية وبالتالي تشجيع القطاع الخاص على الاستثمار وتكوين الشركات خاصة في المناطق الداخلية وفي كامل البلاد.